





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مشاهدينا الكرام في حلقة جديدة من برنامجكم صناعة الوعي وهي الحلقة الثانية التي نناقش فيها موضوع الهوية الوطنية وانعكاساتها على العمل السياسي.
باسمكم أجدد التحية لضيف هذه الحلقات الأستاذ الجامعي ورئيس مركز الحوار السوري الدكتور مجاهد عبد الرزاق مخللاتي.
أ. تمام: أهلاً و سهلاً بك دكتور.
د. مجاهد مخللاتي: أهلاً بكم سهلاً ومرحباً.
أ. تمام: دكتور في الحلقة الماضية تعرفنا على المقصود بالهوية المجتمعية والهوية الوطنية وأهميتها ومشروعية الاعتزاز بها.
طبعاً كما ذكرنا سابقاً نحن في هذا البرنامج نتخذ من الواقع السوري حالة للدراسة، نسقط عليه ما نناقشه من محاور، أشرتم إلى أهمية تحديد الهوية العربية المسلمة بسوريا المستقبل في سياق التحرر الوطني الذي تمثله الثورة السورية.
هل من إطلالة على هذا البعد التاريخي الموصل لواقعنا في خطاب الهوية..؟
د. مجاهد مخللاتي: أشكر لكم استضافتكم مرة أخرى، و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد.. عطفاً على حديثنا في الحلقة الماضية، الحديث عن موضوع الهوية ليس أمراً عارضاً إنما هو تقرير لشيء واقع، إضافة إلى أنه انطلاق لتحرر وطني بمعنى أننا تحدثنا عن مخالفة وعدم التبعية فيقابلها على الطرف الآخر التحرر الوطني، لابد من العودة كما تفضلت إلى السياق التاريخي،
أين نحن منه..؟ أين كنا وأين نحن..؟
نظرة جزئيةً لواقع اليوم فقط يفقدنا كثيراً من التركيز و يغيب عنا الصورة الكلية.
يقول قائل ما دخْلُ موضوع الهوية بموضوع التحرر الوطني و أين هي التبعية إن هي إلا أوهام في رؤوسكم، فلننظر إلى التاريخ ماذا يقول لنا.
سوريا بقيت تحت الحكم الإسلامي منذ أن دخل الفتح الإسلامي إلى حين تمزق الدولة العثمانية وتقطيع أوصال البلاد العربية ضمن معاهدة [سايكس بيكو] التي لم يؤخذ بها رأي السوريين ولم يستشاروا بها إلى قدوم الاستعمار الفرنسي في عام ألف وتسعمائة وعشرين والذي وفق دراسات غربية و تحليلية ومن غربيين حركه أمران:
الأمر الأول لتحريك الاستعمار الفرنسي: شهوة السيطرة والتحكم ونهم طلب الثمرات والخيرات، يقول (روجيه جارودي) وهو أحد المفكرين المعاصرين في تلك الحقبة:
إن شروط نمو الغرب إنما كانت بالضرورة وليدة نهب ثروات العالم الثالث ونقلها إلى أوروبا وأمريكا وبالتالي الغرب جعل ما يسمى بالعالم الثالث الآن متخلفاً.
يقول (عبد الوهاب المسيري): وهو أيضاً رحمه الله عالم آخر في هذه الأمور عاش ردحاً طويلاً من عمره يدرس العلوم السياسية والاجتماع: أدركت بعد دراسة طويلة أن التقدم الغربي هو ثمرة لنهب العالم الثالث، وأن نهضة الغرب قامت على حساب العالم بأسره حتى من بعض الطُرف يقول أحد العلماء إن من يقول دعونا نلحق بالغرب في قضية التطور العلمي، حتي إن جاريناهم بذلك فلن نستطيع لأن هويتنا التي تنبثق منها أخلاقنا وسلوكنا لا يسمح لنا بنهب ثروات العالم، أي ستقف الهوية حاجزاً أمام نهب ثروات الشعوب التي نستعمرها إن جاز أن نستعمر.
الأمر الآخر الذي حرك هذا الاستعمار و هو مدون تاريخياً و بدراسات معاصرة: "شهوة الهيمنة الثقافية" .
يقول المفكر الفرنسي (سيرج لاتوش): إن الاستعمار مشروع اقتلاع ثقافي..
أ. تمام: يعني هو حرب على الهوية؟!
