كتاب (تفكيك ثقافة الغلو) للدكتور عبد الكريم بكار
الكاتب : موقع (على بصيرة)
الثلاثاء 12 فبراير 2019 م
عدد الزيارات : 3675

 

كتاب (تفكيك ثقافة الغلو)

للدكتور عبد الكريم بكار

 

صدر كتاب (تفكيك ثقافة الغلو) عن مؤسسة رؤية في إسطنبول، وهو مؤلف من مقدمة وثلاثة عناوين رئيسية وخاتمة، وعدد صفحاته 130 صفحة من القطع المتوسط.

يذكرالمؤلف في هذا الكتاب أن بلدان الربيع العربي تواجه مشكلة كبيرة، وهي مشكلة الغلاة والخوارج، وهؤلاء -بعضهم بحسن ظن وحسن نية، وبعضهم بالعمالة-يضربون مشاريع التحرر الوطني، ويشوهون الفكر الإسلامي، ويشوهون سمعة الإسلام والمسلمين. وهناك أمل حقيقي في عودة بعضهم عمّا اتجه إليه.

لكن الهدف الأساس من تأليف الكتاب هو تحصين الحاضنة الشعبية من أن تنزلق هذا المنزلق الخطير، منزلق التكفير، والتخوين، والحكم على الناس بالردّة والعمالة، وغيرها من الأمور.

   تلخيص الكتاب:

ذكر فيها الكاتب أنه لم يخلُ أهل دين ولا ملة ولا نحلة ولا مذهب ولا تيار من أهل توسط واعتدال، وأهل غلو وتطرّف، وأن هذا يعود إلى نوعية علاقة الناس بالأديان والمذاهب التي ينتمون إليها. كما أن للغة -بوصفها وسيطًا معرفيًا غير كفء- الدور الأساس في الفهم المتعدد والمتناقض للنصوص والأقوال والأحداث التاريخية. وفي حين أن الإسلام دين اليسر والسماحة، ودين عزة وإباء ودفاع عن الحرمات.

في هذا القسم يشرح المؤلف ظاهرة الغلو، ويبيّن جذورها وامتداداتها في محاولة لفهمها، الموصل إلى علاجها.

فبدأ بتعريف الغلو، والألفاظ المعبّرة عنه ومن أهمها: التشدد والتنطّع. ثم بيّن نوعيه: الغلو العقدي، والغلو العملي، وتحدّث عن جذور الغلو التاريخية.

   نسبية الغلو:

بيّن الكاتب أن القول بنسبية الغلو والتطرف يعود إلى غموض مفهوم الغلو والاعتدال، وترك تفسيرهما إلى العرف الاجتماعي متنوع الدلالات. إنّ أبسط درجات الغلو ما يمكن تسميته بالغلو الناعم، الذي يبدأ به الإنسان الغالي بالشك في صحة دينه وما عليه مجتمعه وعلماء بلده، ثمّ يتطور به الأمر إلى بلورة مفاهيم خاصة، ثم يصبغها بصفة العصمة، ثم ينتقل إلى إدانة الأفكار والقيم المخالفة، ثم معاداتها، وهي أعلى درجات الغلو.

   البنية الفكرية للغلاة:

  1. الخلفية الاجتماعية: فالغلو وما يترتب عليه من سلوكيات عنيفة يعدّ ذيلًا من ذيول التخلّف الحضاري، وينطلق من مجتمعات تميل إلى البساطة والنمطية.
  2. الافتقار إلى النظرة الموضوعية: لأن المستوى الثقافي للغلاة متدنٍ، والخبرة في الحياة معدومة، لأن معظمهم أحداث أسنان؛ ولا يعتمدون إلا على أقوالهم.
  3. تقديس القوة، والإفراط في استخدام السلاح، والتفنّن في قتل الأسرى وجزّ الرؤوس.
  4. العجلة في إطلاق الأحكام: والحكم على الناس بالكفر والردة بسهولة.
  5. بيئة للظنون والأوهام: فالغلاة يسيؤون الظن بالمسلمين، ويعتقدون الاعتقادات الحسنة بالنقاء والطهر الشخصي بأنفسهم.
  6. النظرة المثالية الزائدة التي تبعد الإنسان عن الواقع.

