السبت 12 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 14 ديسمبر 2024 م
عقيدة المسلم (20)(*) ادعاء علم الغيب وما يلحق به
الخميس 18 رجب 1436 هـ الموافق 7 مايو 2015 م
عدد الزيارات : 10192


الغيب هو: كل ما غاب عن العقول والأنظار مـن الأمـور الحـاضرة والماضية والمستقبلة، وقد استأثر الله بعلمه واختص نفسه سـبحانه بذلك.
قال تعـالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]، وقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9].
فلا يعلم الغيب أحد إلا الله، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عمن هو دونهما.
قال الله تعالى لنبيـه محمد عليه الصلاة والسلام: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50].
ثم إنه سبحانه قد يطلع بعض خلقه على بعض الأمور المغيبة عن طريـق الوحي، كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 26-28]، وهذا من الغيب النسبي الذي غـاب علمـه عـن بعـض المخلوقات دون بعض، أما الغيب المطلق فلا يعلمه إلا هو سبحانه، ومـن ذا الذي يدعي علمه وقد استأثر الله به.
ولهذا فإن الواجب على كل مسلم أن يحذر من الدجاجلة والكذابـين المدعين لعلم الغيب المفترين على الله، الذين ضلوا في أنفسهم وأضلوا كثـيرا وضلوا عن سواء السبيل، كالسحرة والكذابين والمنجمين، وغيرهم.
وفيما يلي عرض لجملة من أعمال هؤلاء التي يدعون بها علم الغيـب، ويضلون بها عوام المسلمين وجهالهم، ويفسدون بها عقيدتهم وإيمانهم.
1 - السحر: وهو في اللغة ما خفي ولطف سببه.
وفي الاصطلاح هو: عزائم ورقى وعقد يؤثِّر في القلـوب والأبـدان، فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه بإذن الله.
وهو كفر، والساحر كـافر بالله العظيم، قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].
ومن السحر: النفث في العُقد، قال الله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1-5].
2 - التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية التي لم تقع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  (مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَادَ) رواه أبـو داود.
3 - زجر الطير والخط في الأرض: فعن قطن بن قبيصة عن أبيه قـال: سمعت رسول الله يقول: (الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَة، وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ) رواه أبـو داود وأحمد، أي من السحر، والعيافة: زجر الطير والتفاؤل والتشاؤم بأسمائها وأصواتها وممرها، والطرق: الخـط يخط في الأرض، أو الضرب بالحصى وادعاء علم الغيب بها.
4 - الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب، والأصل فيها اسـتراق الجـن السمع من كلام الملائكة فتلقيه في أذن الكاهن.
عن أبي هريرة عن النبي قال: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود وأحمـد والحاكـم.
5 - كتابة حروف أبا جاد: وذلك بأن يجعل لكل حرف منها قـدرًا معلومًا من العدد ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنـة والأمكنـة، ثم يحكم عليها بالسعود أو النحوس ونحو ذلك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوم يكتبون أبا جاد، وينظـرون في النجوم: (وَمَا أَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ)، رواه عبد الرزاق في المصنف.
6 - القراءة في الكف والفنجان ونحو ذلك مما يدعي به بعض هـؤلاء معرفة الحوادث المستقبلة من موت وحياة وفقر وغنى وصحة ومرض ونحـو ذلك.
7 - تحضر الأرواح: ويزعم أربابه أنهم يستحضرون أرواح الموتـى ويسألونها عن أخبار الموتى من نعيم وعذاب وغير ذلك، وهو نـوع مـن الدجل والشعوذة الشيطانية، ويراد منها إفساد العقائد والأخلاق والتلبيـس على الجهال وأكل أموالهم بالباطل والتوصل إلى دعوى علم الغيب.
8 - التطيُّر: وهو التشاؤم بالطـير وغيرها، وهذا باب من الشرك وهو من إلقاء الشيطان وتخويفه.
فعن عمران بن حصين مرفوعا: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً - أَوْ قَالَ: مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً - وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البزار.
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، ويعيذهم من خداع المجرمين وتلبيس أولياء الشياطين.
----------------
(*) باختصار من كتاب (أصول الإيمان) طباعة مجمع المصحف بالمدينة المنورة