الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
الهيئة العليا للمفاوضات بين الثبات على مبادئ الثورة و(الواقعية السياسية)
الخميس 24 ربيع الآخر 1439 هـ الموافق 11 يناير 2018 م
عدد الزيارات : 2656

 

الهيئة العليا للمفاوضات بين الثبات على مبادئ الثورة و(الواقعية السياسية)


تأسست الهيئة العليا للمفاوضات في 10 كانون الأول 2015م بعد اجتماع عقدته المعارضة السورية في الرياض، وقد ضمت الهيئة اثنين وثلاثين عضوًا، بينهم تسعة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وعشرة من الفصائل المسلحة، وخمسة من هيئة التنسيق الوطني، وثمانيةٌ مستقلون، برئاسة الدكتور رياض حجاب.
وشاركت الهيئة في مفاوضات جنيف 3 وجنيف 4 ومفاوضات أستانا، ورفضت في تشرين الثاني 2017 المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي اقترحته روسيا في سوتشي، لتفرض ما بات يعرف بالواقعية السياسية، وقالت إنها تعارض مناقشة مستقبل سورية خارج إطار الأمم المتحدة، ووصفت المؤتمر بأنه يمثل حرفا لمسار الوساطة التي ترعاها الأمم المتحدة، ومحاولة لإعادة تأهيل نظام الأسد.

 


الهيئة العليا للمفاوضات ورؤيتها:
عملت الهيئة العليا للمفاوضات على تعزيز العملية السلمية والدفع بالحلّ السياسي، ودعم الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار لإنهاء معاناة السوريين، وحرصت على تحقيق ذلك من خلال القنوات الدبلوماسية والدعوة إلى تنفيذ القانون الدولي، خاصة المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254، فيما يتعلق بفك الحصار عن المدن والمناطق المحاصرة، وتمكين الوكالات الإنسانية من توصيل المساعدات لجميع من هم في حاجة إليها، والإفراج عن المعتقلين، ووقف عمليات القصف الجوي والمدفعي والهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية، وتقييد جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولتحقيق ذلك أكدت الهيئة أن رفع المعاناة عن الشعب السوري هي مسألة إنسانية يجب معالجتها خارج ميادين التنازع السياسي، والإصرار على اعتبارها فوق مستوى التفاوض، إذ لا يسوغ مقايضة المواقف السياسية بمعاناة الشعوب.
وفي حديثه إلى (نور الشام) يتحدث الدكتور (رياض نعسان آغا الناطق الإعلامي باسم الهيئة العليا للتفاوض) عن جولات المفاوضات ومبادئ هيئة التفاوض فيقول: "منذ أول جولة للمفاوضات حرصت الهيئة العليا على أن يتم تنفيذ القرار الدولي 2254 حسب ما جاء في بنوده الشهيرة 12 و13 و14  في المرحلة التمهيدية للحل السياسي التي اعتبرها القرار مرحلة حسن النوايا، وهي التي تتحدث عن قضايا فوق التفاوض، مثل وقف إطلاق النار، وفك الحصار، وإدخال المواد الغذائية والأدوية وإطلاق سراح المعتقلين. وكانت المفارقة أنّ النظام وروسيا بدل أنْ ينفذا القرار صعّدا الهجوم في كل المواقع، وشدّدا الحصار ولاسيما في مضايا ( تلك الفترة من عام 2016 ) ولم يطلقا سراح أي من المعتقلين، وكان هذا التصعيد ورفض النظام لتنفيذ قرار مجلس الأمن، والإعاقات المتتالية التي جسّدها الروس عبر (الفيتو) المتكرر لأي قرار يسهم في إيجاد حلّ في مجلس الأمن، قد جعل المفاوضات تدور في الفراغ، وهذا ما جعلنا نطلب تعليق التفاوض حتى يتمّ الالتزام الجاد بتنفيذ القرار، وكان واضحًا أنّ روسيا تساعد النظام على تحقيق الحسم العسكري قبل المفاوضات السياسية، لكي يضعف الحضور العسكري للمعارضة، وأرادت تشتيت جهد المعارضة، وأصرّت على أن تشكّل وفدًا عسكريًا لمناقشة وقف إطلاق النار، وذهبت به إلى أستانة لتجد دورًا لإيران، ولكي تضعف مسار جنيف، وكنا نريد وقفًا لإطلاق النار لإيقاف شلال الدم النازف، بعد أن فشلت اتفاقية ( لافروف - كيري ) لوقف الأعمال العدائية، ووجدنا أنفسنا نغرق في الملف الإنساني، ورغبنا في أن نسارع للدخول في الموضوع الرئيس الذي كان يهمله ديمستورا، وهو موضوع الانتقال السياسي، بينما يرفض النظام أي حديث عن هذا الانتقال (وهو صلب بيان جنيف 1 ومحور القرار 2254 )، ويصرّ على أن الموضوع الوحيد الذي يناقشه هو (مكافحة الإرهاب)، وكما ترون ما زال النظام حتى نهاية الجولة الثامنة يصرّ على رفض مناقشة الانتقال السياسي. وهو يضيع الوقت (بدعم دولي معلن وخفي) كي ينتهي من مشروعه الوحيد وهو الحسم العسكري، بحيث تليه المصالحات عبر الاستسلام والخضوع المطلق للنظام وإعادة إنتاجه.
