اكتمال الاستعدادات الغربية للتدخل العسكري
أشار تقرير أمني أمريكي أن الإدارة الأمريكية تعتقد أن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية تحرك كتائب عسكرية غير منضبطة (من النظام أو من المعارضة) لبسط سيطرتها على مخازن الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، ولذلك فإن الاستخبارات الأمريكية قد وضعت خططاً مفصلة للسيطرة على مخازن هذه الأسلحة وتتضمن إدخال نحو خمسة آلاف مقاتل من فرق التدخل السريع لبسط السيطرة على نحو ست مواقع رئيسة لتخزين هذه الأسلحة وتطويرها، ومن ثم إدخال قوة أخرى لتأمين نحو 34 موقعاً آخر أقل حساسية وخطورة من المواقع الأولى.
وكانت مصادر عسكرية أمريكية قد أكدت أن قافلة عسكرية محملة بالأسلحة الكيميائية مع مجموعة من المدافع والقذائف التي يمكن أن تحمل رؤوساً تتضمن غاز الأعصاب "سارين" قد غادرت العاصمة السورية يوم الثلاثاء (4 ديسمبر 2012) متجهة نحو حلب، وتؤكد المصادر أن بشار يراهن على عدم قدرة الطيران الحربي الغربي على القيام بأي طلعة جوية في ظل الأحوال الجوية السيئة في غضون الأيام القليلة الماضية، ومما يثير قلق الدول الغربية هو أن صواريخ باتريوت ليست معدة لاعتراض صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية أو بيولوجية يمكن أن تطلق على المناطق الحدودية مع تركيا.
وأكدت المصادر يوم الأربعاء (5 ديسمبر) أن جيش النظام قد قام بتحضير مجموعة من القذائف التي تحمل رؤوسها غاز الأعصاب "سارين"، لكن بشار لم يصدر الأوامر بإطلاقها بعد، مما دفع بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون لتحذير بشار بأن أي استخدام لهذه الأسلحة ضد الثوار سيعتبر تجاوزاً للخط الأحمر.
وعلى إثر ذلك؛ أكدت مصادر مقربة من وزارة الدفاع الفرنسية يوم الجمعة (7 ديسمبر) استكمال الاستعدادات لعملية عسكرية في سوريا تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وتشاركها فرنسا وبريطانيا وتركيا بالإضافة إلى بعض الدول العربية، وكانت حاملة الطائرات الفرنسية "شارل دي غول" قد انضمت إلى الأسطول الحربي الأمريكي بقيادة حاملة الطائرات الأمريكية "آيزنهاور" ومعها نحو خمس سفن حربية بريطانية على متنها عدد كبير من رجال البحرية.
وكانت حاملة الطائرات الأمريكية "آيزنهاور" قد عبرت قناة السويس يوم السبت 1 ديسمبر متجهة نحو السواحل السورية وعلى متنها ثمان أسراب طائرات ونحو 8000 من مقاتلي سلاح الجو ومشاة البحرية، وقد انضمت "آيزنهاور" يوم الثلاثاء الماضي إلى حاملة الطائرات "أيو جيما" التي تحمل 2500 من مشاة البحرية الأمريكية، وبذلك يبلغ عدد المقاتلين الأمريكيين قبالة السواحل السورية نحو 10.000 مقاتل، و70 طائرة مقاتلة، و17 سفينة حربية تتضمن حاملة صواريخ و10 مدمرات وفرقاطة واحدة، وأربع سفن تحمل منظومات مضادة للصواريخ.
وعلى الرغم من عدم وضوح المهمة وطبيعتها، إلا أنه بات من الواضح أن الجاهزية الأمريكية لعملية عسكرية شاملة قد اكتملت إلا أن الأحوال الجوية لا تساعد على أي عملية جوية في الوقت الحالي.
ويأتي هذا الحشد العسكري الغربي بعد تدريبات مشاركة قامت بها وحدات مقاتلة من البحرية الفرنسية والبريطانية بالإضافة إلى نحو 2600 مقاتل من القوات الخاصة لاقتحام تحصينات على سواحل ألبانيا، ويتردد في الأروقة العسكرية الغربية أن الهدف من ذلك هو تأمين الساحل السوري وجبل الأنصارية المحاذي له من أية أعمال عنف قد تندلع إثر انهيار حكم بشار في دمشق لتشابه الطبيعة الجغرافية للسواحل في كلا البلدين.
وأكدت مصادر عسكرية فرنسية لمجلة "لي بوينت" أن العملية العسكرية المرتقبة لحلف شمال الأطلسي في سوريا ستسير على شاكلة الحملة في ليبيا عام 2011، حيث تتضمن غارات جوية تشكل غطاء لدخول القوات الخاصة التي ستقوم بإحكام السيطرة على مخازن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، كما يتوقع أن يستهدف القصف الجوي سلاح الجو وأنظمة الدفاع الجوي لنظام بشار.