د. مجاهد مخللاتي: هو ليس حرباً على الهوية فقط، هو اقتلاع لتلك الهوية واستبدالها بهوية الغازي أو المستعمر، المستكبر إن أحببت، فهو قلع لتلك الهوية وقلع لثقافتها،
يقول (جان زيغلر): وهو عالم اجتماع ودبلوماسي مارس الدبلوماسية مدة طويلة من الزمن
يقول: في كل زمان وفي كل مكان شكّل تدمير الثقافة والهوية المميزة والذاكرة والروابط العاطفية للمغلوب هاجساً عند الغربيين،هاجساً عند الغربيين أن يقهروا هذه الهوية يقهروا هذه الذاكرة.
أنا لا أنقل عن المسلمين ولا عن الذين ينتمون لهذه الهوية، أنقل عن الغربيين المنصفين من بيئات استعمارية ولكنهم أنصفوا أو بالحقيقة أفصحوا عن حقيقة لمستها شعوبنا.
و ينقل أحد العلماء عن العقلية الفرنسية الاستعمارية التي كانت في الحالة السورية.
إن العقلية كانت تقول إنّ العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يكونوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين.
المثال الأوضح لترجمة هذه المعاني كان حقيقة في الاستعمار، في سوريا لم يمتد طويلاً، ومن أوضح الأمثلة كان الاستعمار في الجزائر، على ماذا اعتمد؟
اعتمد على معاداة العروبة والإسلام كونها هوية، يعني يتصف بما وصفه العلماء لاحقاً أنه اقتلاع ثقافي، أن الذاكرة التاريخية بأمة فيما يتعلق بهويتها شكلت مصدر إزعاج لهذا الغرب فكان معادياً للعروبة والإسلام، فعملت على محو اللغة العربية، وطمس الثقافة الإسلامية، نشر الثقافة واللغة الفرنسية، اشترطوا في كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية، عملوا على الفصل بين اللغة العربية والإسلام، الترويج بأن الجزائريين مسلمون فرنسيون وليسوا عرباً، لما فشلوا في طمس الهوية الدينية ذهبوا إلى الهوية العربية و قد حاولوا إشعال قضية الأقليات والطوائف والأعراف.
حتى قام الشيخ (عبد الحميد بن باديس) معبراً عن هذه الحالة بعد عقود طويلة من الاستعمار الفرنسي،
و بالمناسبة الشيخ (عبد الحميد بن باديس) من البربر أمازيغي ليس عربياً، هو عربي الانتماء و ليس عربي النسب.
أ تمام : هو ينتمي إلى الهوية العامة.
د. مجاهد مخللاتي: ينتمي إلى الهوية العامة، ينتمي إلى المجتمع، ينتمي إليها ويفتخر ويعتز بها. يقول لفرنسا :
شَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِمٌ وَإلىَ العُـروبةِ يَـنتَسِـبْ
مَنْ قَــالَ حَـادَ عَنْ أصْلِـهِ أَوْ قَالَ مَـاتَ فَقَدْ كَذبْ
أَوْ رَامَ إدمَــاجًــا لَــهُ رَامَ الـمُحَـال من الطَّـلَـبْ
يَانَشءُ أَنْـتَ رَجَــاؤُنَــا وَبِـكَ الصَّبـاحُ قَـدِ اقْـتَربْ
خُـذْ لِلحَـيـاةِ سِلاَحَـهـا وَخُـضِ الخْـطُـوبَ وَلاَ تَهبْ
وَاْرفعْ مَـنارَ الْـعَدْلِ وَالإحْسـانِ وَاصْدُمْ مَن غَصَبْ.
إذاً هناك غصب وهناك عدل وهناك إحسان، وهناك محاولة لطمس الهوية الإسلامية
فناداه: شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب، وكذلك قال مثلها في سوريا (فارس الخوري)، كان يتحدث عن الاعتزاز بالإسلام وكان يقول أنا مؤمن بصلاحية الإسلام.
أ. تمام: مع أنه غير مسلم
د. مجاهد مخللاتي: نعم وهو واضح من اسمه، يقول:
أنا مؤمن بصلاحية الإسلام لتنظيم أحوال المجتمع العربي وقوته للوقوف في وجه كافة المبادئ والفلسفات التي تحاول اجتثاث هذا المجتمع.
أيضاً مكرم عبيد في مصر يقول :القبطية ديني والإسلام جنسيتي.
هؤلاء المثقفون شعروا بما يريد هذا المستعمر من طمس الهوية وخلق قضية الأقليات.
القنصل البريطاني في سوريا في نهاية حكم الاستعمار الفرنسي يتحدث عن الطوائف الدينية بشكل أوضح لأنه كان التركيز عليهم، ولم يكن هناك مشكلة قوميات واضحة في سوريا أتت لاحقاً بعد ذلك من خلال حزب البعث كما سيأتي.
