كيف نتعامل مع وباء (كورونا)؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه وقفات حول وباء كورونا (كوفيد-19)، دعاني إليها كثرة ما يشاع ويتحدّث به الناس حول هذا المرض وكيفية التعامل معه.
-
فبعضهم جعله مؤامرة، فتارة يجعلون المتسبب به أمريكا لتدمّر اقتصاد الصين، وتارة يقولون: تسببت به الصين لتستأثر بالشركات الأجنبية، إلى غير ذلك من الفرضيات.
-
والبعض يهوّل من شأنه ويبثّ الرعب والقنوط في النفوس، وأساس هذا التهويل قادم إلينا من جهة الكفّار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشرّه.
-
والبعض يهوّن من شأنه لدرجة الاستهتار، فيقول هو مثل الانفلونزا العادية، ويغفل عن بعض أنواع الانفلونزا التي أهلكت 50 مليون إنسان في القرن الماضي، أو يقول: العلاج فقط في التوبة أو في صلاة الفجر في جماعة ويغفل عن الأسباب التي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم بها.
وهذا كله -بلا شكّ- يؤدي إلى الوقوع في المخالفات الشرعية من جهة الاعتقاد والعمل، وقد يؤدّي إلى التسبّب في الوقوع في المرض أو نشره بين الناس.
وسوف أختصر الحديث حول هذا الموضوع في سبع وقفات:
الوقفة الأولى: لا شك أنّ هذا المرض إنّما نزل بقدر الله، ولحكمة يعلمها سبحانه:
-
قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]
-
وقال –سبحانه- مبيّنًا أنّ البلاء لا ينزل إلا بسبب الفساد في الأرض وكثرة الذنوب: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
الوقفة الثانية: أنّه خطير، وخطورته تكمن في ثلاثة أمور:
-
في سرعة انتشاره، فقد بدأ في الصين وانتشر في معظم دول العالم خلال مدّة قصيرة، وأعداد المصابين به تتضاعف يوميًا بشكل كبير.
-
في نسبة الوفيات الناتجة عنه.
-
في عدم وجود علاج له حتى الآن؛ فالاعتماد في علاجه مقتصر على رفع مناعة الجسم لا غير.
الوقفة الثالثة: كيف نتعامل معه؟
-
إذا علمنا أنّ هذا الوباء أمر مقدّر:فالتعامل مع القدر معلوم في شرع الله: نرضى ونسلّم، وندفع، ودفع القدر يكون بالدعاء، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ)([1])، وفي رواية: (لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ)([2]).
-
وإذا علمنا أنّه نزل بالذنوب وانتشار الفساد:فعلينا أن نقلع عن الذنوب ونتوب ونستغفر، يقول الله جلّ شأنه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
-
وإذا علمنا أنّه خطير:فيجب علينا وجوبًا شرعيًا أن نأخذ بالأسباب المادية للوقاية منه، سواء بالاهتمام بالنظافة، أو بتجنّب المخالطة أو التخفيف منها، وغير ذلك.
وهذا كل مشروع، فقد كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ)([3]).
ووضع لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أساس العزل الصحي في حال تفشّي الأوبئة فقال: (الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ)([4]).
الوقفة الرابعة: فيما يتعلّق بالمسائل الشرعية المترتّبة على تجنّب المخالطة:
يترتب على تجنّب المخالطة أمور منها:
-
تجنّب المصافحة، وهذا ليس من الإخلال بأمر مشروع، ولا الإخلال بواجب الأخوّة، ولا الزهد في الأجر المترتّب عليها، وليس فيه حرج أو إحراج، بل هو من الأخذ بالأسباب.
-
العذر في ترك صلاة الجمعة والجماعة: فمن المعلوم في دين الله أنّ المرض عذر لترك الجمعة الجماعة، ومن الأدلة على ذلك قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ)([5]).
وكذا الخوف من المرض، قال المرداوي الحنبلي رحمه الله: "ويعذر في ترك الجمعة والجماعة: المريض بلا نزاع، ويعذر أيضًا في تركهما لخوف حدوث المرض"([6]).
ومن كان مريضًا وجب عليه اجتناب المسجد حتى يُشفى، ويُمنع إن لم يمتنع بنفسه، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "سبب المنع في نحو المجذوم: خشية ضرره، وحينئذ فيكون المنع واجبًا فيه"([7]).
وقد صدرت كثير من الفتاوى من الجهات الشرعية المعتبرة في أنحاء العالم تبيّن أنّ هذا الوباء عذرٌ لترك الجمعة والجماعة حتى يرفعه الله عنّا.
وإذا انتشر الوباء وعمّ في بلد وصدر أمرٌ من أولي الأمر بإغلاق جميع أماكن اجتماع الناس بما فيها المساجد؛ فيجب إغلاقها حتى يرتفع الوباء ويزول الخطر.
الوقفة الخامسة: العلاج:
-
لم يكتشف الأطبّاء علاجًا لهذا المرض حتى الآن، لكنّ علاجه موجود، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ)([8])، وفي رواية: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ)([9]).
-
من أصيب بهذا المرض فعليه أن يلجأ إلى الأدوية الممكنة والتي تتمثّل في:
-
التوكّل على الله، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]، ومعناه اعتماد القلب على الله وحده في حصول النفع أو دفع الضر.
-
الدعاء، وهو من أنفع الأدوية، قال الله جلّ جلاله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].
-
الرقية بالقرآن، وبخاصّة الفاتحة؛ فقد سمّاها النبي صلى الله عليه وسلم (رقية)([10])، والمعوذتان، وبما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأدعية.
-
الأدوية التي ترفع المناعة، وهذه يُسأل عنها أهل الاختصاص من الأطباء والصيادلة، لكن ورد في السنّة ذكر علاجين نافعين، وقد وجد العلماء بالبحث أن سرّ الشفاء فيهما يكمن في رفعهما لمناعة الجسم؛ مما يؤدي لمقاومة المرض، وهذان العلاجان هما:
-
الحبة السوداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا مِنَ السَّامِ)([11]).
-
القسط الهندي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِهَذَا العُودِ الهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ: يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ العُذْرَةِ، وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الجَنْبِ)([12]).
-
الصحة النفسية مرتبطة بالصحة الجسدية، وزيادةُ القلق بشأن الإصابة بالمرض تُضعِف المناعة وتسبّب الوَهَن، وتجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض أو غيره من الأمراض عند حصول أسبابها؛ لذا فمن المهمّ جدًا الابتعاد عمّا يثير القلق ويزيد المخاوف، كتتبع الأخبار والانشغال بها كل حين، وتلقي المعلومات من غير مصادرها الموثوقة.
أسأل الله أن يعجّل برفع هذا البلاء، وأن يقينا شرّه، وأن يرحمنا برحمته الواسعة، وأن يسبغ علينا العافية، إنه رؤوف رحيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
([1]) رواه ابن أبي شيبة (29867)، وأحمد (22413).
([2]) رواه الترمذي (2139).
([3]) رواه مسلم (126-2231).
([4]) رواه البخاري (3473).
([5]) رواه مسلم (256-654).
([6]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (2/300).
([7]) الفتاوى الفقهية الكبرى (1/212).
([9]) رواه أبو داوود (3874).
([10]) متفق عليه: البخاري (5736)، مسلم (65-2201).
([11]) متفق عليه: البخاري (5687)، مسلم (88-2215)، وفيه: (وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ).
([12]) متفق عليه: البخاري (5692)، مسلم (87-2214).
https://islamicsham.org