التقرير الاستراتيجي ( 1 ) سوريا: تطورات الميزان العسكري (1-15 ديسمبر 2011)
الكاتب : المكتب السياسي - هيئة الشام الإسلامية
الجمعة 16 ديسمبر 2011 م
عدد الزيارات : 21150

شهدت الجمهورية السورية والدول المحيطة بها تحركات عسكرية غير مسبوقة في غضون الأسابيع الثلاثة الماضية؛ من أبرزها وضع جميع القوات المسلحة المجاورة لسوريا في حالة تعبئة كاملة، إضافة إلى تواجد حاملات طائرات عسكرية تصحبها قطعات بحرية قتالية روسية وأمريكية في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، ويمكن تفصيل أهم تطورات الميزان العسكري في المنطقة فيما يأتي:

أولاً: مستجدات المشهد العسكري

1- التعبئة العامة وتحريك ألوية مدرعة باتجاه الحدود السورية

أكدت تقارير عسكرية أن الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر 2011 قد شهد تصعيداً عسكرياً غير مسبوق على صعيد الدول المحيطة بسوريا؛ حيث نشرت قيادة الجيش الإسرائيلي ألوية مدرعة على الحدود مع كل من لبنان وسوريا كأجراء احترازي.

وفي الفترة نفسها نشرت قيادة الجيش التركي ثلاثة ألوية مدرعة على الحدود مع سوريا، ووضعت قواتها الجوية والبحرية في حالة جهوزية كاملة.

كما وضعت القوات المسلحة اللبنانية والأردنية على أهبة الاستعداد، تحسباً لاندلاع مواجهات محتملة.

وفي الوقت ذاته هبطت في مطار المزة طائرة عسكرية إيرانية تحمل 150 خبيراً من الحرس الثوري، تم نقلهم إلى سهل البقاع بهدف تهيئة "حزب الله" لمواجهة محتملة.

وفي المقابل أكدت مصادر مطلعة وجود فرق صغيرة من المتطوعين الليبيين الذين أبدوا استعدادهم لتدريب عناصر من الجيش السوري الحر على حرب العصابات، وتشير مصادر مطلعة إلى قيام فرق خاصة بتدريب عناصر من الجيش الحر في دولتين مجاورتين لسوريا، في حين تسعى جماعات في دولة ثالثة مجاورة لتقديم الدعم اللوجستي في غضون الأسابيع القليلة القادمة.

2- نشاط سلاح البحرية الروسي

وصلت إلى ميناء طرطوس السوري حاملة الطائرات الروسية الوحيدة "أدميرال كوزنتسوف"، لتنضم إلى ثلاثة سفن قتالية مزودة بالصواريخ كانت قد رست في الميناء نفسه قبل نحو أسبوعين، وفي محاولة لردع تقدم قطعات البحرية الأمريكية باتجاه السواحل السورية؛ أعلنت موسكو أنها زودت سلاح البحرية السوري باثنين وسبعين صاروخ "ياخنوت" المضادة للسفن، وهي صواريخ متطورة يمكنها إصابة أهداف بحرية على مدى 300 كم، كما تم الإعلان عن قيام موسكو بتزويد دمشق بصواريخ مضادة للطائرات كإجراء احترازي لردع الدول الغربية عن محاولة فرض حظر جوي على نظام دمشق.

3- تحركات الأسطول السادس ونشر القوات الخاصة الأمريكية في شمال الأردن

أرسلت قيادة الأسطول السادس الأمريكي شرقي البحر الأبيض المتوسط حاملة الطائرات "جورج بوش" والتي تحمل 70 مطائرة مقاتلة، مصحوبة بقطعات مقاتلة تتضمن ثلاث سفن مزودة بصواريخ "كروز"، وخمس سفن هجومية مزودة بالطوربيدات، وبمجرد وصوله؛ أبحر الأسطول الأمريكي قبالة الموانئ السورية، إلا أنه سرعان ما انسحب بصورة تكتيكية باتجاه قبرص لدى وصول حاملة الطائرات الروسية إلى ميناء طرطوس تجنباً لأي احتكاك بين القوتين.

أما على صعيد التحركات البرية فإن القوات البرية القوات الأمريكية تقوم منذ 8 ديسمبر بنقل عدد غير معلوم من أفراد القوات الخاصة من قاعدة "عين الأسد" الجوية في محافظة الأنبار إلى مواقع متقدمة في شمال الأردن، وقد تم الاتفاق بين نوري المالكي وأوباما على تسهيل إتمام عملية نقل الجنود الأمريكيين إلى الأردن أثناء اللقاء الذي عقد بينهما في 12 ديسمبر.

