نظرة في شموخ اليتيم 
	 
	أسمى صفاتِكَ أنْ تكون كريما *** وتكونَ بَراً بالعباد رحيما
	أسمى صفاتِكَ أنْ تكونَ مميَّزاً *** بسداد رأيكَ في الأمور، حكيما
	تسعى بكَ الدنيا، وأنتَ تقودُها *** بالحقِّ، تُسْعِدُ قلبها المهموما
	تلقى الخطوبَ وأنتَ أرفَعُ هامةً ***منها، وتأنَف أنْ تعيش ذَميما
	أسمى صفاتكَ أنْ ترى الدنيا بلا ***غَبَشٍ، وأنْ يبقى الفؤادُ سليما
	أنْ تجعل التاريخَ يَمْلأُ كأسَه *** وتكونَ أنتَ رحيقَها المختوما
	ترمي بسهمكَ، لا لِتَقْتُلَ آمناً *** لكنْ لتحرُسَ خائفاً محروما
	تسعى إلى كَسْبِ العلومِ تقرُّباً ***للهِ، لا ليُقَالَ: صار عليما
	 
	أسمى صفاتكَ أنْ تحلِّقَ عالياً *** بجناح عدلكَ، تنصر المظلوما
	يا حاملَ الدُّنيا على كتفِ الرِّضا*** يا من رأيتُكَ للجَفاءِ غَريما
	يا ساعياً للخير في العصر الذي ***ما زال حَبْلُ وفائه مصروما
	للخير أغصانٌ تطيب ثمارُها *** فامنحْ جَناها خائفاً وعَديما
	واحملْ إلى أفيائها الطفلَ الذي *** ما زال في حُفَرِ الشقاء مقيما
	فلَرُبَّ ماسحِ أَدْمُعٍ من مقلةٍ *** تبكي، رأى فضلاً بهنَّ عَميما
	انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ *** إلا صديقاً لليتيمِ حميما
	وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ*** فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
	 
	وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على *** كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
	ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً *** للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
	ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ *** تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
	ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها *** وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
	انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له *** عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
	وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما *** يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
	لولا الحنانُ لَمَا رأيتَ سعادةً *** لولا السماءُ لَمَا رأيتَ نجوما
	لولا الرّياحُ لَمَا رأيتَ لَواقحاً *** لولا البحارُ لَمَا رأيتَ غيوما
	 
	لولا الغصونُ لما رأيتَ ظِلالَها *** لولا الرعودُ لَمَا سمعتَ هَزيما
	لولا الربيعُ لما رأيتَ زُهورَه *** تشدو، ولا لامَسْتَ فيه نَسيما
	يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ *** مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
	ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ *** منها نجهِّز للحياةِ عظيما
	ونحوِّل الحرمانَ فيها نعمةً *** كُبْرى تُزيل عن الفؤادِ هموما
	قَسَمَ الإلهُ على العباد حظوظَهم *** فالكلُّ يأخذ حَظَّه المقسوما
	وسعادةُ الإنسانِ أن يرضى بما *** قَسَمَ الإلهُ، ويُعلنَ التَّسليما
	قالوا: اليتيمُ، فقلتُ: أَيْتَمُ مَنْ أرى ***مَنْ كان للخلُقِ النَّبيل خَصيما
	 
	قالوا: اليتيمُ، فقلتُ أَيْتَمُ مَنْ أرى *** مَنْ عاشَ بين الأكرمينَ لَئيما
	كم رافلٍ في نعمةِ الأبويْن، لم *** يسلكْ طريقاً للهدى معلوما
	يا كافلَ الأيتام، كفُّكَ واحةٌ *** لا تُنْبِتُ الأشواكَ والزَّقُّوما
	ما أَنْبَتَتْ إلاَّ الزُّهورَ نديَّةً *** والشِّيحَ والرَّيحانَ والقَيْصُوما
	أَبْشِرْ فإنَّ الأَرْضَ تُصبح واحةً *** للمحسنين، وتُعلن التكريما
	أبشرْ بصحبةِ خيرِ مَنْ وَطىءَ الثرى*** في جَنَّةٍ كمُلَتْ رضاً ونَعيما
	قالوا: اليتيمُ، وأرسلوا زَفَراتهم *** وبكوا كما يبكي الصحيحُ سَقيما
	قلت: امنحوه مع الحنانِ كرامةً *** فلرُبَّ عَطْفٍ يُوْرِثُ التَّحطيما
	 
	ولَرُبَّ نَظْرةِ مُشفقٍ بعثتْ أسىً ***في قَلبه، جَعَلَ الشفيقَ مَلُوما
	قالوا: اليتيمُ، فَمَاج عطرُ قصيدتي *** وتلفَّتتْ كلماتُها تَعظيما
	وسمعْتُ منها حكمةً أَزليَّةً *** أهدتْ إِليَّ كتابَها المرقوما:
	حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي *** نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما