معرفة الله وعبوديته وحاجة العبد لهما
الكاتب : د. علي الكيلاني
الأربعاء 15 أغسطس 2012 م
عدد الزيارات : 33928

إن أهم ما يسعى العبد لتحقيقه وأسمى وأنبل ما يقضي فيه وقته وحياته هو معرفة الله  بأسمائه وصفاته، حفظُها وفهمها  والتعبد لله بها  وامتلاء  القلب منها فهي  أهم المطالب وأعلى المراتب ، فالإيمان بالأسماء والصفات ومعرفتها أساس الإسلام ، وقاعدة الإيمان ، وثمرة شجرة الإحسان، وبحسب معرفة العبد بربه ، يكون إيمانه ، فكلما ازداد معرفة بربه ، ازداد إيمانه ،وكلما نقص نقص، وهي  التي شمر لها  السابقون وأجهد أنفسهم  لحصول لذتها والوقوف على حقيقتها المجدّون، قد امتلأت قلوبهم من معرفة الله ، وغمرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته ، فسرَت المحبة في أجزائهم فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحبّ ، قد أنساهم حبّه ذكر غيره ، وأوحشهم أنسهم به ممن سواه ، فشغلهم حبه عن حبّ من سواه ، وبذكره عن ذكر من سواه ، وبخوفه ورجائه والرغبة إليه والرهبة منه ، والتوكل عليه والإنابة إليه ، والسكون إليه والتذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره ، فإذا وضع أحدهم جنبه على مضجعه صعدت أنفاسه إلى إلهه ومولاه ، واجتمع همّه عليه متذكراً صفاته العلى وأسمائه الحسنى ، مشاهداً له في أسمائه وصفاته ، قد تجلت على قلبه أنوارها فانصبغ قلبه بمعرفته ومحبته ، فبات جسمه في فراشه يتجافى عن مضجعه ، وقلبه قد أوى إلى مولاه وحبيبه فآواه إليه ، وأسجده بين يديه خاضعاً ذليلاً منكسراً من كل جهة من جهاته .

فيا لها سجدة ما أشرفها من سجدة ، لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء ، قيل لبعض العارفين : أيسجد القلب بين يدي ربه ؟ قال : إي والله ، بسجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة
      وليعلم العبد أن لكل اسم من أسماء الله وكل صفة من صفات الله عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا ، وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل مالا يرضى الله وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنا ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء وتثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه، وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعا من العبودية الظاهرة هي موجباتها وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات.
    كما وأن حاجة العبد للعبودية ومعرفة الله وإجلاله وتوقيره وتوحيده وأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في محبته ، ولا في خوفه ، ولا في رجائه ، ولا في التوكل عليه ، ولا في العمل له ، ولا في الحلف به ، ولا في النذر له ، ولا في الخضوع له ، ولا في التذلل والتعظيم ، والسجود والتقرب ، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه ، والعين إلى نورها ، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به ؛ فإن حقيقة القلب روحه وقلبه ، ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره. وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته ، ولا بد لها من لقائه ، ولا صلاح لها إلا بلقائه .ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ، ورضاه وإكرامه لها وفقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً ، ليس له نظير فيقاس به ، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب ، وبينهما فروق كثيرة . ولو حصل للعبد لذّات أو سرور بغير الله فلا يدوم ذلك ، بل ينتقل من نوع إلى نوع ، ومن شخص إلى شخص ، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ به غير منعم له ولا ملتذ به ، بل قد يؤذيه اتصاله به  ويضره ذلك .وأما إلهه فلا بد له منه في كل حال وكل وقت ، وأينما كان فهو معه .
فلنرجع إلى الله ولنعرفه أكثر وأكثر ولنعبده بأسمائه  ولنعلق قلوبنا به، ولنتوكل عليه دون سواه في كل الأمور وفي تحقيق النصر فهو الواحد القهار والقوي العزيز الغفار وهو نعم المولى ونعم النصير


https://islamicsham.org