يقول: "أفسد الفرنسيون أبناء الطوائف وأعطوهم شعوراً بالاستعلاء، هذا الشعور مكنهم فيه أثناء فترة الاستعمار وأن يعبروا عن مظالمهم"
ولو تصرف أبناء هذه الأقليات على أنهم مواطنون سوريون بالدرجة الأولى لما كان هنالك داعٍ لخوفهم، ولكن من أفسدهم؟ أفسدهم هذا المستعمر.
أ. تمام : إذاً السياق التاريخي كله يؤكد أن الاعتزاز بهذه الهوية العربية الإسلامية هو استحقاق مطلوب.
د. مجاهد مخللاتي: نعم استحقاق مطلوب لأنه حقيقة نحن أكملنا إلى نهاية الاستعمار، ولكن هذا المستعمر عندما ترك من يحقق له مصالحه.
يقول( سيرج لاتوش) مرة أخرى: إن أروع ما حققه الاستعمار هو مهزلة تصفية الاستعمار . كيف ذلك؟
يقول: لقد انتقل المستعمرون إلى الكواليس، نحن هنا في الاستوديو يوجد كواليس و حاشا إخواني أن يكونوا من المستعمرين.
إلا أنهم لا يزالون مخرجي النص المسرحي بالكامل.
أ. تمام: أو صدروا من ينوب عنهم
د. مجاهد مخللاتي: أنشؤوا نخبة تحكم بالنيابة عنهم.
يقول (روبرت كوبر) كما ينقل عنه الدكتور(جعفر شيخ إدريس): كل مسوغات الاستعمار التي كانت موجودة في القرن العشرين قائمة الآن، المسوغات التي كتبناها والتي هي نهب الثروات وطمس الهوية المخالفة، كلها قائمة و لكن فكرة الاستعمار بمعناه القديم جيوش تذهب و تحتل - و إن رأيناه للأسف في الواقع المعاصر- صارت غير مقبولة الآن، إذاً لابد من استعمار جديد يتناسب مع القيم الحالية.
أ. تمام : يستهدف الهوية، في المحصلة الثمر الجديد يستهدف الهوية.
د. مجاهد مخللاتي: و مقومات البقاء و جميع الثروات.
أ. تمام: هل هذا ما يجعلك خائفاً على هوية سورية المستقبل..؟
يعني الآن في كل صعيد و في كل استحقاق سياسي يُطرح موضوع الهوية المستقبلية الجديدة لسوريا القادمة بعد سقوط هذا النظام.
هل ثمة خوف حقيقي على هذه الهوية أم أن التوافق اليوم على هوية بين جميع أبناء المجتمع و جميع فصائل الثورة السورية ربما يعين على تحقيق الثورة لأهدافها و الحفاظ على هويتها..؟
د. مجاهد مخللاتي: جيد..
بعد أن ننظر في السياق السوري نجد أن هناك طمساً للهوية مرة أخرى كما حاول الاستعمار في البداية.
من يطرح الآن موضوع الهوية بشكل طامس لها؟!
المؤتمرات التي تصنع في الغرب،
بعض السياسيين الغربيين بوقاحة كبيرة يقول: إنه لا يمكن أن تكون سوريا بلداً مسلماً سنياً، هذا الخطاب يتحدث عن علمانية سوريا المستقبل، هذا الخطاب يقلقني. إن هذا المستعمر متنكر وبالطريقة نفسها يريد عدم الاستقرار .
أ. تمام : باختلاف الأدوات و الأساليب.
د. مجاهد مخللاتي: و أحياناً بنفس الأدوات و الأساليب.
مثلاً في سوريا الحزب الذي أتى و حكم، والذي ثار عليه الشعب السوري، هو من صنع الاستعمار، لأنه كما قلنا قبل قليل استطاع الاستعمار أن يضع من يمثله، طيب من الذي استقر بسوريا تلك الفترة الطويلة؟
حزب البعث بالتأكيد
حزب البعث الذي أتى قائداً للدولة والمجتمع. نشر في مجلة جيش الشعب في مايو ألف وتسعمائة و سبعة ستين، يقول: الطريق الوحيد هنا طمس الهوية مرة أخرى وقهر الناس عليها، يقول الطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب -طبعاً بما أنه حزب عروبي لا يستطيع أن يلغي عربية الوطن وإن كانت الممارسات تناقض ذلك- لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد، الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت في المجتمعات ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ.
