السؤال: لعله بلغكم وجود عدد من الجواسيس (العواينية ) داخل الشعب السوري الثائر، الذين يرصدون حركة المتظاهرين، ويقومون بدلالة شبيحة النظام الظالم على: من يقوم بإيواء عناصر الجيش المنشق، أو من يقوم بمعالجة الجرحى المصابين، أو من ينقل المساعدات إلى المحتاجين. مما يترتب على سعيهم الفاسد ضرر كبير باعتقال الأشخاص وتعذيبهم، بل ربما أفضى ببعضهم إلى الموت.
والسؤال: ماذا يحق لنا أن نفعل تجاه هؤلاء؟ هل يجوز قتلهم؟ وإذا لم نقدر عليهم فهل يجوز أن ننال أبناءهم وزوجاتهم بالأذى؛ ردعاً لهم وكفاً لأذاهم ؟
___________________________________________________________
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: المخبر والعوايني والجاسوس، كلها ألفاظ تدل على معنى واحد، وهو: الشخص الذي يتتبع أخبار الناس وأسرارهم، وينقلها لأعدائهم.
ثانياً:حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على دولة إسلامية لصالح أعدائها دائر بين: القتل كما هو مذهب المالكية، أو التعزير كما هو مذهب جمهور العلماء.
وسبب اختلافهم في ذلك: حديث حاطب بن أبي بلتعة عندما راسل كفار قريش مخبراً لهم بقدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- لغزوهم. فمن يرى أن حكمه التعزير يستدل بأن النبي -صلى الله وعليه وسلم- لم يقتله، ومن يرى قتله يستدل بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرّ عمر على إرادة قتله، ولكنه علل المنع بأنه من أهل بدر، ولولا ذلك لكان حكمه القتل. قال ابن القيم:" والصحيح: أن قتله راجع إلى رأي الإمام، فإن رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان استبقاؤه أصلحَ استبقاه". زاد المعاد.
ثالثاً:الناظر في حال هؤلاء المخبرين الموجودين اليوم في سوريا يرى فرقاً بينهم وبين الجاسوس الذي ذكره الفقهاء( الذي يقوم بالتجسس على دولة لصالح دولة أخرى ).
فواقع الحال في سوريا اليوم:
1- أن التجسس قائم من بعض أفراد الشعب على بعض لصالح نظام الحكم.
2- أنَّ التجسس والأثر المترتب عليه ليس على درجة واحدة: فمن الجواسيس من يقتصر عمله على نقل أخبار المظاهرات أو المشاركين فيها، ومنهم الذي يخبر عن أماكن المطلوبين، ومنهم من يترتب على تجسسه قتل نفس أو انتهاك عرض.
3- ليس ثمَّة إمام أو أمير يُفوَّض إليه تقرير حكم الجاسوس وتنفيذ الحكم فيه.
4- معرفة أمر هؤلاء الجواسيس قائم في بعض الحالات على الخبر المؤكد والموثوق، وهو في حالات أخرى قائم على مجرد الظن، مما يؤدي إلى اتهام الأبرياء. ولو فُتح الباب لتصديق كل اتهام لترتب على ذلك فساد عريض، وفي المقابل لو تُرك هؤلاء دون حساب أو عقاب فإن ضررهم سيزداد؛ إذ لولاهم لما أمكن الوصول إلى كثير من الناشطين والمتظاهرين، بل هم وراء الدماء التي تُراق، والنساء التي تُغتصب، والأطفال التي تُيتم، والنساء التي تُرمَّل.
رابعاً:وأقرب الحلول لهذه المسألة كما نرى: تشكيل هيئة من عقلاء الثوار والناشطين في كل بلدة تنظر في حال كل شخص من هؤلاء، وأدلة إثبات كونه من المخبرين، ومقدار الضرر الذي ترتب على عمله، والحكم الذي يستحقه. فمن لم يترتب على عمله ضرر كبير في النفس والعرض فلا يجوز قتله، بل يزجر بما أمكن من أساليب الزجر: التهديد، والتوبيخ، والتشهير، والإيذاء المعنوي أو المادي. وأما من عمَّ ضرره واشتدَّ أذاه، حتى وصل إلى الأنفس والأعراض، ففي هذه الحال يحال أمره إلى "الجيش الحر"، ليقوم بكف أذاه عن المسلمين بما يراه مناسباً، ولو وصل الأمر إلى القتل.
قال الإمام شمس الدين الذهبي: "إذا ترتب على جسِّه وهنٌ على الإسلام وأهله، وقتلٌ، أو سبيٌ، أو نهبٌ، أو شيء من ذلك، فهذا ممن سعى في الأرض فساداً وأهلك الحرث والنسل، فيتعيَّن قتله، وحق عليه العذاب، فنسأل الله العفو والعافية". الكبائر.
ولا بد من التأكيد: إلى أنه لا يُكتفى في مثل هذه الأمور بمجرد الظنّ والتهم والإشاعات، بل لا بد من قيام الدليل الشرعي المعتبر على إدانة المخبر أو العوايني.
خامساً:أما الاعتداء على أقارب الجواسيس بالقتل أو الاعتداء أو الإيذاء أو الاختطاف فلا يجوز بتاتاً؛ لأن القريب لا يؤخذ بجريرة قريبه، وحرمة دم ومال هذا القريب كحرمة دم ومال بقية أفراد الشعب، وقد تكاثرت النصوص الشرعية في الزجر والنهي عن أخذ الإنسان بجريرة غيره، كقوله تعالى:( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ )، وقال:( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
نسأل الله -جل وعلا- أن يكف شر هؤلاء الجواسيس، وأن يفضح سترهم، ويشغلهم بأنفسهم، ويُعاجِل بعقوبتهم في الدنيا قبل الآخرة، وأن يُلبس إخواننا الثائرين وأفراد الجيش الحرّ لباس الستر والتقوى، وأن يرزقهم السداد في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.