الأربعاء 15 شوّال 1445 هـ الموافق 24 أبريل 2024 م
كلمة العدد الخامس والعشرين
الأربعاء 21 ذو الحجة 1435 هـ الموافق 15 أكتوبر 2014 م
عدد الزيارات : 2426

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
بيَّن الله تعالى لنا في كتابه الكريم مكر الأعداء وتربصهم بالمسلين: {لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وأنهم: {لَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.
وأخطر حروبهم: الحرب الخفية، التي تقوم على محاولة حرف الدين بالتأثير في بعض أتباعه أو توجيههم؛ ليخرج عن إطاره الصحيح.
ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم واجه المسلمون خطر المنافقين؛ الذين حاولوا النخر في المجتمع المسلم، فكان عقابهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145].
 
وفي عصر الصحابة: وجد بعض الأعداء مدخلاً في الفتنة التي حصلت بين المسلمين، واستغلوا حالة الحزن على استشهاد علي رضي الله عنه، فاندسوا في صفوفهم واشاعوا العقائد والأفكار الباطلة بينهم كالغلو في آل البيت، والطعن في الصحابة، حتى خرجت فرقة الرافضة من صفوفهم.
وبعد أن انتشر الإسلام في البلدان، وعجز الأعداء عن مقارعته عسكريًا، عمل بعضهم على بث انحرافاتهم وعقائدهم الفاسدة في صفوف المسلمين، فنشأت فِرق (الباطنية) التي تُظهر الإسلام، وتُخفي عقائد الكفر، وتُفسِّر النصوص الشرعية بتفسيرات كفرية تُخرج من الملة.
ومن الباطنية خرجت فرق: الإسماعيلية، والقرامطة، والنصيرية، والدروز، وغيرهم.
 
وفي العصر الحديث: عمل الاستعمار على إبعاد المسلمين عن دينهم، بعد احتلال ديارهم، ونهب ثرواتهم، فقامت حركة جهادية لطردهم، فما كان من المحتل إلا دعم التيارات والأفكار المنحرفة في المجتمع، لتقويض الإسلام من داخله.
 
ومن أشهر ذلك:
ما عمل عليه جاسوس روسي في إيران من التقرب إلى جماعة رافضية من الغلاة، وتشجيعها على الزيادة في الغلو، إلى أن ظهر منها من حمل دعوة خارجة عن الإسلام، وهي الديانية (البابية)، ثم الديانة (البهائية).
 
وكذلك ما عمل عليه الاستعمار الانجليزي في بلاد الهند فظهرت الديانة (القاديانية).
وكانت تلك الفرق خير معينٍ لأعداء؛ حيث إنها طعنت في الإسلام، وحرفت عقائده وأحكامه، وحرَّمت الجهاد، وأوجبت على المسلمين طاعة المحتل الغازي، وعملت على تنصيب شخصيات ادعت النبوة، أو المهدية، أو الخلافة، بل منها ما ادعى حلول الإله فيه!
 
وفي وقتنا الحالي: عملت العديد من الحكومات المستبدة على فرض نماذج شرقية وغربية من أنظمة الحكم على المسلمين، واضطهدت من يعارض ذلك من الدعاة والمصلحين، فظهرت نبتة الغلو بين السجناء والمضطهدين، في جو من الجهل والبعد عن أهل العلم والرأي، فتلقَّت أجهزة الاستخبارات هذه النبتة، ويسَّرت لها العمل في أوساط الشباب المتحمِّس الغاضب، وعملت على اختراقها وتسييرها لخدمة أهدافها، فجرَّت على الأمة ويلاتٍ كثيرة بسبب غلوها وعدم حكمتها في التعامل مع الأحداث، ثم استجلاب ضرب المشروع الإسلامي باسم مكافحة الإرهاب، وقد تنقَّلت هذه التجربة بين عددٍ من البلدان، وتكرر ضرب المشروع الجهادي والإسلامي فيها.
وليس هذا الأمر بدعًا في الإسلام، فقد سبق أن تكرر هذا الاختراق في أديانٍ أخرها، ومن أشهرها ما فعله بولس في الديانة النصرانية، فكان سببًا في تحريفها وخروجها عما أنزله الله.
 
وعلى الرغم من هذا المكر الكُبار، إلا أنَّ الله تعالى قد وعد بحفظ دينه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}، ومع هذه الاطمئنان لا بد أن نبذل الأسباب ومن أهمها:
- لزوم جماعة المسلمين وخاصة في أوقات المحن والشدائد: (فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ).
- الرجوع لأهل العلم الصادقين الراسخين: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83].
- عدم الاغترار بدعاوى الإصلاح وشعاراتها دون الوقوف على حقيقتها؛ فقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من شعارات المنحرفين فقال: (سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ)، و(إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ، حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ)، و(يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ) متفق عليه.
والحمد لله رب العالمين.