   البنية النفسية لدى الغلاة:

ذكر الكاتب الصلة الوثيقة بين البنية الفكرية والمشاعر، وأن المشاعر تضغط على البنية الفكرية لكي تنتج الأفكار التي تشرح منطقية هذه المشاعر، ثم أورد ملاحظات حول البنية النفسية للغلاة كالانحراف الفكري والإحباط والشعور بالنقص وتقليد القاهر وضيق دائرة الانتماء والشعور بالحصار والشعور بالاستعلاء وتمجيد الذات، مع الاستخفاف بالآخرين.

   أولاً: الجهل بالشريعة، ومن دلائل هذا الجهل: ظاهرة نصف طالب علم، والجهل بمقاصد الشريعةوغياب النظرة الفقهية المقارنةوتقدّم مشاعر الغيرة على الوعي الفقهيوضرب قيمة التسامحووسوسة الطائفة المنصورة.

   ثانياً: القصور الفكري:

من ظواهر مشكلات الغلاة الفكرية:

  1. غياب الفكر الوسطي: والمتمثل في قيم الحوار، وتقبل الاختلاف، والتسامح، والتفهم للخصوصيات، والإيمان بالتغيير المتدرج، والإصلاح السلمي.
  2. التخلّف الحضاري: والمتمثل في التفكير الحدّي القاطع الذي يقسّم الناس إلى قسمين: معنا أو ضدنا.وتقديس القوة، وتضخم النظرة إلى الذات، والتفكير السطحي تجاه قضايا الأمة، والانغلاق، وضيق الأفق، والغرور، وضحالة المعرفة.
  3. الجهل بالواقع وسنن التغيير، فالخوارج ينظرون لتغيير المجتمعات وما يتطلبه ذلك من التدرج وتعدّد المراحل والانسجام مع أذواق الناس، وتنوع التعامل فيها؛ بعين الاستخفاف.
  4. المفاهيم المغلوطة، فإن فهم الأمور والمصطلحات الشرعية على غير وجهها هو البداية لتشكّل الفكر الخارجي والغالي عمومًا.
  5. تكفير مَن لم يحكم بما أنزل الله، فلا يفرّقون بين من يستحلّ الحكم بغير ما أنزل الله وبين من يفعلها اتباعًا لهوى، أو رضوخًا للضغوط، أو من باب الإهمال، أو لدرء مفسدة أعظم.
  6. الخلط في مفهوم الجماعة، فهم يخالفون أقوال العلماء كافّة في المراد بالجماعة، ويجعلون من أنفسهم جماعة المسلمين التي يجب الانحياز إليها وتحرم مفارقتها.
  7. تحويل البيعة الخاصة إلى بيعة عامة، فالغلاة يعمدون إلى شخص منهم فيبايعونه، ثم يحاولون إلزام جماهير المسلمين بما بايعوا عليه.
  8. الفهم المغلوط للولاء والبراء، فهم يكفّرون كثيرًا من حكّام المسلمين وعلمائهم وقادتهم، بل عامتهم بتهمة تولي الكفار وعدم التبرؤ منهم؛ فيجعلون المعاملة من باب الولاء والبراء وهي ليست كذلك، كما أن الموالاة مراتب: منها ما يخرج من الإسلام، ومنها ما لا يخرج منه.

   ثالثاً: التشوه الثقافي:

ومن مظاهر هذا التشوّه التعصب الإحباط الاجتماعي وثقافة النمط الواحد وتقديس الماضي والشوفينية الاجتماعية.

   رابعاً: التأزم النفسي:

من معالم هذا التأزّم: الشعور بالإهانة،والشعور بالعجز، وطلب التطهر، والبواعث الشخصية، وهي مجموعة من العوامل الخاصّة والدافعة إلى الغلو، ومجموعة من الحوافز المحرّضة على الإقدام على بعض الأعمال العنيفة والخالية من الإنسانية والأخلاق.

   خامساً: الأوضاع السياسية:

يشير الكاتب إلى بعض الأوضاع السياسية التي تؤدي إلى ظهور الغلو، ومنها: معاداة الدين، وتهميش المرجعيات، واستخدام القوة الباطشة في السجون والمعتقلات، والحشر في الزاوية الضيقة، وتحفيز الغرب للإرهاب.