وتتمركز هذه القوات حالياً في قاعدة الملك حسين الجوية بالقرب من المفرق، على بعد عشرة كيلومترات عن الحدود السورية، كما انتشرت فرق منها في مواقع متقدمة مقابل القوات السورية المرابطة في محافظة حوران، ويفيد شهود عيان أن هذه القوات قد شرعت في تشييد أبراج استطلاع وقواعد متقدمة في قرى: "البايج" و"زبيدة" و"النهدان" على ضفاف نهر اليرموك.

4- المناورات العسكرية السورية

قامت قيادة فيلق الصواريخ السورية في الثالث من شهر ديسمبر الجاري بمناورات عسكرية بالقرب من مدينة تدمر شرقي البلاد، تضمنت إطلاق صواريخ حية للتأكيد على أن قدراتها الصواريخة لم تتأثر بالأحداث، ولتحذير الأتراك والدول الغربية بأنها قادرة على الرد في حالة تعرضها لعمل عسكري.

وشملت المناورات السورية تدريبات على إطلاق مدافع من مختلف العيارات، ونقل منصات إطلاق الصواريخ، وتنسيق تحركات القوات البرية والدفاع الجوي، وإطلاق صواريخ أرض-أرض على مدى يتراوح ما بين : 150 و200 كم.

وفي مواجهة تحركات القوات الخاصة الأمريكية؛ بادرت قيادة الجيش السوري في 10 ديسمبر بإرسال ألوية مدرعة لشن حملة ضد الجيش الحر بالقرب من بصر الحرير، حيث خاضت قوات الجيش السوري أشرس مواجهة لها مع الجيش الحر منذ تأسيسه، ويعتقد أن الهدف من هذه العملية هو منع قيام أي اتصال بين الجنود المنشقين وبين القوات الأمريكية المرابطة في الأردن بالقرب من الحدود السورية.

5- الجيش السوري الحر

بعد مرور أربعة أشهر على تأسيسه أعلن الجيش السوري عن تشكيل 22 كتيبة منتشرة في مختلف المحافظات السورية، وأكبرها: "كتيبة خالد بن الوليد" بحمص، كما تنشط "كتيبة عبيدة بن الجراح" و"كتيبة معاوية بن ابي سفيان" في منطقة دمشق، وتستمد هذه الكتائب قوتها من تعاطف السكان المحليين معها في حوران وحماة وحمص وإدلب ودير الزور، إضافة إلى تأييد قبائل لها شمال غربي البلاد.

ويضم الجيش الحر أفراداً من مختلف الرتب التي تتراوح ما بين مجند إلى عميد من مختلف الوحدات والتنظيمات القتالية كالحرس الجمهوري والأمن العسكري.

وقد شهد شهر ديسمبر ثلاث تطورات رئيسة تتمثل في:

1- تردد الحديث عن انشقاق وحدات من الجيش السوري بأكملها.

2- نجاح الجيش الحر في تشكيل كتائب جديدة كان أبرزها في إدلب.

3- تكبد القوات الموالية للنظام خسائر كبيرة في الأوراح، حيث كان شهر ديسمبر الجاري الأكثر دموية على صعيد المواجهات بين القوتين.

وعلى العصيد نفسه تؤكد المصادر أن زيادة وتيرة الانشقاق في صفوف الجيش السوري قد نتج عنها شلل شبه كامل لدى بعض ألوية النظام بسبب انهيار تشكيلاتها، مما اضطر النظام إلى سحبها من ساحة القتال واستبدالها بألوية أخرى موالية.

إلا إنه لا بد من التأكيد على محدودية الصلة بين قيادة الجيش الحر في جنوب تركيا مع معظم الكتائب بسبب ضعف وسائل الاتصال والخشية من تعرضها للاختراق من قبل الاستخبارات السورية النشطة في القطاع الشمالي، وتستمد هذه الكتائب من قيادة الجيش الحر سياساتها وتوجيهاتها العامة.

ثانياً: تقييم الموقف العسكري

نشر معهد ستراتفور للدراسات الأمنية في 2 ديسمبر دراسة هامة تعرضت لتقييم سيناريوهات التدخل العسكري في سوريا، وهي على النحو الآتي:

1- توفير ملاذ آمنللجنود المنشقين والناشطين السياسيين والمدنيين اللاجئين في مناطق حدودية تابعة لدول الجوار، بحيث يقيم فيها اللاجئون ويحصل منسوبو الجيش الحر على التدريب والتأهيل، ويتخذون من هذه الملاذات الآمنة قاعدة لدخول البلاد وضرب أهداف فيها.