وورد في تقرير "أتلانتيك" أن الموساد قد طلب الإذن من الأردن بشن ضربات محدودة عبر أراضيه ضد مواقع يعتقد أنها تتضمن مخازن أسلحة بيولوجية في المناطق الحدودية بين سوريا والأردن، إلا أن عمّان قد رفضت ذلك الطلب مرتين.
وعلى الرغم من أن الطيران الإسرائيلي يستطيع القيام بتلك المهمة من الجو إلا أن الأهداف التي تم تحديدها ملاصقة للحدود مع الأردن ولا يمكن التنبؤ بحجم ردة الفعل السورية وأثرها في الوقت الحالي، وأكد المصدر أن طائرات التجسس اليهودية تراقب مخازن الأسلحة البيولوجية والكيميائية جنوب البلاد، حيث رصدت حركة غير طبيعية في غضون الأيام القليلة الماضية.
أما في تركيا فتشير المصادر العسكرية التركية إلى أن حلف شمال الأطلسي يعتزم نشر ثلاث منظومات صاروخية؛ الأولى صواريخ "باتريوت" قصيرة المدى من طراز (SRP) والتي ستنصب في عشر نقاط على الشريط الحدودي مع سوريا، والثانية متوسط المدى من طراز (THAD)، والثالثة من منظومة (AEGIS) المضادة للصواريخ بعيدة المدى، وكلا المنظومتان على متن حاملة الطائرات "آيزنهاور".
أما في الدول العربية؛ فقد امتنعت الجهات الرسمية عن الإدلاء بأي تصريحات حول أي عملية عسكرية مرتقبة لعدم رغبتها في إثارة الذعر، وتأتي تلك التطورات في ظل قيام فريق الأمم المتحدة لتنسيق العمليات الإنسانية بسحب جميع عناصره غير الأساسيين نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية، إضافة إلى مغادرة عدد من البعثات الدبلوماسية، واستكمال التجهيزات الروسية لسحب مواطنيها في حال اندلاع أي مواجهات محلية يمكن أن يكون لها امتدادت إقليمية.
القلق الغربي من اختلال الموازين وتنامي إمكانات الجيش الحر
سادت في الأروقة الغربية حالة من القلق لدى تردد الأنباء عن مغادرة الناطق باسم الخارجية السورية جهاد مقدسي خوفاً على حياته، ومن ثم ورود أنباء عن اختفاء بشار أسد عن أعين قادته ومعاونيه، وتزامنت تلك الأنباء مع تتابع التقارير التي تفيد برصد حركة غير عادية في مخازن الأسلحة الكيمائية والبيولوجية المنتشرة في أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من التطمينات الروسية بعدم وجود نية لدى النظام السوري في استخدام هذه الأسلحة، وتأكيداتها بأن بعض فرقة النخبة قد قامت بعمليات سرية لإعادة تخزين هذه الأسلحة في مواقع أكثر أمناً، بحيث تكون بعيدة عن مدى القصف الجوي الذي تشنه مقاتلات النظام؛ إلا أن هذه التطمينات لم تفلح في تهدئة المخاوف الغربية من مخاطر تسرب هذه الأسلحة.
وتفيد دراسة غربية أن الإدارة الأمريكية لا تخشى من قيام بشار باستخدام هذه الأسلحة ضد معارضيه بقدر خشيتها من إمكانية تسرب الأسلحة الكيميائية والبيولوجية إلى أيدي جماعات مسلحة غير منضبطة.
وتتولى حماية مواقع هذه الأسلحة في الوقت الحالي فرقة خاصة لا تتبع للقيادة العسكرية أو الأمنية؛ بل تخضع مباشرة للقصر الجمهوري وتتلقى تعليماتها منه، ولذلك فإن اختفاء بشار وتزايد صعوبة تتبعه في الفترة الماضية قد أثارت مخاوف الاستخبارات الغربية التي وردتها تقارير مؤكدة عن معاناة بشار من حالة اكتئاب شديدة نتيجة لخلاف عائلي أدى إلى سخط والدته ومغادرة أخته بعد مقتل زوجها، ومن ثم سقوط قذائف المورتر التي أطلقها الجيش الحر في نهاية شهر نوفمبر على القصر الجمهوري مما أصاب ساكنيه بذعر شديد، وزادت تلك الأحداث من شعور بشار بالعزلة إثر فقدانه مجموعة من كبار الضباط الأمنيين والعسكريين (الذين كانوا يقفون إلى جانبه منذ اندلاع الثورة) بين قتيل ومنشق عنه.