وعن الخطوات العملية التي حققتها الهيئة العليا للمفاوضات في ضوء رؤيتها لعملية الانتقال السياسي يضيف (د. نعسان آغا): "هناك جهد كبير بذلته الهيئة العليا على مدى عامين ونيّف، كان من أهمه إطلاق الرؤية السياسية لمستقبل سورية، وآليات تنفيذ القرار الدولي، فضلاً عن سلسلة اللقاءات الدولية، وبخاصة اللقاءات في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتواصل المستمر مع الفعاليات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني، وقوى الجيش الحر".

الاستقالات من الهيئة العليا للتفاوض:
أحدثت الاستقالات الجماعية لأعضاء الهيئة العليا للمفاوضات السورية قبيل مؤتمر "الرياض 2" مفاجأة كبيرة ضمن مسار التفاوض للوصول إلى الحل السياسي، فقد أعلن منسق الهيئة العليا للمفاوضات د. رياض حجاب وعشرة من أعضاء الهيئة استقالتهم، من بينهم د. رياض نعسان آغا، وقال حجاب في بيان له: إنه وجد نفسه مضطرًا لإعلان الاستقالة من مهمته، وذلك بعد سنتين من العمل للمحافظة على ثوابت الثورة. وأضاف أنه كان ملتزمًا بمبادئ الثورة، ويعمل على تأسيس نظام تعددي دون أن يكون للأسد ونظامه مكان فيه.
وبعد هذه الاستقالات اختارت المعارضة السورية في مؤتمر الرياض الثاني الذي عقد يومي 22 و23 تشرين الثاني أعضاء النسخة الجديدة من الهيئة العليا للمفاوضات، وضمّت خمسين عضوًا، من بين هؤلاء عشرة من أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وستة أعضاء من هيئة التنسيق الوطنية وأربعة من منصة القاهرة، وأربعة من منصة موسكو، كما تضمّ الهيئة الجديدة عشرة ممثلين للفصائل العسكرية من الجيش الحر.
وعلى إثر ذلك أصدرت شخصيات سياسية وثورية وهيئات ومجالس محلية في سورية بيانًا يُطالب بالحفاظ على ثوابت الثورة وعدم التنازل عنها، ورأى البعض أن هيئة التفاوض الجديدة تسير باتجاه مخالف لمبادئ وأهداف الثورة السورية وأن نظام الأسد استطاع اختراق صفّ المعارضة.
وفي هذا السياق يقول الكاتب والباحث السوري (أحمد أبازيد): "بالنسبة إلى الرياض 2 وهيئة التفاوض الجديدة، بالأساس المؤتمر تمت الدعوة إليه تحت شعار الواقعية السياسية وضرورة توحيد المعارضة، وهي حجة روسية دائمة استُعملت من قبل، وستبقى تُستعمل لخفض سقف المعارضة وخطابها السياسي وللتخلي عن المبادئ الأساسية، وهي مبادئ إنسانية أساسية تتعلق برحيل نظام الأسد ومحاكمة مجرمي الحرب والإفراج عن المعتقلين وبقية القضايا الإنسانية. وهذا قدري جميل نفسه قال نحن شاركنا بعضو واحد وفرضنا استراتيجيتنا على البقية. وهو ما حصل بشكل كبير.
