الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
القيادة الأخلاقية - رسول الله قدوتنا
الأحد 24 جمادى الأول 1436 هـ الموافق 15 مارس 2015 م
عدد الزيارات : 5650

 

القيم هي ما توصّل له عقل إنسان ما في مكان ما، حيث تصبح هذه القيم هي المحرك للفرد والمجتمع ويشترك البشر بقيم معينه؛ حيث إنّ قيم الصدق والنزاهة والأمانة وغيرها، يشترك فيها جميع البشر، إلا أنّ بعض القيم تختلف من فرد لفرد، ومن مجتمع لآخر، فتختلف القيم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها من الاختلافات.

 

هذه القيم تتحول إلى عاداتٍ سلوكية يقوم بها الفرد والمجتمع وتكون أقوى أحيانًا من القانون أو من الدين نفسه نتيجة الجهل ، فالناس متدينون بطبعهم إلا أنّ فطرتهم التي فطروا عليهم وبيئتهم هي المحرك لسلوكهم.
إلا أنّ القيم لا تكون دائمًا في الاتجاه الصحيح؛ فتعمد الحكومات إلى سنّ القوانين واللوائح بعضها مستمدٌّ من الأديان، وبعضها مستمدٌّ من الفكر والحكمة .
لا بدّ لكل مجتمع من بوصلة يحتكم إليها للوصول إلى الغايات، والبوصلة تختلف عن القيم في أنها مبدأ موثّق، وهو دين سماوي من لدن حكيم عليم .
وهناك من المجتمعات من ارتضى أن يخطّ لها أحد الحكماء دينها مثل ماوتسي تونغ وماركس وغيرهما ..
البوصلة هي الرؤية التي تستشرف المستقبل أو الدين السماوي أو الشريعة المرنة التي تواكب روح العصر دون أن تفقد أصالتها، وهي تحتاج إلى قادة أفذاذ، يعيشون الواقع وروح العصر، ولكنهم يتمسكون بعقائدهم، ويلهمون أتباعهم عن طريق تحويل هذه الرؤية إلى مبادئ يعتنقها كل من يحملها .
في عالمنا العربي ما زالت القيم والعادات والتقاليد تحكم وتسيطر على سلوكنا بعد أن جاء الإسلام لهدم كل القيم السلبية وتوجيه القيم الإيجابية وتنظيمها كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ).
في التشريع الإسلامي لا اجتهاد في النصوص، إلا أن الاجتهاد في غير ذلك هو روح التشريع، فالإسلام يضع المعايير التي تكفل المصالح، فهي مرجع ومنارة لمن أراد الاهتداء، ومن ثم على المسلمين ألا يكونوا جامدين فيحاكوا الواقع من روح هذا الدين بالاجتهاد والقياس .
تمور دولنا العربية بالأحداث وتضطرب، ولكل أناس مشربهم؛ فلا تجد إجماعًا على موقف لمعظم قضايا الأمة، فالذبح والقتل في كل مكان، والمقدسات تستباح، ونختلف حتى في البدهيات، ومن المعلوم من الدين بالضرورة؛ إما لجهل أو تعصب أو عمالة ، قل ما شئت فكل ما ذكر يصب في مصلحة أعداء الأمة .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم) .
إلا أن هذه الشريعة الغراء التي أنزلها الله وارتضاها لعباده، وأيّد بها أفضل رسله؛ محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وخيرة صحبه، كوكبة من الأولين الأطهار رضي الله عنهم، لا بدّ لها من أن يؤخذ بها ويقود الأمم إليها كما فعل عمالقة الإسلام من أمثال الخلفاء الراشدين الخمسة، ومن بعدهم رجال أطهار أكملوا المسيرة إلى يومنا هذا.
يقول عثمان رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ".
بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعماء قريش يتصدّرون المشهد فأتباعهم على صنفين:
صنفٌ يتبع هؤلاء السادة على تخوّف ووجل، وهم صنف العبيد والمستضعفين، وصنفٌ آخر يتبعونهم لمنفعة متبادلة بين التابع والمتبوع؛ منافع على الدنيا والمادة لا أكثر!
أما رسول الله فكان يحمل دينًا عظيمًا موحَى إليه من ربه، وكان يحمل صفاتٍ عظيمة تؤهله إلى حمل الرسالة؛ فهي جاذبية الهدف والمحتوى وجاذبية الشخصية اجتمعتا لتشكّل قائدًا فريدًا لم تحمل البطحاء عظيمًا كعظمته، فكانت قيادته ترتكز على مبادئ وقيم وأخلاق، وهذه التي تدوم، أما القيادة التي ترتكز على الخوف والمنفعة فهي تزول بزوال مسببها .
قيادةٌ تحمل رؤية عظيمة تجعل كل فرد تابعًا قائدًا في نفسه، ليست فقط تجلب الحاجات الفيسيولوجية والأمنية وإنما تحقق الاحترام وتحقق الذات، هدف أكبر من الأفراد أنفسهم يتعدى حياتهم الدنيا إلى الآخرة ، والآخرة خيرٌ وأبقى .
لم يتبع الصحابة رسول الله على خوف منه، ولم يتبعوه طمعًا في دنيا، ولكنه الاتباع القائم على الاقتناع بعظمة القائد وعظمة الإسلام (الرؤية) الذي جاء به .
حمل القادة بعد رسول الله هذه الأمانة الثقيلة، ففتحوا الفتوحات ونشروا الإسلام في أوروبا والصين وأماكن بعيدة، كل ذلك لما كان شرع الله يحمله قادة يقدرون قيمة الأتباع، وأتباع يقدرون قيمة الإسلام ومن يحمله .
استطاع الغرب أن يهزمنا رغم أننا نحمل المنهج الصحيح؛ لأنّ الغرب يحملون منهجًا قياديًا إداريًا ، أبدعوا فيه رغم أنه لا دين فيه، وبالتالي لا روح فيه ،أما نحن فلم نتبع منهجنا فكانت الغلبة للأصلح والأفضل .
ويلخص مايكل بورتر المعادلة بقوله: "إنّ التنفيذ الجيد لاستراتيجية سيئة أفضل من تنفيذٍ سيء لاستراتيجيةٍ جيدة".