شخصية المسلم في علاقته مع أولاده
أولى الإسلام عناية كبيرة لتربية الأولاد، وجعلها مسؤولية يحاسب عليها العبد يوم القيامة، وتتجلى هذ المسؤولية في النقاط التالية:
المسلم يدرك مسؤوليته الكبرى إزاء أولاده: فقد جعل الإسلامُ الأبَ مسؤولاً مسؤولية تامة عن أبنائه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} مسؤول عن تربيتهم التربية الإسلامية وتنشئتهم التنشئة الصالحة، القائمة على مكارم الأخلاق «إنما بُعثت لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق».
والأب مسؤول عن دين أبنائه بأمرهم بالصلاة «وهم أبناء سبع» وضربهم على التفريط فيها «وهم أبناء عشر»
يستخدم في تربيتهم أبرع الأساليب: الوالدُ الحصيفُ يُدرك نفسية ابنه فيُحْسِن التأتي إليها، ويتوغل في عالمه البريء، فيدنو منهم ويراعي مستواهم العقلي والعمري، فيلاعبهم ويمازحهم، ويسمعهم من المدح ما تبتهج به نفوسهم، فيُحبونه ويُقبلون على سماع توجيهه بلهفة وصدق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين، ويحملهما.
يشعرهم بحبه وحنانه: فمن واجبات الأب أن يشعر أبناءه بالحب والحنان والعطف والرحمة، فهي أخلاق إسلامية أصيلة، ومن أبرز أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان يداعب الأطفال ويقبلهم ويحملهم ويحضنهم، ولما استنكر الأعرابي هذا منه وأخبر أنه لا يفعله قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك» فهذا هدي النبي الذي يسير عليه المؤمن ولا يملك أن يتنكب عنه.
ينفق عليهم بسخاء وطيب نفس: لا يكتفي الإسلام بعاطفة الوالدين الفطرية وحنانهما، بل رَفَدَ هذه العاطفة بالثواب العظيم، وجعل نفقة الرجل على أهله من أعظم الصدقات «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله» وجعل الإسلام من أعظم الإثم تضييع العيال «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».
لا يفرق في عطفه ونفقته بين البنين والبنات: قد يضيق بعض الناس ذرعاً بالبنات ويتمنى أن يرزق الذكور فقط، وما يدري عظيم الثواب الذي ينتظر أبا البنات الكافل لهن الرحيم بهن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَته كُنَّ له حجاباً من النار يوم القيامة».
مفتَّح العينين على كل ما يؤثر في تكوينهم وتوجيههم: فيعرف الأب ما يقرؤون ويكتبون، وهواياتهم ورفاقهم الذين يلازمونهم، والأماكن التي يرتادونها، يعرف هذا كله من حيث لا يشعرون، فإذا وجد انحرافاً أو تعلقاً برفيق سوء أو اعتياداً على ألعاب ضارة أو اعتياداً على عادات ضارة ردهم إلى الجادة برفق وحكمة وحزم، وسددهم إلى الصواب بإقناع.
فالأسر التي تشعر بمسؤوليتها إزاء أولادها تنجح في تربيتهم، والتي لا تشعر بهذا تهملهم فيكونون وبالاً على عوائلهم كما قال تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
يسوي بينهم: يعدل بين أبنائه في الهبة والنفقة والمعاملة، فلا يشعرون بالنقص ولا الغيرة والحسد، بل يشيع في نفوسهم الرضا والتسامح، أعطى البشير ولده النعمان غلاماً له، وأراد أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله: «أكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور»، وقال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم».
يغرس فيهم الأخلاق العالية: من حب الآخرين والعطف على الضعفاء وصلة الأرحام واحترام الكبير ورحمة الصغير، مستخدماً الأساليب التربوية الحكيمة، مع النصح والتسديد والإرشاد، في لين من غير ضعف، وشدة من غير عنف، فيصبحون أوفياء صالحين أسوياء الشخصية مفتحي الأذهان قادرين على العطاء، وهذا بدهي في كل أسرة تربت على مبادئ الإسلام وتأدبت بأدبه {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}.