الثلاثاء 21 شوّال 1445 هـ الموافق 30 أبريل 2024 م
هل يجوز تصدير السلع من سوريا في ظل نقصها وارتفاع أسعارها ؟
رقم الفتوى : 14
الأربعاء 11 جمادى الآخر 1433 هـ الموافق 2 مايو 2012 م
عدد الزيارات : 51526

السؤال: ما هو حكم تصدير الخضروات في سوريا علماً أننا بحاجة ماسة إليها، وتصديرها يضر بالمواطن ويرفع سعرها؟

 

_______________________________________

الجواب:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

1 - مايحصل لشعبنا في سوريا من نقص في الأنفس والأموال والثمرات إنما هو من الابتلاء، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 – 157].

 

2 - الواجب على التجار أن يتقوا الله في عباد الله فلا يستغلوا الظروف الصعبة التي تمر بالناس، وليتذكروا وقوفهم بين يدي الله يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يوم القيامة فُجَّارًا، إلا مَنِ اتَّقَى الله وبَرَّ وصَدَقَ) أخرجه الترمذي، وقال أيضا: (رَحِمَ اللهُ رجلاً سَمْحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى) أخرجه البخاري

 

3 - لا شك أن تصدير السلع والمنتجات والخضروات واللحوم من الأمور المباحة في الأصل، ولكن قد يعتري هذا المباح من الملابسات ما يجعله محظوراً، وذلك إذا ترتب عليه ضرر عام على المسلمين، كما هو الحال في سوريا اليوم.

ففي ظل الأوضاع الحاضرة التي تمر بها البلاد من انعدام الأمن والأمان، وتوقف كثير من المزارعين والعمال عن أعمالهم، وارتفاع الأسعار وندرة السلع: يتعين على التجار أن يوقفوا تصدير منتجاتهم، ويكتفوا بتسويقها في الأسواق الداخلية دون المبالغة في أسعارها؛ لأن الاستمرار في تصدير السلع يسهم في ارتفاع أسعارها، ويعود بالضرر البين على عامة الناس, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ) رواه مالك .

ومن القواعد الكلية في الشريعة: أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولا شك أن التصدير مصلحة خاصة تتسبب في ضرر عام. واكتفاء التاجر بالتسويق الداخلي فيه رفع للضرر عن الناس، مع ما فيه من النفع له ولهم على حد سواء.

ولايخفى أيضاً أن تصدير السلع إلى الخارج يساهم في دعم اقتصاد النظام، في الوقت الذي ينبغي على الجميع أن يعملوا على إضعافه بشتى السبل وصولاً إلى إسقاطه وإراحة العباد والبلاد من شره.

 

4_ وإن من الأعمال الجليلة التي يُندب إليها عامة الناس في أوقات الأزمات وعند ندرة السلع وارتفاع الأسعار: أن يواسي بعضهم بعضاً، ويتفقد بعضهم بعضاً، كما قال تعالى عن المؤمنين: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة).

ولنا في الصحابة أعظم مثل وأسوة؛ إذ كان يواسي بعضهم بعضاً عند نفاد الزاد وقلة الطعام، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا [أي : نَفِدَ زادُهم ] فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ) رواه البخاري ومسلم .

وقَالَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ) رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.

ومن المواساة عمل التجار على توفير السلع للناس وخاصة في المناطق المنكوبة أو المحاصرة، وإرخاص أثمانها فإن ذلك من الجهاد بالمال.

 

5_ وفي أوقات الأزمات وحلول النكبات، وعند الابتلاء بنقص الأموال والثمرات: يتعين على العباد أن يتخذوا الأسباب الجالبة للرزق، وخاصة الأسباب الشرعية من الإيمان والتقوى والتوبة والاستغفار, قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]. وقال أيضًا: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 11، 12].

 

نسأل الله عز وجل أن يرفع عن إخواننا في سوريا وفي كل مكان الغلاء والوباء وأن يحقن دماءهم ويحفظ أعراضهم ويفك أسراهم, اللهم وعليك بطاغوت الشام وأعوانه, اللَّهمَّ مُنْزِلَ الكتاب، ومُجْريَ السحاب، وهازمَ الأحزاب، اهْزِمهُمْ وانْصُرْنا عليهم.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.