الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ الموافق 19 مارس 2024 م
حكم بيع بطاقات المعونة الخيرية
رقم الفتوى : 199
الأربعاء 18 شعبان 1442 هـ الموافق 31 مارس 2021 م
عدد الزيارات : 35337

حكم بيع بطاقات المعونة الخيرية

السؤال:

توزع الحكومة التركية على اللاجئين السوريين بطاقات مشحونة بقيمة معينة من المال، وتتيح لهم الفرصة في استعمالها في محلات أقيمت في المخيمات لشراء حاجياتهم، وبعضهم قد يحتاج لنقود فيقوم ببيع هذه البطاقة بقيمة أقل من قيمتها المشحونة فيها، فهل هذا جائز؟ وهل يدخل في الربا؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أما بعد:

فبطاقات المعونة المخصَّصة لاستلام السلع الغذائية ونحوها لا يجوز استعمالها في غير ما صُرفت له، ولا بيعها والمتاجرة بها، وبيان ذلك:

أولًا:

البطاقاتُ التي يحصل عليها الإنسان من جهة خيرية، أو تُدفع له من الحكومة لإعانته على قضاء حاجته من الغذاء والسلع والدواء: لا يجوز استعمالها في غير ما خُصِّصت له، وذلك:

1-أن البيع مخالف لشرط المتبرع، فالجهة المانحة لهذه البطاقة تشترط عادةً على المستفيد صرفها في الحصول على السلع المحدَّدة، والمسلمون على شروطهم.

فكل شرط اشتُرط على المسلم، ولم يكن هذا الشرط يبيح حراماً أو يحرم حلالاً: فهو واجب الوفاء، لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وقوله: (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ)، وعهد الله يدخل فيه ما يعاهد عليه المسلم والشروط التي يلتزم بها.

وفي الحديث: (المسلمون عند شروطهم)، ذكره البخاري تعليقًا، ورواه أبو داود والترمذي.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّ مقاطع الحقوق عند الشروط"، رواه ابن أبي شيبة في المصنف.

وشَرْطُ المتبرع والمانح كشرط الواقف: يلزم العمل به والتقيد بما فيه إذا لم يخالف الشرع؛ لأن كلاً منهما لم يرض ببذل ماله وإخراجه من ملكه إلا بهذا القيد والشرط: فوجب اتباع قوله فيه.

قال ابن مودود الموصلي الحنفي في الاختيار لتعليل المختار: "يجب اعتبار شرط الواقف؛ لأنَّه مِلْكُه أخرجه بشرطٍ معلومٍ".

وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: "الواقف لم يُخرج ماله إلا على وجه معيَّن؛ فلزم اتباع ما عيَّنه في الوقف من ذلك الوجه".

وقال ابن قدامة المقدسي في المقنع: "ويُرجع إِلى شرط الواقف في قَسْمِهِ على الموقوف عليه، وفي التقديم والتأخير، والجمع والترتيب، والتسوية والتفضيل، وإِخراج من شاء بصفةٍ وإِدخاله بصفةٍ، وفي الناظر فيه، والإِنفاق عليه، وسائر أحواله".

2-أن هذا البيع على خلاف نية وقصد المتبرع، فالمتبرع لم يقصد المنفعة العامة وانما منفعةً خاصةً من طعام وشراب وكساء، فيجب صرفها فيما يحقق مقصده ونيته.

قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: "ولو أعطاه دراهم وقال: اشتر لك بها عمامة أو ادخل بها الحمام أو نحو ذلك: تعيَّنت لذلك؛ مراعاةً لغرض الدافع".

وفي حاشية الجمل على المنهج: "ولو دفع له تمرًا ليفطر عليه: تعيَّن له على ما يظهر، فلا يجوز استعماله في غيره نظرًا لغرض الدافع".

3-أن هذا البيع يشتمل على مفاسد، منها: فتح الباب للمتاجرة بهذه البطاقات واستغلال حاجات الناس.