إن الغلو في أصل نشأته هو ضلال في الفكر، يتبعه انحراف في المشاعر، ويترتب على هذا وذاك سلوكيات ومواقف وعلاقات خاطئة، وهذا يعني أن العلاج سينصبُّ في الأساس على إصلاح الفكر الذي يحمله الغلاة، وحين يرتكب أحدهم جريمة موصوفة فإنّ في القوانين والعقوبات المقررة والمقدّرة ما يساعد على ردع المجرمين، مع تأكيد أن العقوبات لا تنشئ مجتمعًا ولا جماعة، ولكنها تحميها ممن فاتتهم التنشئة الاجتماعية القويمة.

ومن أهم الأفكار والمبادئ في معالجة الغلو والتعامل معه:

   أولاً: التحذير من خطورة الغلو:وذلك من خلال بيان العديد من مخاطر الغلو، ومن أهمها:

  1. أن المشكلة مع الغلاة مشكلة عقيدة وانحراف، لا مشكلة مصلحة.
  2. أن الغلوّ يقدّم نوعًا من التحفيز الخفي لغلو مقابل؛ وهو الإرجاء والتساهل في الامتثال لأوامر الشرع.
  3. أن الغلو عامل قوي في تفريق كلمة المسلمين.

   ثانياً: الانتصار في معركة المفاهيم بتعرية التفكير الشموليوبيان سماحة الشريعة، وهي من أهم ما يمكن الاعتماد عليه في مقاومة الغلو.

   ثالثاً: بيئة الوسطية:

فالعنف ليس سلوكًا مَرَضيًّا فرديًا لشخص محدّد، وإنما هو فعل ثقافي مكتسب من البيئة، وعلى هذا الأساس ينبغي التعامل معه.

   رابعاً: الحوار ثم الحوار:

وهو أهم مبدأ لعلاج اتجاهات العنف والتطرف في المجتمع، بوصفه احتكاكًا بين العقول، عوضًا عن الاحتكاك بالأيدي أو الأسلحة. 

   خامساً: التوعية بالعلاقات الحرجة:

لا بد من التوعية بالمنهج الشرعي في علاقة المسلمين بغير المسلمين، وبيان المنهج الشرعي في الإحسان إلى المخالفين وهم المعاهدون والمستأمنون، وإيضاح هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع غير المحاربين من غير المسلمين، ومنهجه في التعامل مع المعاهدين والمستأمنين.

   سادساً: المعالجات الصارمة للغلو:

من الإضاءات حول هذه القضية:

  1. أن الإرشاد والنصح والحوار مهم جدًا في معالجة الغلو والتطرف، لكن الواقع يشهد أن هناك من لا تنفع معه إلا العقوبات الرادعة.
  2. الفكر المعتدل الراشد المتزن هو الذي يضيّق مسالك الغلو، ويجذب العدد الأكبر من الشباب.
  3. لا بد من التفريق بين التطرف النظري المقتصر على الرأي والجدل النظري والقناعات الشخصية، وبين التطرف الفكري الذي ذهب بأصحابه إلى ممارسة العنف والتحريض السافر عليه.
  4. الفكر الإسلامي الوسطي هو مشروع أمّة، وحاجة عامة؛ لأن الجهل بمقاصد الشريعة الغرّاء وأحكامها وآدابها يسهّل على الغلاة جذب الشباب إليهم من خلال الشعارات الزائفة.
  5. حتى تكون معالجة الغلو مثمرة وفعالة؛ لابد من أن يقترن الهاجس الأمني بالهاجس الحقوقي والأخلاقي.
  6. الخاتمة
  7. إن ظاهرة الغلو من الظواهر شديدة التعقيد، إذ يختلط فيها الفطري بالمكتسب، والخاص بالعام، والمعنوي بالمادي.
  8. إن لكل واحد من الغلاة أسبابه الخاصة فيما يقوم به، ولهذا فإن المعالجة يجب أن تكون للبيئة العامة التي تحرّض على العنف.
  9. الغلو نقص في التدين، وقد يصل إلى الخروج من الملة.
  10. الغلو فوق أنه خارج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يشوّه المركّب العقلي والنفسي لأصحابه.

نقلا عن موقع (على بصيرة) بتصرف

 


https://islamicsham.org