تقديم كتابة الدستور على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية مخالفة صريحة للقرار 2254
الاثنين 10 سبتمبر 2018 م
عدد الزيارات : 2643

 

د. أحمد قربي لـ (نور الشام):

" تقديم كتابة الدستور على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية مخالفة صريحة للقرار 2254 "


عقد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني في 30 يناير/ كانون الثاني 2018م، وانتهى بالدعوة إلى تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور، في محاولة من روسيا والأطراف المشاركة أن يقنعوا العالم بأن الحل السياسي يبدأ بتعديل الدستور، وأن الشعب السوري الذي ثار على جلاده وقدم الكثير من الدماء والتضحيات إنما كان يطمح إلى دستور جديد يكتبه قاتلهم وسارق خيرات بلادهم.
هذه النتائج التي يريد أن يفرضها مؤتمر سوتشي، والتي لا تعبر عن إرادة الشعب السوري وثورته اعتبرت طعنة لمقررات مؤتمر جنيف، إضافة إلى منح الاحتلال الروسي شرعية وجوده في سوريا باعتباره المشرف على إعادة كتابة الدستور والمراقب لتطبيقاته على الأرض التي أحرقتها طائراته. هذا والأمم المتحدة تتناسى القرارات الأممية المتعلقة بحل الصراع في سوريا وبيان جنيف1 عام 2012م، والقرار 2401 لعام 2018م.
في هذا العدد من مجلة نور الشام نستضيف الدكتور أحمد قربي الباحث في مركز الحوار السوري، لنقف معه على معنى الدستور في الدولة وطبيعته في ظل حكم آل الأسد، ودلالات اعتراف المعارضة السورية بدستور 2012م والموافقة على تعديله أو كتابة دستور جديد بحضور الأسد، كما نستعرض كيفية الاستفادة من مسار سوتشي.

 

1-ما المعنى من الدستور في الدولة، وماذا يعني إقرار دستور جديد للبلاد؟
الدستور هو القانون الأسمى للدولة الذي ينظم حقوق الأفراد وواجباتهم، فضلاً عن تنظيمه السلطات الأساسية للدولة وعلاقة هذه السلطات فيما بينها وعلاقتها مع الأفراد، لذلك يعدّ هو قانون الدولة الأساسي أو يلقب عادة بـ (أبو القوانين).
عادة تلجأ الدول إلى تعديل دساتيرها عند أحداث مفصلية، قد تكون ثورات أو انقلابات عسكرية، وقلما يتم تعديل الدستور أو إقرار دستور جديد في الحالات الطبيعية، نظرًا إلى أن الدساتير بطبيعتها -لما تحتويه من قواعد أساسية ومحددة- لا تتطلب تعديلات وتغييرات في فترات متقاربة. ومع ذلك يحق للهيئة التأسيسية (عادة ما يكون الشعب) إقرار ما تشاء من قواعد دستورية تنظم الوضع داخل الدولة.


2-من يقرأ بنود الدستور القديم في سوريا الذي كان منذ أيام حافظ الأسد ودستور 2012 الجديد، يرى أن فيه مواد تتكلم على الحقوق والحريات وصيانتها، لم لا نرى أثر تلك المواد الدستوري على الحياة المجتمعية؟
هنالك مبدأ أساسي في كل دولة يسمى (مبدأ سيادة القانون) يقتضي هذا المبدأ خضوع الحكّام والمحكومين للقانون والدستور، غير أن نظام آل الأسد لم يكن في يوم من الأيام يطبق هذا المبدأ ويلتزم به، هو يضع القوانين سواء المفيدة له أو المقيدة لسلطته، فيطبق المفيدة له كما هو الأمر في قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، ويرمي جانبًا القوانين التي تقيد سلطته وعلى رأسها القواعد الناظمة لحقوق الإنسان وحرياته.
إذًا الخلاصة أنه لم يكن هنالك قانون مطبق في سوريا، ولو أتينا بأفضل القوانين على مستوى العالم فلن نصل إلى نتيجة، لأنه لا وجود لمفهوم وفلسفة (القانون) في (دولة الأسد).


3-أقرَّ نظام بشار الأسد عام 2012 م دستورًا جديدًا للبلاد، وذلك بعد تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبيَّة ضدّه، ما طبيعة ذلك الدستور وكيف أُقِرّ؟ وما مدى شرعيته؟
الأصل أن هنالك عدة طرق لإقرار الدساتير، منها ما يتم إقراره عبر جمعية تأسيسية منتخبة، كما هو حال الدستور السوري لعام 1950، ومنها عبر استفتاء شعبي كما هو حال دستور 1973 بغض النظر عن مدى شرعية الاستفتاء ومدى تعبيره عن الإرادة الشعبية الحرة.
بالنسبة لدستور 2012، كما هو معروف تم تشكيل لجنة دستورية من قبل بشار الأسد، عكفت هذه اللجنة على إعداد مسودة الدستور التي طرحت على (الاستفتاء الشعبي) وتم إقراره بنسبة 89.4، والاعتراض الذي يرد على هذا الدستور من ناحيتين:
- الأولى: أن إعداد الدستور وإقراره كان شكليًّا بامتياز، كما هي عادة نظام الأسد في كل نتائج صندوق الاقتراع التي سبقت إقرار هذا الدستور، حيث النتيجة معروفة سلفًا بغض النظر عن مدى مشاركة الشعب، خصوصًا في حالة دستور 2012 حيث البلاد تمرّ بظروف استثنائية، وهنالك ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهنالك قسم كبير من المناطق لم تشارك أصلاً في عملية الاستفتاء، فأتى الدستور فاقدًا قيمته الموضوعية والشرعية، نظرًا لأن طبيعة الحلول التي يتطلبها البلد في مثل هذه الظروف تتجسد في  "تسوية سياسية عادلة تلبي مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، الشعارات التي خرجت الثورة من أجلها" وليس إقرار دساتير ونصوص قانونية كما يرى النظام وحلفاؤه. والغريب أن الأمر ذاته يحدث الآن من جهة اختزال مطالب الشعب السوري كله في "مجموعة نصوص شكلية" لا تغير من الواقع الذي ثار الشعب أساساً ضده.
- الثانية: أن مشكلة سوريا ليست في الدساتير والقوانين، لأنها أساسًا ليست "دولة قانون ومؤسسات"، مشكلتها الأساسية في وجود حكم طائفي يستولي على مؤسسات الدولة، ويجعلها أداة لتحقيق مصالحه الفئوية والطائفية الضيقة على حساب مختلف فئات الشعب. وجود هذا الحكم واستمراره كفيل بجعل أفضل النصوص الدستورية والقانونية مجرد حبر على ورق، لأنه ليس معنيًّا بالأساس بتطبيقه على حساب مصالحه الضيقة.


