الأوضاع المأساوية التي يمر بها أهلي في الداخل من قتل وقصف وتعذيب وتدمير ونزوح، وفي دول اللجوء من ظروف قاسية ونقص في أبسط مقومات العيش الكريم، كل هذا يدفعني دفعا إلى أن أتلمس الأمل - ولو على سبيل التوهم- في كل مبادرة للخلاص من النظام السوري المجرم.
تماماً كالتائه في الصحراء بلا زاد ولا ماء، يتمنى أن هذا الذي يراه من بعيد ماء، وإن كان يعلم أن الصحراء أرض السراب، ولم يغب عن مخيلته مئات الأشخاص الذين ظنوا السراب ماء فذهبت جهودهم في الوصول إليه سدى، لكنه ضغط الواقع وقساوة الحدث يستحوذ على المرء ويدفعه إلى أن يرى الأمل فيما حوله ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وهذه قصتنا مع الائتلاف الوطني، فمصابنا الجلل وآلامنا المبرحة وأعداد شهدائنا وجرحانا ومعتقلينا ولاجئينا تدفعنا إلى أن نبحث عن الأمل فيه أن يخلصنا من هذا النظام الفاجر. ويرفع من جرعة الأمل وجود أفاضل مستقيمين على رأس هذا الائتلاف وبين أعضائه .
إلا أنني أجد كل العذر لمن ينظر إلى هذا الائتلاف نظرة الريبة والحذر.
فلا يجادل أحد في أن الرعاة لهذا المشروع هم أكابر دهاة الغرب ( أمريكا و بريطانيا وفرنسا)، و أن ما يجري هو بضوء أخضر منهم، ويصعب على المسلم - بفطرته - أن يصدق أن الغرب بتاريخه و مواقفه القديمة والحديثة يكترث بإنصاف المظلوم أو الأخذ على يد الظالم أو مساعدة الشعوب المسلمة على استرداد حقوقها و حرياتها، بل العكس من ذلك تماما فجل مصائبنا ومآسينا - ومنها هذه الأنظمة المتسلطة علينا- هي من صنع الغرب وكيده . وقد حفظنا ونحن صغار قول أمير الشعراء
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا
(حتى ان احد المدافعين عن الائتلاف حين أراد ان يثبت -حسب ظنه- انزعاج الغرب من مشروع الائتلاف استدل بمدح وزيرة الخارجية الامريكية له، قال: لأنها تعلم أن ما تمدحه امريكا يثير الريبة عند جماهير المسلمين، فهي تحاربه بهذا المدح !)
أضف إلى أسباب الريبة والشك في الائتلاف أن بدايات هذا المشروع ارتبطت بالحديث عن وثائق خطيرة في مضامينها ومصادمة لأهداف الثورة ومفتئتة على إرادة الشعب.
وإن كان حقاً أن هذه الوثائق لم تذكر في البيانات الرسمية التي صدرت عن الائتلاف، إلا أن عرابيها و المؤمنين بها لا يزالون في مواقع هامة وحساسة من الائتلاف، وهذه أمور فكرية منهجية لا تزول بتوافق في مؤتمر، ولا بتبادل عبارات دبلوماسية مهذبة.
بل قد صدر من بعض أعضاء الائتلاف ما يدل على أن هذه الوثائق لا تزال حاضرة في الأذهان.
ومع ذلك لا مناص لنا من تلمس الأمل
أعلل النفس بالآمال أرقبها ماأضيق العيش لولا فسحة الأمل
سنبحث عن الأمل في هذه المبادرة، وسنتعامل معها بإيجابية، ولكننا سنبقى حذرين، إلا أننا سنضبط حذرنا فلن نحذر من الائتلاف مالم يصادم ثوابت الدين وأهداف الثورة، لكننا أيضاً لن نؤيده حتى تتبين أفعاله وتوجهاته.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
السلام عليكم، أخي الدكتور معن، اسمح لي بكلمة لوم، إذا كانت هذه رؤيتك وهذا كلامك فكيف بالمواطن البسيط؟! ديننا دين بين، والرسول عليه الصلاة والسلام تركنا على المحجة البيضاء، حتى أن من القواعد الشرعية "استصحاب الأصل وترك الشك"، أنت تقول بأن مشروع الائتلاف عبارة عن سراب، هذا ما يقوله العقل كما تقول، فكيف نتلمس الأمل في السراب؟! صحيح أن الوضع مؤلم وصعب، ولكن لنتذكر قوله تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}. ولكن لا شك بأن لرب العالمين حكمة في أن تطول المحنة، ونظن بأنها لأجل التمحيص، فقد قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}. أما إن كنت تتلمس الأمل في السراب لعدم لأنك لا ترى حلاً للأزمة فأذكرك بأن المؤمن ينتظر الفرج من الله تعالى، رب السراب، ورب الأمم ورب الأكوان، وقد قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وبقول الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام عن الشام [ إن الله عز وجل يقول يا شام أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله] صحيح -الدرر السنية. فالنتيجة محتومة ولكن البلاء والله أعلم على مراحل حتى تخرج الخلاصة الطيبة، فقد ورد في الحديث الشريف [تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا . فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء . حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا . فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض . والآخر أسود مربادا ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . إلا ما أشرب من هواه] صحيح مسلم - الدرر السنية. أما عن موقف إخوتنا الذين دخلوا الائتلاف الوطني ودعموه بنية طيبة، فينبغي لنا أن بموقف الغرب منا وبالمكائد التي يكيدها لنا، وقبل ذلك نذكرهم بالموقف الشرعي من طلب الدعم من غير المسلمين، وكلام العلماء واضح في هذا الإطار، أم أننا قد ضيعنا البوصلة؟ّ نحن لا ننتظر خيراً من هذا الائتلاف ولكن لا نعاديه ونظن بأن لنا إخوة دخلوه بنية طيبة، وهؤلاء قد لايكونوا أيقنوا بالسراب بعد، فننتظر منهم بأن يرجعوا إلينا من رحلتهم ويخبرونا بأن السراب سراب.