صلاة الجمعة و الجماعة في ظل القصف والحصار
الكاتب : المكتب العلمي ـ هيئة الشام الإسلامية
الخميس 9 أغسطس 2012 م
عدد الزيارات : 72087

السؤال:
كيف نؤدي صلاة الجمعة في ظل الحصار والقصف المتواصل الذي تعيشه كثير من المدن السورية؟ وهل لنا أن نقصر الصلاة، أو نجمع بين الصلاتين؟ وكيف يصلي المجاهدون في حال الاشتباك مع جيش النظام؟ وهل لهم تأخير الصلاة عن وقتها ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:
أولاً: ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعية أداء الجمعة والجماعة في المسجد، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة التي ينبغي الحرص عليها، وعدم التفريط فيها إلا لعذر:
ففي صلاة الجماعة ورد قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، ومعنى: "مع الراكعين" أي جماعة مع المصلين. وقوله -صلى الله عليه وسلم- للأعمى الذي جاء يستأذنه في ترك صلاة الجماعة: (هل تسمعُ النداء بالصَّلاةِ؟ قال: نعم. قال: فَأَجِبْ) رواه مسلم. وفي رواية عند أبي داود: (لا أَجدُ لكَ رُخصةً).
وفي صلاة الجمعة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَيَنتَهِينَّ أقوامٌ عن وَدْعهم الجمعات، أو لَيَختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونَنَّ من الغافلين) رواه مسلم. ومعنى الطبع والختم على القلب: حجب التوفيق والهداية عنه.
ثانيًا: تسقط الجمعة والجماعة في المسجد عمَّن كان له عذرٌ كالخوف على النفس أو المال أو العرض، ويجوز لهم أداؤها في المكان الذي يقيمون فيه من بيت أو ملجأ، ونحو ذلك.
كما تسقط الجمعة والجماعة في المسجد عن أهل المدن التي تتعرض للقصف، أو ينتشر فيها القناصة والجنود المتربصون بالمارَّة ليؤذوهم أو يعتقلوهم، أو يسري فيها حظر التجول، ويكون في خروجهم للصلاة مظنة ضرر محض، بل قد يكون في ذلك تعريض النفس للهلاك، فيصلي الناس في أماكنهم فراداً أو جماعات بحسب حالهم.
ويلزمهم في يوم الجمعة صلاة الظهر أربع ركعات إن لم يتمكنوا من أداء صلاة الجمعة.
فإن أمكنهم الخروج للصلاة على الرغم من القصف أو الحصار، أو كانوا يخرجون لأمور أخرى كالمظاهرات وغيرها: فإقامتها في المساجد أولى، وخاصة إذا تحققت منها مصالح أخرى: كتجمع الناس وتآزرهم، وتناقل أخبار المجاهدين، وغير ذلك من مصالح دعم الثورة.
ثالثًا: الأصل أن تُصلى كل صلاة في وقتها، فإن شق على المجاهدين والأطباء والممرضين والمرضى، ومن يعمل في عمليات الإغاثة ومساعدة المصابين ونحوهم، أداء كل صلاة في وقتها المحدد؛ لانشغالهم بالقتال أو مداواة الجرحى، أو المرابطة في الأحياء، فيُرخَّص لهم الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير، حسب الأيسر لهم.
ويدل على جواز الجمع بين الصلاتين بسبب الحرج والمشقة: ما رواه مسلم في صحيحه عن سعيد بن جبير عن  سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ _رضي الله عنهما_ قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ)، قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ). وفي لفظ: (أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ).
وقد نقل النووي في "شرح مسلم" أقوال أهل العلم في شرح الحديث، ثم قال: "ومنهم من قال هو محمولٌ على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة، ولأن المشقَّة فيه أشدُّ من المطر".
ومتى أمكن أداء الصلاة في وقتها دون حرج ومشقة، فلا يجوز جمعها مع غيرها، ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر، فإنه من كبائر الذنوب، فقد روى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أنه قال: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر).
رابعًا: إذا التحم المجاهدون مع أعدائهم وتداخلت الصفوف، واشتد الخوف، فيصلي كل إنسان على النحو الذي يستطيع، سواء كان راكباً، أو ماشياً، أو واقفاً، مستقبلاً القبلة، أو مائلاً عنها.
ويركع ويسجد بقدر استطاعته، فإن لم يمكنه فبالإيماء، أي: تحريك رأسه مشيراً إلى الركوع والسجود، ويجعل إيماء السجود أخفض من إيماءة الركوع.
ويُعفى عما يكون في أثناء الصلاة مما يحتاجه المجاهد أثناء القتال من الحركات الكثيرة أو الجري والمشي ونحو ذلك. ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239]، ومعنى: رِجَالاً: على أرجلكم، ورُكْبَاناً: على الخيل والإبل وسائر المركوبات.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا" رواه البخاري.
خامسًا: لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، ولو اشتدَّ الخوف، بل يصلي على حسب حاله إلى القبلة وإلى غيرها عند جمهور العلماء.
لكن إذا لم يستطع أداء الصلاة ولو بالإيماء، كأن يأتيه الرصاص من كل جانب، ولا يمكن أن يستقر قلبه ولا يدري ما يقول، ففي هذه الحال رخص بعض العلماء تأخير الصلاة عن وقتها إذا لم يتيسر جمعها مع ما بعدها.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".

قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا" ذكره البخاري في أول باب الصلاة عند مناهضة الحصون.
سادسًا: أما قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فلا يشرع ذلك إلا للمسافر، فمن كان مسافراً، فيُشرع له قصرُ الصلاة الرباعية، وأما غير المسافر فلا يُشرع له قصرُ الصلاة بأيٍّ حال من الأحوال.
نسأل الله تعالى أن يتقبل من المسلمين طاعاتهم وعباداتهم، وأن يكتب لهم النصر في هذا الشهر الفضيل، والحمد لله رب العالمين.
 


https://islamicsham.org