بيان الرياض 2 تكلم بأنه لا يرى أن الانتقال السياسي يمكن أن يتم من دون رحيل الأسد، لكنه ليس شرطاً في البيان بقدر كونه وجهة نظر، ولا شك أن بيان الرياض 2 كان أدنى سقفًا من بيان الرياض 1، لكن الأخطر هو أن تشكيلة الوفد الجديد التي ضمت منصة موسكو التي انخفض فيها نسبة تمثيل الثوريين أو ممن يتبنى رحيل النظام فعلا، فنجد أن منصة موسكو أصبحت جزءًا رسميًا من وفد المعارضة على الرغم من أنها تتبنى رؤية هي أقرب إلى النظام، بل تتبنى بقاء النظام وتجريم الثورة السورية وتجريم المعارضة، وتتبنى أن المعتقلين هم مجموعة من الإرهابيين، فبأي معنى يُعتبرون من المعارضة ويفاوضون النظام؟! نعم، النظام نجح باختراق صفّ المعارضة عبر منصة موسكو، لكن قبل ذلك عبْرَ تغيير الاستراتيجية التفاوضية".
وعن ملامح هذا الاختراق الذي حصل في صفوف المعارض يضيف (أبازيد): " نلاحظ أنه تراجع الكلام على الانتقال السياسي الكامل، وعلى هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية التنفيذية، وعلى رحيل الأسد ومحاكمته لصالح الاستراتيجية التي وضعتها روسيا ويتبناها ديمستورا، والتي نلحظ أنّ قسمًا من الوفد يتبناها أيضًا، ولم يعد هناك كلام على انتقال سياسي وعلى رحيل الأسد ومحاكمته، وصار الكلام على إصلاح دستوري ونقاش الانتخابات برلمانية وحوار وطني، فلم تعد المشكلة بين الشعب والنظام، بل صارت مشكلة مجتمعية وإصلاحات دستورية، هذه الرؤية تتبناها روسيا ويطرحها ديمستوار، ويروّج لها قسم ليس قليلا من الوفد الجديد."
وعند السؤال عن المسؤولين عن اختراق صف المعارضة بوجوه محسوبة على نظام الأسد أو لا تؤمن بمبادئ الثورة، يجيب (أبازيد): "لا شك أن الدول التي يفترض أنها داعمة للشعب السوري ولقضيته لم يكن تبنيها لقضية الثورة السورية وإسقاط الأسد والحد من  النفوذ الإيراني كما كان تبني حلفاء النظام له، وأن الضغوط الإقليمية والدولية كانت مساهمة بشكل رئيس في تغيير تركيبة المؤسسات السورية والمعارضة وفي تغيير بياناتها، ولكن المسؤولية تقع على السوريين قبل غيرهم، فيفترض أنهم هم أصحاب القرار، ولولا وجود من يتبنى أجندات ومن يتبنى ضغوط الدول الأخرى أكثر من تبنيه لقضية شعبه لما وجدنا هذا الاختراق والانحراف عن مبادئ التغيير والثورة السورية، ولذلك فإن السوريين أنفسهم هم المسؤولون، وكذلك المجموعات التي رأت أنه يمكن حلحلة العملية السياسية أو سير جنيف عبر تقديم تنازلات بلا مقابل وعبر خفض السقف التفاوضي وسقف الخطاب السياسي دون مقابل، والنظام يرى أنه كلما تنازلوا أكثر بإمكانه أن يفرض عليهم تنازلا جديدًا، وهذا ما حصل فعليًا ، فالسوريون يجب أن يكونوا هم المسؤولين عن تشكيلة مؤسساتهم وخطابهم والشتات المستمر للقوى السياسية والثورية التي تتبنى فعلا سقف التغيير السياسي، فالشعب السوري هو المسؤول عن تقدّم الخطاب الآخر، وكذلك الدول الإقليمية والضغوط الدولية وعدم جدية داعمي الشعب السوري وداعمي الثورة السورية بإسقاط النظام".
