الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
من معركة الإرادة إلى معركة الوعي
السبت 19 شعبان 1436 هـ الموافق 6 يونيو 2015 م
عدد الزيارات : 3606

هل تذكرون الشراسة الفظيعة التي قابل النظامُ بها المظاهرات المبكرةَ في سنة الثورة الأولى؟ لقد أراد أن يكسر إرادة الثوار ليقتل في قلوبهم الرغبةَ في الثورة وليقنعهم بأنّ ثمنَ الحرية أعظمُ ممّا يستطيعون دفعه، فبطش البطشة الكبرى وظن أنها القاضية، ولكن الثوار صبروا وصمدوا، ونجحت الثورة في الامتحان.
ثم حمل الثوارُ السلاحَ لمّا لم يجدوا سبيلًا غيره لرد العدوان ووقف الطغيان، ولإنقاذ الكرامة المسفوحة وانتزاع الحق المهدور. وكانوا قلّة لا يملكون من السلاح إلا القليل، فساق النظام إليهم الجيشَ العرمرم وقاتلهم بالطيارات والدبابات والمدافع والصواريخ. أطلق عليهم الحملة الكبرى وظن أنها القاضية، ولكن الثوار صبروا وصمدوا، ونجحت الثورة في الامتحان.
هذا ما كان بتوفيق من الله وفضل منه: نجحت الثورة في اجتياز الامتحانات الثقيلة الطويلة، امتحانات الصبر والإرادة والثبات، حتى وصلت اليومَ إلى الامتحان الكبير العسير، امتحان الوعي والحكمة والتفكير والتدبير.
*  *  *
عندما كانت المعركةُ معركةَ بندقية ومدفع كنا بحاجة إلى الشجاعة والثبات، وكان لدى مجاهدينا الكثير منهما بفضل الله، فعجز العدو عن كسرنا وفشل في حسم المعركة، على كثرة ما مُنِحَه من فرص وما قُدِّم له من عون ودعم وتأييد. ويئس العالم الذي طالما تمنى أن تنتهي ثورتنا المباركة بلا نصر، بل وسعى لتحقيق هذه الأمنية الشريرة بخبث ودهاء، يئس من قدرة النظام على إنهاء الثورة بالحرب، فقرر أن يتدخل أخيرًا لإنهائها بالسياسة، فهو يأمُل أن يحقق في أروقة المؤتمرات وعلى طاولات المفاوضات ما عجز النظام عن تحقيقه في ميادين الحرب وساحات النزال.
إن المعارك التي تجري على الأرض في هذه الأيام ليست سوى الجزء الأسهل من الحرب التي فُرضت علينا، أما الجزء الأصعب والأخطر فهو الذي يُطبَخ في المبادرات والمشروعات والمؤتمرات الدولية. لقد كنا بحاجة إلى الإرادة والشجاعة والصبر والثبات لنعبر المراحل السابقة العصيبة كلها، ونحن اليوم بحاجة إلى الكثير من الحكمة والوعي لنعبر هذه المرحلة الأخيرة الخطيرة المتبقية من الطريق.
وإنا لمطمئنون بحمد الله، فكما امتلك ثوارنا على الدوام الإرادة والشجاعة فنجحت الثورة في الامتحان، فكذلك هم يملكون اليوم الوعيَ والحكمة وبُعد النظر. فلا بد أن تنجح الثورة في هذا الامتحان الجديد، بإذن الله وبالاعتماد عليه أولاً، ثم بالاجتهاد في التخطيط والتفكير والتدبير.
*  *  *
كان الصف المرصوص فاتحةَ النصر العسكري على الأرض، وهو كذلك في عالم السياسة: لن تنجح الثورة ولن تنتصر إلا بصفّ سياسي مرصوص، وها قد رأينا أولى ثمرات هذا التراصّ المبارك في الموقف الحازم العاقل الذي وقفته الفصائل من لقاءات جنيف التشاورية الخائبة. فما على فصائل المجاهدين إلا الاستمساك بالجماعة، ومن شَذّ فهو خائن للثورة، وهو غَنَمة قاصية ستأكلها الذئاب.
يا أيها المجاهدون الكرام: لا انتصار لثورتنا إلا باجتماع الكلمة في المعركة العسكرية واجتماعها في المعركة السياسية، وإذا كان تفرق الفصائل على الأرض قد طوّل طريق التحرير فإن تفرّقها في أروقة السياسة سيضيع الثورة كلها لا قدّر الله. الثورة أمانة في أعناقكم، لا تضيعوها بالفُرقة واحفظوها بالوحدة السياسية يحفظكم الله.
=============