مراقبة النفس والتحرر من حظوظها أمر صعب لا يستطيعه إلا القليل، والأعمال المباركة التي تؤتي ثمارها تكون مبنية على إخلاص النية وصدق التوجه، وكلما كانت الأهداف صافية كانت القرارات صائبة فكانت النتائج باهرة نافعة.
ولكن مما لا يتنبّه له الكثيرون ممن يمارسون العمل الخيري أو التطوعي في جميع مجالاته، أن مرضاً قد يكون تسلل إلى نفوسهم وهم لا يشعرون، وأن نفوسهم وطريقة تفكيرهم قد تتغير، فتعتاد تقدير الناس وحفاوتهم بهم لأنهم داعمون مؤازرون لهم، أو مجاهدون مقاتلون، أو يقدمون لهم نوعاً من أنواع المساعدة.
عمل الخير قد يكون فتنة إن كنا نقوم به لتقدير الناس لنا، فتنة إن تمسكنا بالمناصب لأنها تُشعرنا بنوع من الرضا وتقدير الذات، فتنة إن كان هذا العمل ظاهره لله وحقيقته لإشباع حاجات النفس التي دخلها العجب وحب الذات. وعياذاً بالله قد يكون سبباً لأن يكون المرء أولَّ من تسعر به النار يوم القيامة وهو لا يدري!
والمشكلة تكمن في صعوبة أن يشعر المرء بزلاّت نفسه أو يعترف بها ويكشف الغطاء عنها، ثم يسعى إلى تقويم أمرِها.
فالكثير لا يستطيع أن ينظر إليها من خارج إطارها ويتجاوز حدودها ويحلّق أعلى من شهواتها ويبدأ بمراقبتها كيف تتصرف وكيف تفكر ولِمَ تفعل كذا وكذا ؟
نعم هو تحليق وارتقاء أن تنعتق من نفسك وتتحرر من حواجزها، تحليق وارتقاء أن تراقب نفسك بعين حيادية منصفة حرة كأنك تراقب شخصاً آخر، تحليق وارتقاء أن تحاسب نفسك على خطواتها كما لو كنت تحاسب غيرك.
قال ابن القيم: يصعد ماء البحر المالح إلى السماء بخارا فيكون غماما ثم يعود إلى الأرض غيثا عذبا نقيا اصعد بقلبك إلى السماء وانظر كيف يعود.
هذه دعوة لأن نتحرر من قيود النفس ونفتح صفحات أيامنا بعينِ قارئٍ ناقد، ونقوّم أعمالنا لتكون أنفسُنا نفوسَ الأبرار، وتكون أعمالنا مباركة، وفي هذا بركة وتوفيق لخيري الدنيا والآخرة.
أنت وأنا إنسان سخر الله لنا ما في الأرض والسماء، فلنكن أعلى من جسد ونفس سُخِّرت لخدمة أرواحنا في طور من أطوار حياتنا.