لا بد من تعليم الأم جيدًا قبل زواجها، وقبل أن تقوم هي بدورها في تربية أبنائها وتعليمهم والإشراف على بيتها ومشاركة زوجها معترك الحياة. لذلك كان الإسلام -وهو الشريعة التي أنصفت المرأة وكرَّمتها وردَّت إليها آدميتها -يحث دائماً على تعليم المرأة، فقد أمر الإسلام بالعلم للرجل والمرأة على سواء..
وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تحثّ على العلم وتكرِّم العلم والعلماء، يقول تعالى:﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ ] المجادلة: 11[، ويقول تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ ]طه: 114[
كذلك ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحث على طلب العلم سواء للرجل أو للمرأة. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاهُ الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".[1]
وقال أيضاً في حديث رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقيَّة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله تعالى به فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به".[2]
وعن تعليم المرأة على وجه الخصوص ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عن أبي بردة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه. ورجل عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران".[3]
كذلك أخرج البخاري في كتاب العلم حديثا عن ابن عباس قال: "أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يُسمع النساء فوعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم وبلال يأخذ في طرف ثوبه".
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يجعل للمرأة يوما يعظها فيه ويعلمها أمور دينها ودنياها. من ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان مما قال لهن: "ما منكم امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار". فقالت امرأة: واثنين. فقال: "واثنين"[4]
وبذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تعليم المرأة بصفة عامة، وكانت المرأة تحضر دروس العلم ومجالسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسأله وتناقشه وتتفهم وتعي كل ما يقال لها ويدرّس لها.[5]
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المرأة -مثلها في ذلك مثل الرجل -أن تقوم الليل تطلب العلم والعظة، فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي ذات ليلة فقال: "سبحان الله ماذا أنزل الله من الفتن وماذا فتح من الخزائن، أيقظوا صويحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"[6]
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب العلم لكل مؤمن ومؤمنة، فقد ورد عن حفص بن سليمان، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر، واللؤلؤ، والذهب".[7]
وفي حاشية البوصيري على هذا الحديث في سنن ابن ماجه قال: قوله: "طلب العلم فريضة" قال البيهقي في المدخل: أراد -والله تعالى أعلم -العلم الذي لا يسع البالغ العاقل جهله، أو علم ما يطرأ له، أو أراد أنه فريضة على كل مسلم حتى يقوم به من فيه كفاية، وقال: سئل ابن المبارك عن تفسير هذا الحديث، فقال: ليس الذي يظنون، إنما هو أن يقع الرجل في شيء من أمور دينه فيسأل عنه حتى يعلمه.
وقال البيضاوي: المراد من العلم ما لا مندوحة للعبد منه، كمعرفة الصانع والعلم بوحدانيته ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم وكيفية الصلاة، فإن تعلمه فرض عين.
وقال الثوري: هو الذي لا يُعذر العبد في الجهل به.وقيل: هو علم البيع والشراء والنكاح والطلاق إذا أراد الدخول في شيء من ذلك يجب عليه طلب علمه. وقيل: هو علم الفرائض الخمس التي بني عليها الإسلام، وقيل: هو طلب علم التوحيد بالنظر والاستدلال والنقل، وقيل: هو طلب علم الباطن، وهو ما يزداد به العبد يقينًا، وهو الذي يكتسب بصحبة الصالحين، والزهاد والمقربين، فهم ورثة علم النبيين صلوات الله عليهم أجمعين.ا.ه
ثم ذكر البوصيري قوله: "على كل مسلم" أي مكلف؛ ليخرج غير المكلف من الصبي والمجنون، وموضوعه الشخصي، فيشمل الذكر والأنثى، وقال السخاوي في المقاصد: ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث (ومسلمة) ليس لها ذكر في شيء من طرقه، وإن كانت صحيحة المعنى، "واضع العلم عند غير أهله" قال الطيبي: هذا يشعر بأن كل مسلم يختص باستعداد، وله أهل، فإذا وضعه في غير موضعه فُقد، فمثله تقليد أخس الحيوانات بأنفس الجواهر، تهجينًا لذلك الوضع وتنفيرًا عنه.
وفي تعقب هذا التمثيل قوله: "طلب العلم" إعلامٌ بأنه ينبغي لكل أحد طلب ما يليق باستعداده ويوافق منزلته بعد حصول ما هو واجبٌ من الفرائض العامة، وعلى العالم أن يخص كل طالب بما هو مستعد له. ا.ه.
لذلك فإنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم حديث رواه مجاهد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر" لذلك قالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. حتى أنهن كن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسل المرأة فيجيبهن ولا يجعل الحياء مانعًا في التفقه في الدين أو العلم.[8]
لذلك، ولحرص المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على حضور مجالس الوعظ والعلم فقد خرّجت مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً كبيراً من النساء برزن في مجال الفقه والحديث وغيرها من مجالات العلم المختلفة.
نستخلص من كل ما سبق ذكره أهمية تعليم المرأة في الإسلام شؤون دينها ودنياها وفتح المجال أمامها على مصراعيه بما يتناسب وطبيعتها.
هذا، والتعليم في حد ذاته حصانة للمرأة، ونبراس لها ينير طريق دينها ودنياها لتعرف أمورها كلها حق المعرفة، حقوقها وواجباتها، كما أنها تؤدي واجبها على أكمل وجه مع زوجها وأبنائها ومجتمعها، فهي تتفهم دورها جيداً داخل أسرتها وفي إطار مجتمعها. فلا تبخل بالعطاء في كل ميادين الحياة التي تتيسر لها والتي هيأها الله لها.
المصدر: شبكة الألوكة-بتصرف
...........................
[1]صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة حديث رقم (73)،
[2]صحيح البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلّم، حديث رقم (79)
[3]صحيح البخاري: كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله. حديث رقم (97)
[4]صحيح البخاري كتاب العلم، باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم حديث رقم (101(
[5]المرأة في الإسلام، د. سامية منيسي، ص 102.
[6]صحيح البخاري: كتاب العلم، باب العلم والعظة بالليل حديث رقم (115).
[7] سنن ابن ماجه: المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث رقم (5/ 224).
[8]رواه مسلم ، حديث رقم 332