ثانيًا:

فإن حصل على هذه البطاقة بعقد معاوضة، كأن اشتراها ممن حصل عليها مجانًا، فلا يجوز له بيعها لغيره.

وذلك: أن من اشترى سلعةً فلا يجوز له بيعها حتى يقبضها، وحامل هذه البطاقة لم يقبض بعدُ محتوى البطاقة من تموينات وملابس.

لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه)، متفق عليه.

وقال ابن عباس: "أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض، ولا أحسب كل شيء إلا مثله". متفق عليه.

قال النووي: " في هذه الأحاديث النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه البائع".

وفي معالم السنن للخطابي: " أجمع أهل العلم على أن الطعام لا يجوز بيعه قبل القبض".

وفي صحيح مسلم عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، أنه قال لمروان بن الحكم: أحللتَ بيع الربا، فقال مروان: ما فعلت؟

فقال أبو هريرة: "أحللت بيع الصكاك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى"، قال: فخطب مروان الناس، فنهى عن بيعها، قال سليمان: فنظرت إلى حرس يأخذونها من أيدي الناس.

قال أبو العباس القرطبي في المفهم: "وهذا البيع الذي أنكره أبو هريرة للصُّكوك إنما هو بيع من اشتراه ممن رُزقه، لا بيع من رُزقه؛ لأن الذي رُزقه وصل إليه الطعام على جهة العطاء، لا المعاوضة".

ثالثًا:

للباحثين المعاصرين في تكييف القيمة الموجودة في مثل هذه البطاقات اتجاهان، هل لها حكم النقد أو السلع والمنافع التي تمثلها؟

والأقرب أن هذا النوع من البطاقات لا يأخذ حكم النقود؛ لأمور:

1- أن النقد ما كان وسيلةً للتبادل وثمناً للأشياء، وهذه البطاقات لا يمكن استخدامها عند غير الجهة التي أصدرتها أو تتعامل معها، والنقود من خصائصها: التداول العام بين الناس.

2- أن هذه البطاقات غير قابلة للتحويل إلى نقود، أي أنه لا يمكن الحصول على قيمتها النقدية المخزنة فيها، فالمشتري لا يمكنه الحصول إلا على قيمتها من السلع أو الخدمات، وهي بهذا تختلف عن "البطاقات البنكية" التي يمكن فيها السحب من الرصيد.

3- أن بطاقات المعونة تشبه "الصكوك" التي كان يخرجها السلطان للجنود وغيرهم، ويستحق بها الجندي قدرًا من أرزاق بيت المال من طعام ونحوه، ولم يعاملها العلماء معاملة النَّقد.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: "الصكاك: جمع صك وهو الورقة المكتوبة...، والمراد هنا: الورقة التي تخرج من ولي الأمر بالرزق لمستحقه، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره".

فإذا تبين أن القيمة المخزنة في بطاقة المعونة هي السلع التي تتضمنها: فبيع هذه البطاقة -مع القول بالتحريم -بنقد أقل أو أكثر من القيمة الموجودة فيها لا يأخذ حكم الربا.

رابعًا:

أما بطاقات المعونة التي تشحن برصيد نقدي، ويحق لصاحبها استعمالها بكافة وجوه الانتفاع، إما بسحب الرصيد النقدي والاستفادة منه أو شراء ما يحتاج من السلع والخدمات، فلا ينطبق عليها ما سبق من أحكام؛ لأن الرصيد الموجود فيها نقد حقيقي.

ولكن ليس له أن يبيعها بنقد معجَّل مطلقًا؛ لما في ذلك من الغرر والجهالة والربا، مع ما فيها من مخالفة شرط المانح.

والله أعلم

ابن سوريا | سوريا
الأربعاء 18 شعبان 1442 هـ الموافق 31 مارس 2021 م
هيئة الشام عطاء متواصل