هذا الكلام نشر لأحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي.
إذاً هذه العقلية التي يريدها الاستعمار، لكن لا يستخدم نفس العبارة إنما يستخدم عبارات ملطفة.
طيب هذا ماذا يتطلب..؟
تسألني لماذا أنا قلق..؟
طمس هذه الهوية يحتاج قسوة، يحتاج استبداداً، يحتاج عنفاً، إذاً نحن سنعود إلى عقود أخرى من الاستبداد ومصادرة هوية الغالبية.
يقول(ميشيل عفلق): إنّ القدر الذي حمّلنا رسالة البعث أعطانا الحق في أن نأمر بقوة ونتصرف بقسوة
إذاً هو يدرك أن الهوية التي يطرحها مغايرة لهوية الشعب ولا يمكن أن يجتمعا.
نفس هذه العقود من الزمن التي أتت في ظل رضا عالمي ومباركة عالمية
أتت الثورة فعبرت بعفوية كاملة عن هويتها ابتداءً من احتياجاتها الأساسية
" الشعب السوري ما بينذل، الموت و لا المذلة"، مروراً إلى "الله سورية حرية و بس" وانتهاءً بـ "قائدنا للأبد سيدنا محمد، ما منركع إلا لله"
إذاً هنا الثورة أتت كانفجار ضخم على هذه المحاولات لطمس الهوية التي أريدت للناس بهذه القسوة كما قال (ميشيل عفلق)، لأنه يعلم بأنها هوية مضادة. وهي الهوية التي حاول أن يزرعها والتي رضي عنها الغرب عقوداً من الزمن.
هؤلاء الذين كانوا خلف الكواليس مرضي عنهم، كان لابد لهم أن يأتوا بقسوة وشدة فأتوا بانقلاب عسكري، ومارسوا الدكتاتورية والبطش والاستبداد، وبعد ذلك ارتفعت الطائفة الحاكمة وبعدها الأسرة الحاكمة في سورية.
أ. تمام: طيب، هذا يبين حقيقة فوائد تحديد هوية البلد سياسياً.
ماذا عن الفوائد التي تنعكس على الناس، على معاشهم على حياتهم اليومية و تطلعاتهم الحياتية في سورية المستقبل..؟
د. مجاهد مخللاتي: هذا سؤال مهم جداً.
في النقطة الأولى بداية التحرر الوطني هي عدم قبول فرض هوية الآخر والاعتزاز بالهوية العربية المسلمة.
في المجال الحياتي إن صح التعبير، نجد أن تحديد هذه الهوية والاعتراف بها هو احترام لغالبية الشعب السوري ومعتقدهم، أيضاً حسم موضوع هذه الهوية مبكراً، يورث تفرغاً للشؤون ذات البال، تفرغاً لشؤون إدارة المجتمع.
بالمناسبة؛ في علم الاجتماع السياسي لا يمكن أن تتعدد الهوية السياسية عند السلطة، لأن هذا يؤدي بالضرورة إلى التقسيم.
أ. تمام: هل يدخل بذلك ما يسمى بالمحاصصة الطائفية ؟؟
د. مجاهد مخللاتي: المحاصصة الطائفية شكل من أشكال التعبير السياسي عن أنظمة الحكم.
نحن نتحدث في مجال الهوية، عندما يقول الناس ليست هذه هويتكم نحن نعلمكم ما هويتكم، سينبري أوتوماتيكياً قوم للاعتزاز بهويتهم وسيكون هناك نوع من عدم الاستقرار في المجتمع.
إذاً نحن نتحدث عن احترام معتقدات غالبية الشعب السوري الدينية ومنح الفرصة للتفرغ للقضايا ذات البال، القضايا السياسية والاجتماعية.
سن القوانين و التشريعات التي ستصطبغ بها حياة الناس، لابد أن يكون متوافقاً مع ما يعتقدونه ويدينون به، هذا أمر طبيعي وفطري، عدم وجود هذا الانسجام بين التشريعات التي تحكم هذه الحياة و بين معتقدات الناس سيؤدي بالضرورة إلى شعور الناس أنهم في توتر دائم وأنهم في مجتمع غير مجتمعهم.
يعني نجد مثلاً أن سبعاً وخمسين بالمئة من الأمريكان الجمهوريين يتحدثون في أمريكا التي هي علمانية من الناحية الدستورية ولا يكاد يوجد فيها أغلبية دينية واضحة، وطبيعة الدين أيضاً مختلفة، طبيعة الإسلام غير طبيعة الأديان الأخرى.