ويوضح (د. نعسان آغا) أسباب الاستقالة ورأيه بهيئة التفاوض الجديدة بقوله: "الاستقالات الجماعية أمر عادي قبل انطلاق مؤتمر الرياض 2 حيث لم يتم التنسيق مع الهيئة العليا التي دعت لمؤتمر الرياض 2 وشكلت لجنة خاصة له، وفوجئنا بأنه سينعقد دون أي تواصل مع الهيئة التي يُفترض أنَّ دورها ينتهي بمجرد قرار مؤتمر الرياض 2 بتشكيل هيئة جديدة، لذلك كان طبيعيًا أن نستقيل، وبالطبع كنا نريد التعبير عن التمسك ببيان الرياض 1 الواضح في رفضه بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، وحين وجدنا المؤتمر 2 يتمسك بروح بيان الرياض 1 باركنا جهده، وتفاعلنا معه بإيجابية. ولا ننكر أن الطريقة التي تمّ فيها استبعادنا لم تكن طبيعية، حيث كان من الممكن أن نتابع مسؤوليتنا في عقد المؤتمر، ونسلم الراية لهيئة جديدة، فنحن لا نتمسك بمناصب ولا أدوار شخصية، وإنما نطلب حلاً سياسيًا منصفًا وملبيًا لمطالب شعبنا، وبخاصة أن فينا من شغل مناصب كبيرة وتخلى عنها رغم المخاطر كي ينضم إلى مطالب الشعب. وقد عبرنا عن تأييدنا للوفد المفاوض الجديد، وندعو له بنجاح مهمته الكبرى".
حدود الواقعية السياسية:
تتعرض المؤسسات التي تمثل الثورة السورية إلى ضغوط عديدة من أجل تغيير خطابها وتبنّي منهج جديد مهادن تحت ذرائع "القراءة السياسية الواقعية" للموقف الإقليمي والدولي، وقد نشرت وسائل إعلام وثائق مسربة للوفد التقني بمدينة لوزان (6-7 يوليو 2017) تتضمن خمس عشرة نقطة، تفادت المسائل الأساسية التي قام عليها بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة، بما في ذلك: مغادرة بشار وزمرته، وإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وإصدار إعلان دستوري مؤقت، وتشكيل حكومة انتقالية، وتفكيك وإعادة تشكيل المؤسسات القمعية، وتطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية.
فجاء في بنود التسريبات القبول بدور إيراني في فترة أطلق عليها "مرحلة الإعداد لما قبل الفترة الانتقالية التعامل مع بشار الأسد على أنه رئيس لسوريا في هذه الفترة تجاهل العدالة الانتقالية، والموافقة على بقاء الحكومة القائمة -المنصوص عليها في المبادرة-كحكومة تصريف أعمال.
يعلق (د. نعسان آغا) على هذه الورقة بقوله: "كل ما تمت مناقشاته في لوزان وفي سواها كان آراء استشارية غير ملزمة كما تم الاتفاق مع ديمستورا الذي أراد إطلاق أفكار توافقية مع منصة موسكو، تمهيداً للقفز عن موضوع الانتقال السياسي، وقد تجاوبنا مع بعض الأفكار وبخاصة الإعلان الدستوري".
وتحت عنوان الواقعية السياسية حصل تحول عن المسار الذي نصّ عليه بيان جنيف 1 عبر تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، تتولى إصدار إعلان دستوري لمرحلة انتقالية يتمّ من خلالها صياغة دستور جديد، من أجل تحييد ملف العملية الانتقالية من ملفات التفاوض، وحصرها بملفي الانتخابات والدستور، وعن هذه النقطة يقول (د. نعسان آغا): "لقد تمكن الروس من استغلال غياب الرؤية الأمريكية نحو سورية ومن ضعف الحضور الأوربي في القرار الدولي، ففرضوا رؤيتهم، واستسلم لها المجتمع الدولي، وهي تقضي بإنهاء القضية عبر المصالحات الشعبية، ومع تعديلات بسيطة على الدستور، ثم تبدأ انتخابات برلمانية ثم رئاسية، ويتم من خلالها إعادة إنتاج النظام ومنح الأسد شرعية أبدية. هذا ما يخططون له في سوتشي مثلا".