2- شن عمليات نوعيةتشرف عليها قوات خاصة من الدول المجاورة، وتقوم هذه القوات بتدريب مجموعات من المتطوعين ومن عناصر الجيش الحر، كما تزودهم بالمعلومات الأمنية والخطط الإستراتيجية، والدعم اللوجستي، فضلاً عن تقديم تسهيلات ميدانية تتيح للمقاتلين المتمردين توجيه ضربات موجعة ضد النظام.

3- إنشاء منطقة عازلة من خلال فرض سيطرة مباشرة على مناطق حدودية سورية، لتكون قاعدة ارتكاز للعمليات العسكرية ضد النظام، وعلى الرغم من إلحاح فصائل من المعارضة على تحقيق هذا المطلب؛ إلا أن تركيا والدول الغربية لا تزال مترددة، بسبب خشيتها من استفزاز الإيرانيين أو الروس لردود أفعال غير مستعدة لها.

4- فرض منطقة حظر الطيران في الأجواء السورية، بهدف منع النظام من استهداف المنشقين والمدنيين، ويتطلب هذا الخيار قصف مواقع تابعة للدفاع الجوي وسلاح الطيران السوريين، وهو بمثابة إعلان حرب على النظام الذي سيضغط على حلفائه لشن ضربات وقائية تخفف الضغط عنه. ويرى عسكريون غربيون أن تكاليف هذه العملية ستكون باهظة ولن تأتي بمردود يذكر لأن سلاح الجو السوري ضعيف للغاية ولا يستخدم في المواجهات إلا نادراً.

واستنتجت الدراسة أن فرص التدخل العسكري الغربي لا تزال ضعيفة للغاية، وليست هناك أي مؤشرات على نية تركيا أو الغرب تطبيق أي من السيناريوهات الأربع في الوقت الحالي، بل يسود الاعتقاد لدى القادة العسكريين أن جميع صيغ التدخل المحدود ستؤدي إلى إضعاف النظام لكنها لن تنجح في إسقاطه إلا من خلال عملية عسكرية شاملة على غرار ما وقع في العراق عام 2003، وهو أمر مستبعد بالكامل.

وعلى الصعيد نفسه؛ أكدت مجلة "فورين أفيرز" في عددها الصادر في مطلع ديسمبر أن قيادة حلف شمال الأطلسي قد حسمت أمرها في عدم القيام بأي عمل عسكري ضد سوريا في الوقت الحالي، ونقلت المجلة عن مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في الناتو قوله: "إن التدخل العسكري في سوريا يتطلب ثلاثة شروط: حاجة ملحة، ودعم إقليمي، وشرعية دولية توفر الغطاء القانوني"، مضيفاً أن هذه الشروط غير متحققة في سوريا وسيكون من الصعب تحققها في ظل الفيتو الروسي والصيني من جهة، وتأكيد الأطراف العربية والإقليمية رغبتها في عدم تدويل الأزمة السورية من جهة أخرى.

وفي تقرير أمني نشر في 15 ديسمبر أكد الخبير الإستراتيجي "سكوت ستيوارت"، أن التركيبة الجغرافية لسوريا تختلف عن ليبيا، وسيكون من غير الممكن تأسيس قاعدة ارتكاز للمنشقين السوريين كما حصل في بنغازي.

ورأى ستيوارت أن فكرة الحظر الجوي غير ممكنة في سوريا نظراً لامتلاك الجيش السوري دفاعات جوية أقوى من تلك التي كانت متوفرة لدى القذافي، فقد أنفق النظام السوري 246 مليون دولار لتطوير دفاعاته الجوية في العامين 2009 و2010، ويمتلك النظام منظومات صاروخية متطورة تدفع الدول الغربية إلى التردد في اللجوء إلى خيار التدخل العسكري خاصة وأنه لا تتوفر في سوريا ثروات طبيعية تمكن النظام البديل من تسديد فاتورة التدخل الغربي، كما أن الدول الحليفة في المنطقة (السعودية، تركيا، الأردن) لا تبدي رغبة في القيام بعمل عسكري ضد دمشق.

ويؤكد الباحث أنه على الرغم من تسارع وتيرة التحركات العسكرية على كافة الأصعدة في المنطقة؛ إلا أن المؤشرات المتثملة في: قلة عدد الطائرات المقاتلة، والتحركات المحدودة للقطعات البحرية، وعدم توفر المعدات العسكرية المتطورة، إضافة إلى غياب الدعم المتطور لفرق الجيش الحر، تؤكد في مجملها بأنه لا توجد نوايا جادة لدى الغرب في شن حملة عسكرية ضد النظام.

أ.هـ


https://islamicsham.org