الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
من شر ما خلق
الكاتب : إيمان شراب
الأربعاء 15 جمادى الأول 1437 هـ الموافق 24 فبراير 2016 م
عدد الزيارات : 2664

 

ابنة صديقة لي ظلت تشكو التعب والمرض أكثر من عام، زارت الأطباء من كل تخصص حتى كرهتهم كلهم. ثم أقنعها أحد بالرقية، ولما بدأت تقرأ وترقي، كشف الله لها أشياء كثيرة في منامها ويقظتها، واستمرت تعالج نفسها وترقي إلى أن شفاها الله!

وخلال مسيرة البحث عن العلاج والشفاء تبين أنه في كثير من البيوت قصة معيون أو ممسوس أو مسحور.

والسؤال، لماذا؟ هل لأن الناس سيئون إلى درجة أنهم كلما رأوا أحداً أو شيئاً حسدوه؟ هل للشياطين تلك السلطة والقوة التي تؤذي بها البشر فتمرضهم وتجعلهم يكرهون الدراسة والعمل والأب والأم والحياة كلها؟

الناس ليسوا كلهم حاقدين أو حاسدين، والشياطين ضعيف كيدها وليس لها على المؤمنين سلطان! إذن! أين الخلل؟

الخلل في تركه، ذلك المضيء المشرق اللامع، الدواء الواقي والشافي بإذن الله، السهل الشديد الأثر..

بل هو باب مهم للمغفرة والأجور العظيمة (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب: 35)، وهو الذي يطرد الشياطين، ويزيد المرء قرباً من الله، ويشعره بالهدوء النفسي والرضى والأمان والثقة والقوة، وبه يترطب اللسان ويرق القلب، كما أنه سبب لدخول الجنة.

إنه التحصين والذكر.

قد علّمنا رسولنا (صلى الله عليه وسلم) ما يحفظنا ويحمينا من العين والوسواس الخناس من الجِنّة والناس، ومن الشياطين والهامّة والعين اللامّة. علّمنا عليه الصلاة والسلام الذكر في كل أنشطة يومنا وفي كل أحوالنا: إذا خرجنا أو دخلنا، وإن أكلنا أو شربنا وإذا شبعنا، وعند النوم والاستيقاظ، وعند دخول الحمام والخروج، وعند ركوب السيارة والطائرة، وعند ارتداء الملابس وخلعها، وإذا نظرنا في المرآة، وإن صعدنا أو هبطنا، وعند دخول السوق...

علّمنا التسبيح والتكبير والحمد بعد كل صلاة، وكذا التحصين يومياً بآية الكرسي والمعوذتين وآخر سورة البقرة وغيرها من الآيات والأدعية... نغلق بها كل المنافذ على شرور الجن والإنس والحوادث والمصائب والقلق والانفعال والضعف والملل والهوى. فأي سُور من الحماية نحيط به أنفسنا طول الليل والنهار! إنه سور الحماية الربانية العظيم المتين.

ليس هذا فحسب، بل يعلمنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) كيف نحمي أنفسنا من أنفسنا وكيف نحمي ما عند الناس من أعيننا (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) (الكهف: 39)، اعترافاً بفضل الله وحمايةً لما نملك من خير ونعمة، كما علّمنا الدعاء بالبركة عند رؤية ما يعجبنا عند غيرنا: «إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة»، كما قال عليه الصلاة والسلام.

خرجنا مرة في رحلة مع تلميذات من الصف الابتدائي الثاني إلى صالة ألعاب في أحد المراكز، وقفنا جميعاً أمام الباب الذي فُتح وحده، وتوالى دخول التلميذات وهن يقلن بصوت واحد قوي هزّ المكان كله: «بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا»..

همست يومها لإحدى الصديقات مازحة: سيأتي من يرمينا خارجاً متَّهِماً إيانا بالإرهاب!

كنا نعلمهم الذكر والدعاء كلما أرادوا الخروج إلى الساحة للّعب، أو دخلوا الصف، أو ركبوا حافلة.. لا يدخلون الصفوف صباحاً إلا بعد قراءة الأدعية والأذكار وما يحصنهم.. فأشعر بالراحة، والثقة أن الله سيحفظ هذه الأعداد الكبيرة في المدرسة ويعيننا على مسؤولياتنا نحوهم.

أبناؤنا وبناتنا يجب أن نحصنهم صغاراً، ونذكرهم بذلك وهم كبار، وندعو لهم في وجودهم وغيابهم، ونخبرهم أن سماع الأغاني ومشاهدة ما ينكره الله ورسوله من أفلام ومقاطع وصور، والعري ولبس القصير، كلها مناخات تحبها الشياطين وتستأنس بها وتحتفل وتجدها فرصاً سهلة للتخريب والأذى.. ونبحث لاحقاً عمن يخلصنا منها!

ثم.. «ألا أدلكِ على ما هو خير من خادم؟ تسبِّحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّرين أربعاً وثلاثين حين تأخذين مضجعك». هذا ما نصح به أعظم الآباء سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ابنته فاطمة الزهراء حينما شكت إليه أعباء العمل وطلبت منه خادماً يعاونها..

مرات ومرات تقوَّيْتُ بهذا الذكر على الضعف والوهن وقلة الحيلة، فأجدني والله أتبدل من حالٍ إلى حال وكأني تناولت دواء سحرياً...