الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
لقد وجد بيان "الروابط العلمية والهيئات الإسلامية السورية حول الموقف من إعلان "الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"بيعة جبهة النصرة" قبولاً وارتياحاً عاماً في كثير من الأوساط كما تظهره مئات التعليقات على الصفحات والمواقع الالكترونية المتعددِّة، ورسائل العلماء وطلبة العلم من السوريين وغيرهم، لما نعتقد أنَّه إنصافٌ ووضعٌ للأمور في نصابها، دوَ إفراطٍ أو تفريط، فالحمد لله رب العالمين.
كما وُجدت بعض التعليقات هنا وهناك التي لم توافق على مضمون البيان، وهو أمرٌ متوقع؛ فالاختلاف من طبيعة البشر، وما كنا نطمع أن يجد البيان إجماعاً عاماَ.
إلا أن بعض التعليقات المخالفة –وهي قليلة- أسفرت عن ألفاظ تمنينا أن أصحابها نزّهوا عنها أفواههم، وكبواتٍ وددنا أن يربؤوا بأنفسهم عنها.
نحن هنا لا يعنينا أن ندافع عن مضمون البيان، وإنما الحديث عن أسلوبِ الرَّدِّ والتعليق الذي لا يليق بنا نحن المسلمين، وعندنا منهجٌ سديدٌ في أدب الحوار والخلاف.
وقياماً منا بواجب التواصي بالحق فإننا نشير إلى بعض هذه المظاهر، سائلين الله أن يعفو عنا وعن إخواننا الذين وقعوا فينا، وأن يسلمنا منها في قادم الأيام.
وسنُصدِّر هذه الملاحظات بالنصوص القدسية من الكتاب والسنة، لعلها تكون أبلغ في الموعظة، وأبعد عن الجدل، وأدعى للقبول، خاصة وأن إخواننا المخالفين جلهم من الغيورين على دينهم، والمناصرين للجهاد وأهله، وظننا بهم أن يعظموا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
1- فـ (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا) متفق عليه.
وبعض العبارات التي وردت في التعليقات لا تليق أن تصدر عن مسلم لأخيه المسلم، فضلاً عن أن يُخاطب بها أناس متقدمون في السن وينتسبون إلى العلم، (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا) أخرجه أحمد، وثورتنا إنما هي على الظلم والبغي وليست على الآداب والأخلاق والسلوك. ونعوذ بالله أن يكون فينا من يتصف بآية النفاق العملي (إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ).
كيف وقد أرشد الله أنبياءه عليهم الصلاة والسلام إلى مخاطبة المخالفين الكافرين بالخلق الحسن؛ حرصًا على هدايتهم للحق، فقد قال –تعالى- عن دعوة موسى -عليه السلام- لفرعون: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44-45].
2- {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
فبعض ما ورد في التعليقات بهتانٌ عظيم، فيه أذى للمؤمنين دون دليل أو برهان، كأن يقال "الأمريكان أولياء أمورهم"، أو "عملاء فرنسا"، أو أنهم "بوطيون" أو "حسونيون"، أو "عن أي شرع تتكلموا عن شرع إبليس وأين دليلكم؟ ".
واتهام هذه الهيئات الشرعية أن عندها أجندة سياسية، أو ربطها بشخصيات علمانية، أو أنَّ هدفها تقويض دولة الإسلام، وهذا كلّه افتراءً عليها دون وجه حق.
وقد حمل البيان ثلاث رسائل لثلاث فئات، وقفت هذه التعليقات عند الرسالة الأولى، ولم تقرأ الرسالتين الأخريتين، فوقعت في سوء الفهم وسوء الظن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3- { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36].
فبعض هذه التعليقات خاضت فيما لا تعلم، وتكلمت فيما لا تدري، وتخرّصت في أهداف البيان ومغازي توقيته، وأحسن أحوالهم أنهم سمعوا كلاماً فكرَّروه، و "بئس مطية الرجل زعموا".
4- (الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) أخرجه الترمذي، وابن ماجه.
فلا ينبغي أن يجعل بين الحكمة والانتفاع بها معاذير فيُحرم منها. فترديد البعض لعبارات مثل "الخنادق والفنادق"، أو "سلم منكم الأمريكان وحزب الله وإيران" وأمثالها، ليس فيها إلا الصد عن تأمل البيان والانتفاع به.
هذا على فرض صحة هذه العبارات، فكيف وهي ليست مسلّمة، بل هي من البهتان، فالروابط والهيئات المذكورة خادمة للثورة ويعلم هذا كلُّ منصِف، وقد صدر عنها بيانات ومواثيق ومواقف في كلِّ ما ذُكر لمن تتبّع وحرص عليه.
وأخيرًا:
لنحذر جميعا من مغبة الغلو في الحب، فإنِّ حبك الشيء يعمي ويصم عن قبول النصح أحيانًا، وهذا يعود على الحب بنقيضِ مقصوده.
اللهم اجعلنا ممن {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.
ولا تجعلنا ممن { إذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}.
{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
والحمد لله رب العالمين.