الإيحاء في التربية
يروى أن شخصًا دعا جماعة من أصدقائه على وليمة، ولما انتهوا من الطعام شعر بألمٍ في بطنه، فظن الطعام مسمومًا، فأعلم أصدقاءه بذلك، وأسرع إلى مخابرة الطبيب هاتفيًا، فأخذت ظاهرة التقيؤ على كل منهم، ودبَّ الرعب في الجميع، واستلقى كثيرٌ منهم على الأرض من أثر التسمم.
ولما حضر الطبيب اتضح له خطأ صاحب البيت وعدم وجود السم، وما كاد المدعوون يعلمون بالأمر حتى صحوا من مرضهم وذهب عنهم القيء وقاموا سالمين.
ذكرت هذه الرواية تقدمة لحديثي عن أثر الإيحاء في التربية فهو سلاح عجيب ذو حدين حسبما يستخدمه المربي، وقد عرف تأثيره في التربية وعلم النفس حديثًا، بينما نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدث عن الإيحاء قبل أربعة عشر قرنًا فقال: "وإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَ الخير يعطه، ومن يتقِ الشر يوقه".
ففي هذا الحديث فتح الرسول صلى الله عليه وسلم باب الإصلاح على مصراعيه وسهل طريقة كسب العلوم والعادات الحسنة والتخلص من العادات السيئة عن طريق الإيحاء " ومن يتحرَ الخير يعطه، ومن يتقِ الشر يوقه".
وكان النبي صلى الله عليه وسلميغير الأسماء الخبيثة التي توحي بالتشاؤم إلى أسماء حسنة توحي بالتفاؤل، وأمر المسلمين بكل ما يوحي إليهم بالأمور الإيجابية مثل أمره صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب حيث قال: "غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود" فالشعر الأبيض يوحي لصاحبه بالضعف والانهيار وقرب المنية، وذلك بخلاف الشعر الأشقر بأنواعه الجميلة التي توحي إليه بالشباب والقوة والعمر المديد، علاوة لما يوحيه صبغ الشعر باستقلال الشخصية وتميزها عن اليهود وغيرهم الذين لا يصبغون.
لا أريد إطالة الكلامفي هذه العجالة عن الإيحاء، فما ذكرته فيه الكفاية، ولكن ما أريده من هذا المقال نصيحتي للأبوين، أن يستخدما في تربيتهما لأبنائهما الإيحاء الإيجابي الذي يبني شخصية الطفل ويجعله معتدًا بذاته واثقًا من نفسه، ولا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلًا. وذلك باستخدام الكلمات الموحية المشجعة الفعّالة مثل القول للطفل:
أحسنت بارك الله فيك، إنك تتقدم بسرعة، ما شاء الله إن لك مستقبلًا عظيًما، لله درك ما أمهرك! إنك تسير دائمًا إلى الأمام ..وغير ذلك من الكلمات التي تفعل فعل الكهرباء في النفوس، وعكسها الكلمات المحبطة التي تؤثر في الطفل تأثيرًا سلبيًّا سيئًا مدمِّرًا لشخصية الطفل لما فيه من التحقير والإهانة عند وقوعه في الخطأ، فإذا كذب الطفل مرة نادوه بالكذاب، وإذا ضرب شقيقه الصغير نادوه بالشرير، وإذا أخذ من أخته الصغرى لعبتها نادوه بالسارق، وإذا طلب منه إحضار كوب من الماء فتباطأ بإحضاره نادوه بالكسلان ، وويل لك إن ابن جارنا يساوي ألفًا منك ...إلى آخر هذه الكلمات المميتة التي تؤثر في الطفل تأثير السم فتقتل أعصابه وتميت همته وتحطم شخصيته ...
ولا شك أن كلَّ ما يهدف إليه الأبوان هو إصلاح الطفل وتأديبه فقط، لكن النتيجة عكسية لأن هذا الأسلوب يؤدي إلى ترسيخ سلسلة من الشعور بالنقص لدى الطفل تدفعه للانطواء والعزلة عن الحياة الاجتماعية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تجعله يخاف أن يقدم على دراسة معينة يرغبها، أو أن يعمل عملًا معيًنا لشعوره بالنقص وأنه أقل من الآخرين مقدرة على هذا الشيء.
وأخيرًاآمل من الأبوين أن يحذرا كل الحذر من تأنيب الطفل وتوبيخه على الدوام، واجتناب توجيه الكلمات التي توحي بالإحباط، وعليهما استعمال الإيحاء الإيجابي المشجّع على الدوام والثناء على همة الطفل وتقدمه.