الجمعة 10 شوّال 1445 هـ الموافق 19 أبريل 2024 م
لِتزول منه الجبال
الأحد 22 ذو القعدة 1436 هـ الموافق 6 سبتمبر 2015 م
عدد الزيارات : 3746

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنَّ الله سبحانه وتعالى بيَّن في كتابه الكريم مكر الأعداء بعباده المؤمنين في كل أمةٍ وقوم على مدى التاريخ، فقال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46].
ولأهل الباطل طرق متنوعة في المكر غير القتال، يتوسلون بها إلى إسقاط أهل الحق أو فضِّ الناس عنهم، ومن ذلك:
- رمي أهل الصلاح بالفساد، كما قال فرعون عن موسى عليه السلام: {إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ} [غافر: 26].
- وتارة يزينون الباطل بإفراغ الحق من مضمونه، فيغالطون الحق، ويقلبون الحقائق، قال تعالى عن قوم شعيب: {قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87].
أو يقلبون الحقائق لتصبح الفضائل في أعين الناس رذئل، قال تعالى عن قوم لوط: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82].
- ويسلكون لتشويه دعوة الحق مسالك شتى، فيرمونها بأنها:
سحر: قال تعالى: {كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 52].
أو أنها من الأساطير الشائعة، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل: 24].
أو أنها من أعراض الجنون، أو مس الشياطين: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6].
أو محض كذب، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} [الفرقان: 4].
- مع السخرية والاستهزاء لتحقير أهل الحق في أعين الناس، قال تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].
- كما يلجؤون إلى تخويف المجتمعات بأهم مقوماتها وهو الأمن فيصفون هذه الدعوات بأنها ستتسبب بزعزعة أمن المجتمع واستقراره، قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 123].
- وتارة يلجؤون للمساومات والمفاوضات لاستدراج أهل الحق بالتنازلات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة، ويزّوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة..." رواه ابن أبي حاتم في التفسير، والطبري في جامع البيان.
- مع الترغيب، فقد أرسلت قريش عتبة بن ربيعة ليعرض على النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سوَّدناك – أي جعلناك سيداً - علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً – من الجن - تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ" ذكره ابن هشام في سيرته.
- والترهيب: "فقد كان أبو جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة أنَّبه وأخزاه، وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك ! لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك . وإن كان تاجراً قال له : لنكسدن تجارتك ، ولنهلكن مالك . وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى ب
ه " ذكره ابن هشام في سيرته.
لكن غاب عن جميع هؤلاء أنَّ مآل مكرهم الخسران والبطلان، قال تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43]، وقال: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 42].
على أن يأخذ أهل الحق بسنن الله تعالى في النصر والتمكين، والاعتصام بدينه القويم، وجماعة المسلمين، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
والحمد لله رب العالمين