سبع و خمسون بالمئة يجدون أنه يجب أن يكون هناك فرض للقانون المقدس الكنسي في الدولة حتى يشعروا بالانتماء إلى هذا المجتمع ويشعروا بالانسجام بهذا المجتمع.
أيضاً البلدان المزدوجة الهوية "التي فيها نوع من الهوية الخاصة بالفئة الحاكمة وهوية خاصة بالمجتمع" نجد أنها تولد أنظمة مختلفة عن النظام، قانون في العلن و قانون في الخفاء، وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار و يصبح الوضع أشبه بتمثيلية.
تسييس الهوية في ظل وجود السلاح غير المنضبط الآن في سوريا هو عامل خطر كبير.
كثير من الناس يشعرون أن تسييس الهوية في هذا الواقع يؤدي إلى مصادرة حقهم بالتعبير عما يريدون وكثير من هؤلاء بيدهم سلاح، وأيضاً إثارة هذا الموضوع وجعله مجالاً للجدل السياسي أيضاً خطير بشكل كبير.
ختاماً أختم بنقطة أخيرة في هذا السياق وهي:
إن الاعتماد على هويةٍ مصادمةٍ لهوية الغالبية تعني "الاستبداد"
و الاستبداد معناه { عدم الانتماء _ عدم الفاعلية _ عدم الإيجابية } و بالتالي نعيش فترات سوداء كما عشناها في العقود الماضية.
أ. تمام: طيب، أنت أشرت الآن و في الحلقة الماضية إلى أن الحضور الديني للهوية في الخطاب السياسي العام طبيعي لأي شعب متدين، وأيضاً وجدناه حاضراً في نصوص دستورية للدول الحديثة.
لنفترض أنه تمت الموافقة و الاعتراف بالهوية العربية والإسلامية لسوريا المستقبل بنصوص دستورية ثابتة، هل هذا هو المطلوب أم أن الأمر أبعد؟؟!
د. مجاهد مخللاتي: الجواب المختصر لا، الأمر أبعد، و لكن دعني أقف وقفات يسيرة إن سمح الوقت مع بعض الدساتير.
أ. تمام: باختصار.
د. مجاهد مخللاتي: الدساتير الغربية التي يروجون لنا فيها قضية عدم الاهتمام بالهوية والدين والأصول غير موجودة في أي نمط دستوري، ننظر في الدستور اليوناني مثلاً يقول في مادته الأولى :
إن الدين السائد فيها هو المذهب الأرثوذكسي وتعترف أن إلهها هو يسوع المسيح وأنه رأس الكنيسة، وأيضاً يقول: إن الحكم الكنسي يجب ألا يعارض الشروط المذكورة في الفقرة التالية.
أ. تمام: هذا كله في الدستور.
د. مجاهد مخللاتي: نعم في الدستور، وأيضاً يقول الدستور: يحظر غلق الصحف أو أي مطبوعات أخرى باستثناء قرار من النائب العام بسبب إهانة الدين المسيحي أو أي ديانة أخرى.
إذاً نحن عندما تهان أدياننا يجب أن نبقى ساكتين وعند الغرب دستور ينص على حظر منع الصحف إلا إذا أهينت الأديان.
ننتقل إلى الدانمارك، الكنيسة الإنجيلية الدانماركية هي الكنيسة الرسمية في البلاد، الملك يجب أن ينتمي للكنيسة الإنجيلية.
دستور الدانمارك أيضاً احترم الكنيسة ويتوافق مع دستورها، مع أنه ينتمي لمجتمعات ينتشر فيها الإلحاد الآن. أمّا شؤون المجموعات الدينية غير التابعة للكنيسة الإنجيلية تضبط بقانون خاص.
أ. تمام: إذاً يعني أن الدساتير في الدول الحديثة والغربية والتي تدعي العلمانية وفصل الدين عن الدولة تعظم الشعائر الدينية، وهذه نصوص مقتبسة منها، وإنما يُراد أن نكون من صنعهم، ويُراد أن نكون تابعين، و يُراد أن نطمس هذه الهوية.
أعتذر منك دكتور لانتهاء وقت هذه الحلقة لكن الفكرة وصلت.
شكراً لك دكتور مجاهد و شكراً لكم أيضاً مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة.
لا يزال في الجعبة بقية من محاور حول هذا الموضوع، موضوع الهوية الوطنية و انعكاساتها السياسية نناقشها في حلقتنا القادمة بمشيئة الله تعالى.
حتى ذلكم الحين نترككم في رعاية الله.