ويرى (أبازيد) أن الترويج باستمرار لمصطلح الواقعية السياسية لتبرير أي تنازل والقبول بالأسد من جديد. ويوضح مفهوم الواقعية السياسية بقوله: "الواقعية السياسية هي أن أدرك ظروفي بشكل موضوعي ودقيق لتحقيق هدفي السياسي، يمكن أن أغيّر الأدوات بهذه الواقعية، لكن لا أغيّر هدفي السياسي، لأنه ليس المطلوب أن نسير مع المنتصر، وإلا فلماذا أساسًا يكون لنا قضية ولماذا نمثل قضية؟ هذه هي الواقعية لا أن أخضع لحكم المنتصر، هذه واقعية الذل واللاأخلاق والتسليم للسفاح، أما الواقعية الحقيقية، وهي الواقعية السياسية، هي أن أدرك الظروف الواقعية وموازين القوى وأتصرف بناء عليها، ويمكن أن أغيّر الأدوات، لكن في سبيل تحقيق الهدف وليس تغيير الهدف بناء على مَن المنتصر ومَن الأقوى، وبالأساس عندما قامت الثورة السورية لم نكن نمتلك أي قوة سوى قوة أن الشعب يحتاج إلى التغيير، وما زال هذا الحقّ الأخلاقي قائمًا، وبالعكس تزايدت الأسباب الأخلاقية والواقعية والشعبية لرحيل النظام".
ويستأنف (أبازيد) حديثه عن الواقعية فيرى أن "الواقعية هي أنّ هذا النظام تسبب في هذا القرن بأكبر مأساة تعيشها الإنسانية وليس الشعب السوري فقط، الواقعية هي أن هذه العائلة قتلت أكثر من نصف مليون سوري، وتسببت بهجرة الملايين، واعتقلت مئات الآلاف، ولم تبق هناك جريمة عرفها الإنسان إلا ومارسوها بأبشع قدر ممكن. الواقعية هي أنّ النظام تسبب بكل المأساة وجلب جيوش عدة دول لتحتل سورية، جلب ميليشيات طائفية من كلّ الجنسيات، وصنع التطرف والإرهاب والفوضى ودمّر المدن. الواقعية الحقيقية تقتضي أساسًا ألا يبقى، وليس القبول به لاستكمال وتدمير أي حلم بالعدالة والديمقراطية والتغيير، هذه هي الواقعية، ومن يريد القبول بالأسد ويبرر ذلك بالواقعية فبإمكانه أن يذهب إليه مباشرة، بدلا من أن يفعل ذلك باسم الثورة السورية والشعب السوري".
تصحيح المسار السياسي والخروج إلى برّ الأمان:
أعلن المجلس الإسلامي السوري بالاشتراك مع معظم الجهات الفاعلة في الشأن السوري عن وثيقة المبادئ الخمسة للثورة السورية بعد أن أدرك أن الثورة وصلت إلى مفترق طريق خطير، فتضمنت الوثيقة ثوابت وأساسيات للعمل الثوري، وحددت الخطوط الحمراء والمبادئ الأساسية وهي إسقاط بشار الأسد وكافة أركان نظامه، وتقديمهم للمحاكمة العادلة، وتفكيك أجهزة القمع الاستخباراتية والعسكرية، وبناء أجهزة أمنية وعسكرية على أسس وطنية نزيهة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة الأخرى.وخروج كافة القوى الأجنبية والطائفية والإرهابية من سـوريا، ممثلة بالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وميليشيا أبي الفضل العباس، وتنظيم الدولة. والحفاظ على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا واستقلالها وسيادتها وهويـة شعبها. فإلى أي مدى استطاعت الثورة السورية التمسك بهذه المبادئ والدفاع عنها وجعلها البوصلة في عملية الانتقال السياسي؟
يقول (أبازيد): "لا شك أنه كانت هناك جهود كبيرة من المجلس الإسلامي السوري في صياغة المبادئ الخمسة التي تحدد الأرضية التي يمكن أن ينطلق منها أي حل في سورية، وصياغة مبادئ الانتقال السياسي، وقد نجحت بنسبة كبيرة عند الفصائل والقوى الثورية، لكن هذه الفصائل والقوى لم تنجح في بلورة نفسها كمؤسسات وهياكل، وكانت الدول الأخرى هي المبادرة دائمًا في صياغة مؤسسات الثورة والمعارضة، وبالتالي امتلكت القدرة على الضغط عليها أو توجيهها بمسارات معينة، وهو ما أضعف موقف الفصائل والقوى التي وقّعت على المبادئ الخمسة، ومن ضمنها المجلس الإسلامي باعتبار أنها لم تبلور نفسها كمؤسسات، وهذا يعني أن هذا التيار الثوري يتضاءل شيئًا فشيئًا في المؤسسات المعترف بها دوليًا مثل الهيئة العليا الحالية.