4-ماذا يعني أن تعترف المعارضة السورية بدستور 2012 أو توافق على تعديله؟
يعني باختصار الاعتراف بشرعية النظام وشرعية القوانين والدستور الذي أقرَّه، وبالتالي شرعية المعاهدات وكل القرارات التي اتخذها باعتباره "الجهة الشرعية" التي تمثل الشعب السوري، مع ما يستتبع ذلك من إضفاء صفة "المعارضة" و"الجهات الخارجة عن القانون" بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة، مع ما يعنيه ذلك، بأن كل الإجراءات التي قامت بها الأجسام المنبثقة عن المعارضة وقوى الثورة من أحكام قضائية وقرارات إدارية وتنظيمية، إجراءات غير شرعية.

 

5-نصَّ القرار الدولي 2254 على عملية انتقال سياسي في سوريا من خلال إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات وإصدار إعلان دستوري مؤقت؟ كيف ترون الحل السياسي السوري وفق هذا القرار؟
القرار كان واضحًا في تسلسل العملية السياسية، وفق ما جاء في الفقرة الرابعة من القرار التي نصت بداية على تشكيل هيئة حكم انتقالية خلال ستة أشهر، تتولى هذه الهيئة الإشراف على كتابة دستور جديد للبلاد، تجري في ظلّه انتخابات نيابية ورئاسية خلال /18/ شهرًا. وبالتالي فإن تقديم كتابة الدستور على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية يعد مخالفة صريحة للقرار 2254.


6-أقر مؤتمر سوتشي مسارًا جديدًا للحل السياسي غير الذي رسمه مسار جنيف، ألغى من خلاله خطوة هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات وقفز إلى إعداد دستور جديد للبلاد تحت مظلة نظام الأسد، ما رأيكم بهذه الخطوة؟
لا شك في أن هذه الخطوة مخالفة لنص القرار 2254 وفق ما أشرت إليه آنفًا، ولكن كما نعرف أن هذا القرار مثله مثل بقية قرارات مجلس الأمن التي تصدر تحت البند السادس، هي قرارات غير ملزمة من الناحية القانونية، وبالتالي يكون المعيار في تطبيقها من عدمه هو "القوة" وليس "النص"، وهذا ما تستند إليه روسيا في محاولة سحب البساط من مسار جنيف واستبدال مسار سوتشي  به، بحيث تضع جميع القرارات الدولية الخاصة بسوريا جانباً، وتضع هي المرجعية التي تقود إلى حل وفق رؤيتها القاضية في تثبيت النظام وتعويمه دولياً.

 

7-كيف يمكن أن تتعامل الثورة السورية والمعارضة مع مسار سوتشي وخطوات اللجنة الدستورية الجديدة؟
التعامل من عدمه هو قرار سياسي بامتياز، وهذا الأمر يقدره السياسيون وفق مبدأ المصالح والمفاسد، ومع ذلك، فإن الظاهر أن مفاسد المشاركة في هذه اللجنة كبيرة من جهة أن تعطي الشرعية للنظام، وعلى الأرجح ستعينه على إعادة إنتاجه، فضلاً عن أنها لن تعطي الشعب السوري ولو جزءاً بسيطًا من حقوقه التي طالب بها، لأنه كما ذكرنا سابقًا، ليست مشكلة سوريا والسوريين مشكلة نصوص دستورية أو قانونية.
ومع ذلك ثمة وجهة نظر، بأن الخيارات الحالية كلها سيئة، ولعل أقلها سوءًا هو المشاركة في هذه اللجنة، علّ قوى الثورة والمعارضة تحصل على شيء من المكاسب، من خلال مزاحمة النظام وعدم ترك الساحة له.
في جميع الأحوال لابد أن نؤكد أن اقتصار الحل على لجنة دستورية ودستور جديد لن يغير من الواقع شيئًا، لأن الإشكالية كما ذكرنا ليست في الدستور والنصوص القانونية، وإنما في طبيعة النظام القائم، وبناء على ذلك فإن افتراض أن الحل لسوريا هو في دستور جديد كمن يفترض أن علاج مريض السرطان يكون بالأدوية الخاصة بآلالام المفاصل.
 


https://islamicsham.org