حكمُ تسجيلِ أقاربه على اسمِه في الأوراق الرسمية ليحافظ عليهم مِن الضَّياع
الكاتب : المكتب العلمي ـ هيئة الشام الإسلامية
الثلاثاء 2 أغسطس 2022 م
عدد الزيارات : 29642

حكمُ تسجيلِ أقاربه على اسمِه في الأوراق الرسمية ليحافظ عليهم مِن الضَّياع

السؤال:

نحن سوريون نقيمُ في إحدى دول أوروبا، وتوفيت أختي هناك ولديها أطفالٌ صغار، وحسب نظام الدولة هناك فإنَّ الأطفال سيكونون تحت رعاية الحكومة، وهي التي تقوم عليهم، ولكن يحقُّ لي في النظام أخذُهم والقيامُ عليهم وتربيتُهم بشرط أنْ أقوم بتسجيلِهم على اسمي، فهل يجوز لي فعلُ هذا أو يُعَدُّ مِن التبنّي المحرم، وهل نترك الأطفالَ يضيعون بين أُسَرٍ نصرانية؟!

الجواب:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.

تسجيلُ الإنسانِ طفلًا مِن غير صُلبه على اسمِه في الأوراق الرسمية له صورتان:

 

الأولى: أنْ يكون ذلك مع نِسبتِه لنفسِه بين الناس وإلحاقِه بأولاده في النَّسب.

فهذا هو "التبني" الذي حرَّمه الإسلام؛ لما فيه مِن الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض، فالنَّسبُ يتبعه كثيرٌ مِن الأحكام، كالرَّضاع، والحضانة، والوِلاية، والنفقة، والميراث.

والتلاعبُ فيه: تغييرٌ وتلاعبٌ بهذه الأحكام، ويترتب عليه حرمانٌ للمستحقِّ مِن الميراث وإعطاءٌ لغيره، وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنِّكاح، إلى غير هذا مِن انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة.

ولهذا أبطل اللهُ عز وجلّ هذا التبني بعد أنْ كان شائعًا في الجاهلية، فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}.

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ: فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) متفق عليه.

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ) رواه البخاري.

 

الثانية: أن يكون ذلك في الورقِ فقط، دون ادِّعاء نسبِه في الواقعِ وبين الناس.

وهذه الصورة ممنوعةٌ كالسابقة، سدًّا لذريعةِ ضياعِ الحقوقِ والأنسابِ مع مرورِ الزمن، لا سيما أنّ التّعاملَ بين الناس وفي الجهات الرسمية في سائر الدول لإثباتِ الحقوق وغيرها إنما يكون بهذه الأوراق الرسمية.

لكن إذا وُجدت الضرورةُ أو الحاجةُ المعتبرة، مثلُ: أنْ يترتّبَ على عدمِ التسجيل ضياعُ الأطفال وفسادُهم مِن ناحية الدِّين والخُلُق كما في صورة السؤال، أو تعطّلُ مصالحهم الدُّنيوية: فحينئذٍ يُرخَّص في هذا التسجيل على الورق، شريطةَ الحفاظ على نسبِهم الحقيقي، وإعلامِهم بحقيقة نسبِهم، وإشهارِ ذلك بين الناس، والإشهاد عليه، وتسجيلِه بطرقٍ قانونية عند المحامين ونحوهم ما أمكن، والعملِ على إصلاح ما في الأوراق الرسمية متى أمكن ذلك مستقبَلًا بعد زوالِ الحاجة الداعية إلى تسجيلِهم.

 

ونشكر لك حرصك على مصلحةِ بنات أختك الدينية والخُلقية.

واعلم أنَّ القيامَ على الطفلِ اليتيم ورعايتَه وتربيتَه والنفقةَ عليه، مِن أفضل الأعمال؛ لما يترتب عليه مِن الأجر العظيم والثواب الكبير، ولما فيه مِن الرحمة والإحسان والرعاية للأطفال.

قال رسول اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا)، وأشار بالسَّبَّابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئًا، رواه البخاري مِن حديث سهل الساعدي رضي الله عنه.

 

وننصحك أنْ تقوم زوجتُك بإرضاعِ مَن كان منهم صغيرًا دون السنتين؛ ليصير ابنًا لكم في الرَّضاعة فيتسنّى لهم العيشُ معكم دون حرج ومشقة.

والله أعلم.

 


https://islamicsham.org