نسبه ونشأته:
هو محب الدين بن أبي الفتح بن عبد القادر الخطيب، أصل أسرته من بغداد، ويُنسب للشيخ عبد القادر الجيلاني. هاجرت أسرته إلى حماة، ونزح فرع منها إلى قرية "عذراء" وفرع إلى دمشق.
ولد في حي القيمريّة بدمشق في الشهر السابع سنة 1304ه-1886 ه. ونشأ في أسرة ذات دين وعلم، فقد كان والده الشيخ أبو الفتح الخطيب من رجالات دمشق، وأمين دار الكتب الظاهرية، وتولّى التدريس والوعظ في الجامع الأموي، وله عدّة مصنفات: "مختصر تاريخ ابن عساكر" و"مختصر تيسير الطالب"، و"شرح للعوامل".
توفيت أمه بين مكة والمدينة وهي راجعة من الحج، وكان محب الدين صغيرًا في حجرها.
تربيته العلمية:
ألحقه والده وهو في السابعة من العمر بمدرسة الترقي النموذجيّة، وحصل منها على شهادة الابتدائيّة، ثمّ التحق بمدرسة مكتب عنبر، وبعد سنة توفي والده.
رأت أسرته أن يترك المدرسة، فتركها ولازم العلماء، وتولى رعايته الشيخ طاهر الجزائري الذي كان مشرفًا على المكتبات والمدارس في بلاد الشام، وكانت بينه وبين الشيخ أبي الفتح الخطيب صلة ومود، فوجهه نحو العلم، وتأثر به محب الدين كثيرًا.
سعى الشيخ طاهر ليخلف محب الدين أباه في دار الكتب الظاهريّة، وأثناء ذلك كان يدفع له مخطوطات متنوعة لابن تيمية وغيره ويكلّفه بنسخها، فتوسعت معرفته، وترسخ في العلم، مما أثَّر على منهجه في محاربة البدع والخرافات.
وجهه الشيخ طاهر للعودة إلى مكتب عنبر، وأوصاه أن يتردَّد على العلماء: أحمد النويلاتي، وجمال الدين القاسمي، ومحمد علي مسلم، الذين كانت لهم غرف في مدرسة عبد الله باشا العظم.
كان نهم المطالعة للكتب في دار الكتب الظاهريّة، مطلعًا على المجلات الكبرى في عصره: مثل: المقتطف، والهلال، وبدأ بكتابة المقالات ويرسل بها إلى صحيفة ثمرات الزمان في بيروت.
دعوته:
التحق محب الدين بكليتي الآداب والحقوق في عاصمة السلطنة العثمانية اسطنبول، وأسس مع صديقه محمد كرد علي «جمعية النهضة العربيّة» لعلاج ضعف الطلاب العرب بلغتهم الأم، فشعر الاتحاديّون بنشاطه واشتدت رقابتهم عليه، فغادر الأستانة بعد الانتهاء من السنة الثالثة إلى دمشق.
اختير محب الدين للعمل في اليمن وانتقل إليها، ومرّ أثناء ذلك بمصر حيث التقى بشيخه طاهر الجزائري وصديقه محمد كرد علي، وأعلام الفكر والأدب. لمّا وصل إلى اليمن اتصل بشوقي العظم قائد الحديدة الفرقة الرابعة عشر في الجيش العثماني.
عندما أعلن الدستور العثماني سنة 1908م رجع إلى دمشق، وانضم للمطالبين بحقوق العرب التي تنكرت لها حركة التتريك، وشارك في تحرير جريدة هزلية «كار الخرج» فلاحقته الحكومة فسافر إلى بيروت، ثم القاهرة وهناك شارك في جريدة المؤيد، وفي سنة 1913م أسس الشيخ محمد رشيد رضا مدرسة الدعوة والإرشاد فدرس فيها الشيخ محب الدين.
طلبه الشريف الحسين بن علي فسافر إلى مكة وأسس المطبعة الأميريّة، وأصدر جريدة القبلة الناطقة باسم حكومة الحجاز.
ولمّا دخل الأمير فيصل دمشق عام 1918م عاد الشيخ محب الدين الخطيب، وأنيط به إدارة وتحرير الجريدة الرسميّة للحكومة باسم "العاصمة".
ولمّا دخل الفرنسيون عام 1920م دمشق غادر إلى القاهرة حيث عمل في تحرير جريدة الأهرام، وأسس المكتبة السلفيّة ومطبعتها، وأصدر مجلة الزهراء، ثمّ أسس جريدة الفتح، ثمّ تولّى تحرير مجلة الأزهر.
أسهم في إنشاء جمعية الشبان المسلمين في القاهرة، والذي أحدث ردة فعل شديدة لدى دعاة الإلحاد والعلمانيين والمبشرين، فتربصوا به حتى وجهوا أنظار النيابة العامّة إلى مقال نال فيه من كمال أتاتورك فقبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة شهر.
جهاده وآثاره العلميّة:
أسهم الشيخ محب الدين في فضح خطط المنصرين، وأخطار الصهيونيّة، كما وقف ضد جهود المد الشيعي، ومحاولاتهم المستمرة للتقريب بين منهج أهل السنة والتشيع، وكانت له جهود في نشر عقيدة أهل السنة والجماعة، ونشر كتبها، والدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم، والاتصال بكبار العلماء ونشر مؤلفاتهم، كما كان مشرفًا على اللجان التي تشكلت لجمع المال من أجل المجاهدين الذين يستعدون لملاقاة الفرنسيين الغزاة في ميسلون قرب دمشق.
وفاته:
توفي الشيخ محب الدين عن عمر ثلاث وثمانين سنة، يوم 22 شوال سنة 1389 ه، الموافق 30 ديسمبر من عام 1969م بمستشفى الكاتب بالدقي في مصر بعد إجراء عمليَّة جراحيَّة.
آثاره العلميّة:
ترك الشيخ محب الدين آثاراً عظيمة موسوعيّته، من أشهرها:
1- توضيح الجامع الصحيح للإمام البخاري.
2- الخطوط العريضة التي قام عليها دين الشيعة الإثني عشريّة.
3- مع الرعيل الأول، عرض وتحليل لحياة الرسول مع أصحابه.
4- الإسلام دعوة الحقّ والخير.
5- الغارة على العالم الإسلامي.
6- تعليق على كتاب العواصم من القواصم لابن العربي المالكي وهي أكبر من الكتاب.
7- مئات من المقالات التي كتبها في موضوعات شتى في المجلات التي عمل فيها.
وكان يجيد اللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية.