الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
متى الراحة ؟!
الكاتب : خالد رُوشه
الخميس 28 شعبان 1435 هـ الموافق 26 يونيو 2014 م
عدد الزيارات : 6395

 

متى الراحة ؟! 

 

الأزمة الحقيقية التي يمر بها اصحاب الرسالات هي خلودهم للراحة , وغفلتهم عن رسالتهم ومسئوليتهم, وبحثهم عما يشغلهم بعيدًا عنها .
أزمتهم الحقيقية هي سعيهم وراء المغريات والملهيات من متاع الحياة, فتثقل بهم حياتهم, وتزيد أوزان أجسادهم, فلا يستطيعون الركض في ميادين المسابقة ... وهل رايت يوما خيلا سمينا يسابق؟!
إن ما وصفته في السطور السابقة لهو الثلمة التي ثقبت جدران الدعاة إلى الله, وهي سبب السوس الذي نخر في جسدهم, فزاد وكثر وه لا يلقون له بالاً, حتى فوجئوا بأجسادهم وأفكارهم قد أصابتها الهشاشة ونخرها السوس من الداخل ..!
إن حياة أصحاب الرسالات والدعوات ليست ملكًا لهم, بل إنها مسئولية تحيطهم, وواجب ينتظرهم في كل وقت هم فيه قادرون على أداء أمانتهم في نشر الهدى والإيمان .
إنني أتحدث عن عاطفة جياشة, لا ترتبط بشأن دنيوي مباح, بل برغبة في كسب الثواب والأجر من الله سبحانه في كل وقت وحين, تلك العاطفة مصدرها القلب العامر بالإيمان, والمضاء بنور التوحيد, والنابض بمعاني الإخلاص والاتباع والتجرد .
إن الدقائق والساعات والأيام المتاحة للدعاة إلى الله في أعمارهم أقصر كثيرًا من أن تفي بغرض مسؤوليتهم وواجباتهم في إبلاغ الهدى وتعليم الخير وأداء الأمانة .
سئل ابن الجوزي يومًا: هل يجوز لي أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها.
ونقل الماوردي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الراحة للرجال غفلة", وقال الشافعي: "طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات."
ولعل سؤالاً يتردد على ألسنة القراء لمثل تلك الكلمات الداعيات إلى البذل والعمل والعطاء لله, فيقول: "وفي ماذا اشغل نفسي , وبماذا أظل هكذا متوقدًا, وما الداعي إلى كل هذا الوصف الذي تصفونه للداعية كأنه ماكينة لا تهدأ"؟!.
والإجابة سهلة ومعلومة, فالدعاة إلى الله والعلماء هم ملح الأرض الذي يبقيها ناضجة فلا تفسد وهم وقود همة هذا الدين, وهم مصابيح الهدى المضيئة للناس سبلهم في دياجير الظلام, وهم قادتها في مدلهمات الفتن, فعليهم الدور الأكبر والمسؤولية الأثقل في كل ساعة من حياتهم .
فعيشهم يلفه الزهد والتقلل في الزخرف والمتاع, وقلوبهم عامرة بالإيمان, وألسنتهم لاهجة بذكر الله في كل وقت وحين, أملهم نشر الخير, وتبليغ العلم, وهداية الخلق, وجهدهم مبذول في معونة المحتاج, ومساعدة القاصر, وإغاثة الملهوف, وسعادتهم في نشر البسمة على الوجوه الحزينة .
يفتحون أبواب الأمل أمام العصاة ليعودوا إلى طريق التوبة والعودة إلى الله , ويربطون قلوب الناس بربهم, ويعلمونهم التوكل عليه سبحانه, فيرزقهم رزقًا حسنًا مباركًا فيه, ويقومون سبيل الناس حتى يسيروا في طريق الصالحين الكبار من انبياء الله عليهم السلام وأتباعهم بإحسان, فيزيلون الجهل, ويطردون الشيطان, ويحاربون اليأس والقنوط, ويبثون التفاؤل, ويحيون موات النفوس بتعليمها أمر الله سبحانه ومواضع مرضاته, ويعينونها على التطهر من الدنس والخبث والفسوق .
يصبرون على الناس ويعلمونهم التصبُّر, ويتلطفون معهم أثناء رحلتهم إلى الاستقامة, ويرفقون بهم في كل خطوة من خطوات الطريق, يتحملون الأذى منهم بينما هم يدعون لهم ليل نهار أن يهديهم الله سواء السبيل .