وفي ظل تذبذب مواقف موسكو الأخيرة وتناقض تصريحات زعمائها؛ فإن استعراض مصير من أعلن الروس تأييدهم ابتداء من نجيب الله، مروراً بصدام حسين، وانتهاء بالقذافي؛ لا بد وأن يصيب ذلك بشاراً بالخوف ويضاعف لديه مشاعر الاكتئاب.
وقد أشارت هذه التقارير إلى أن حالة الاكتئاب تزداد لدى بشار، ويمكن أن تدفعه هذه الظروف الصعبة إلى التصرف بحماقة إثر تيقنه بالهلاك.
وفي المقابل، نشر معهد "ستراتفور" تقريراً في 6 ديسمبر، تحدث فيه عن تخوف الدول الغربية من تنامي الإمكانات العسكرية لدى كتائب الجيش الحر، والتي أصبحت تمتلك مخزوناً يصعب التنبؤ بحجمه من القذائف الصاروخية ومضادات الطيران إثر الانهيار المفاجئ لقوات النظام أمام كتائب المعارضة، وسقوط العديد من القواعد الجوية بيد الجيش الحر، وتحدث التقرير عن تفوق كتائب الجيش الحر في أسلحة الدفاع الجوي إثر سيطرتهم على العديد من القواعد الجوية في شمال البلاد وجنوبها، وبالإضافة إلى إتقانهم استخدام رشاشات (12.7 mm DShK) و(14.5 mm KPV) المضادة للطيران؛ نجح الجيش الحر في إسقاط مجموعة من مقاتلات النظام بمدافع (23 mm ZU-23-2 autocannons).
ولا تخفي مصادر الاستخبارات الغربية قلقها من حجم الترسانة الصاروخية التي أصبحت بيد كتائب الجيش الحر، والتي تتضمن آلاف الصواريخ من منظومات "سام"، ابتداء من طراز (SA-7s) وحتى طراز (SA-24s) المطور والتي كانت مخزنة في القواعد الجوية التي سقطت بيد الجيش الحر، وبالأخص منها قاعدة الفوج (46) التي كانت تحتوي على مجموعة كبيرة من منظومات (SA-16)
ومنذ نهاية شهر نوفمبر بدأت تظهر أدلة دامغة على نجاح مقاتلي الجيش الحر في استخدام صواريخ (SA-7 MANPADS) المحمولة على الكتف، والتي استخدمت إحداها لإسقاط مروحية (MI8)، ومن ثم إسقاط نحو عشرين مقاتلة من طراز (MIG) خلال الأيام القليلة الماضية، وتبدي الأجهزة الغربية قلقها من عدم معرفة عدد الصواريخ التي سقطت بيد هذه الكتائب، وصعوبة تحديد مواقعها وإمكانية استعادتها في حال سقوط النظام.
ويبدو أن سيطرة بعض الكتائب المقاتلة على بعض القواعد التي يشتبه في احتوائها على أسلحة كيميائية قد أثارت حفيظة الاستخبارات العسكرية الغربية، خاصة وأن هذه الكتائب قد سيطرت بالفعل على قرية "السفيرة" في ريف حلب بعد معارك استمرت عدة أسابيع، وتكتسب هذه القرية أهميتها لقربها من معامل الدفاع ومنشآت البحوث العلمية العسكرية في منطقة "الواحة" القريبة من القرية، وقد نقل عن مراسل "فرانس برس" قوله إن المسلحين الذين بسطوا سيطرتهم على القرية هم من "جبهة النصرة" الذين بادروا إلى رفع اسم الجبهة على المباني الحكومية في القرية، مما يعني أن أكبر مستودع للأسلحة الكيمائية قد أصبح قريباً منهم وبأن سيطرتهم عليه أصبحت مسألة وقت.
أما في دمشق فقد بسط الجيش الحر سيطرته على مطاري "مرج السلطان" و"عقربا" في ريف دمشق، وأصبحت المنطقة الواقعة بين الجسر الثالث والسادس بيد الجيش الحر الذي سيطرت كتائبه على نحو 19 كتيبة في محيط مطار "عقربا"، وخاصة منها كتيبة الدفاع الجوي (35) التي تقع بالقرب من "حران العواميد"، حيث مكنتهم من التموضع في مواجهة كتيبة الدفاع الجوي التي تدعم مطار دمشق، ومباردتهم إلى إعلان مطار دمشق منطقة عسكرية بالتزامن مع تكرر انقطاع التيار الكهربائي عن العاصمة السورية يوم الجمعة 7 ديسمبر 2012.
وبناء على ما سبق من معطيات؛ فإنه يمكن تحديد ملامح المعركة القادمة في سوريا على النحو التالي:
المعلومات الرسمية من دمشق لا تزال شحيحة، لكن مصادر أمنية قد نقلت عن قائد عسكري "إسرائيلي" في الجولان المحتلة قوله: "الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لسوريا".