الملاحظ تضاؤل التيار أو الخطاب الثوري لصالح الخطابات التي تدّعي الواقعية السياسية أو إدخال شخصيات مشكوك أساسًا في انتمائها إلى قضية التغيير السياسي مثل منصة موسكو بعد الرياض 2، فضاع التيار الثوري المتمسك بهذه المبادئ وبقضية الشعب السوري في صياغة مؤسساته وهياكله، وهو ما أضعف بشكل رئيس فاعلية هذه المبادئ والقدرة على التمسك بها".
وعن إمكانية الخروج من العقد التي أحاطت بالثورة لتستعيد قرارها وأوراق قوتها وتصبح مؤثرة في مستقبل سوريا يضيف (أبازيد): " لا شك أن الثورة السورية اليوم شهدت تراجعًا ميدانيًا وتراجعًا على مستوى الموقف السياسي وتحولات في مواقف الدول الداعمة لها، ولكن هذا لا يعني انسداد أفق التغيير، ولا يعني القبول بالأسد والتخلي عن قضية الثورة السورية والشعب السوري وحقوق الشهداء والمعتقلين والمظلومين وحق الشعب السوري بالتغيير. لا زالت لدينا أوراق القوة وقضيتنا العادلة والأخلاقية التي لا نتنازل عنها بمعايير مَن هو الأقوى. النظام في البداية كان هو الأقوى، ولم يكن هناك أساسًا أي صديق للثورة السورية، وكانت الدول كلها داعمة للنظام وعلى علاقات معه.
التغيير قد يمرّ بعثرات، لكن لا يجب أن يتوقف، التحولات التاريخية كالتي قام بها السوريون والتي غيّرت فعليًا شكل سورية وكل المعادلات السياسية الإقليمية والدولية، وما زالت مستمرة بتغييره، لا يجب أن تقتنع كما يريد لها أعداؤها بأنها هزمت أو توقفت، التغيير ما زال مستمرًا، والنظام لم ينتصر، والشعب السوري لم ينهزم، ولا ينبغي الإقرار بالتوقف عن النضال والمقاومة ضد عودة نظام الأسد ليستكمل إبادة السورين وقتلهم من جديد تحت شعارات السلم بعدما قتلهم بشعارات الحرب. قضية الشعب السوري الأخلاقية مستمرة وليست محكومة بعوامل مَن يسيطر على هذه الرقعة أو تلك، ربما تتغير أدواتها ومراحلها، ولكن قضية التغيير ومقاومة النظام والقتال ضده بأي طريقة وبأي وسيلة ممكنة يجب أن تستمر، وستستمر مهما حاولوا إسكاتها وإيقافها، وما زالت لدينا أوراقنا وقضيتنا العادلة والأخلاقية، وينبغي حينما نجد أن الظروف قد تغيرت أن نغيّر الأدوات لا أن نغيّر هذه القضية."
أما (د. نعسان آغا) فيرى أنه لا يمكن الوصول إلى حلّ سياسي عبر التفاوض دون توازن عسكري، ويرى بعد النهاية المخفقة لجنيف 8 أن يحال الأمر إلى الشعب الثائر كي يتابع ثورته قبل أن تدفن مع مليون شهيد سنبقى دماؤهم أمانة في أعناق الشعب.