الثورة السورية وصراع الهويات
الكاتب : أسرة التحرير
الجمعة 20 أكتوبر 2017 م
عدد الزيارات : 2167

 

الثورة السورية وصراع الهويات


الهوية أساس لكلِّ مجتمعٍ يريد أن ينهض ويسود، ومعيارٌ للوجود والتمكين أو الفناء الكليّ و الذوبان في الهويات الوافدة والمجتمعات الأخرى، فكل جماعة تبحث عن هوية تميزها، مكونة من رؤيتها للحياة وطبيعة علاقاتها مع الآخرين ومسلماتها الفكرية، وجملة المبادئ والقيم التي تؤمن بها، وإنّ مجتمعاتنا العربية الإسلامية هويتها ربانية المصدر، نابعة من ديننا الإسلامي ، وإن الإخلال بهذا المبدأ سيؤدي إلى السقوط أمام التيارات الأخرى، والسقوط في التبعية وفقدان الوجود العالمي، والوقوع في أزمة اغتراب حقيقية، وعندها سيتوقف العقل عن الإنتاج والتطور ويؤمن الفرد بالعجز ويكفر بمقدرته على العمل، وسيصبح المجتمع خاويًا يقتات على مخلفات الغرب وبالاته التي يصدّرها باسم الحداثة والعولمة.
والثورة السورية اليوم تعاني من صراع الهويات واختلاطها وضبابيتها، فقد انطلقت الثورة السورية بعد سنين طويلة من حكم الاستبداد والطغيان، لتصرخ في وجه نظام طائفي سرق البلاد وأذلّ العباد، بدأت ثورة شعبية ممتدة على نطاق واسع، منطلقة من هوية البلاد، ترفع شعارات الحرية والعدالة والعيش الكريم، وكانت الهتافات تؤكد وحدة الصف واجتماع الكلمة على هدف إسقاط النظام، مثل (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد).
ولكن هذا الأمر لم يدم طويلًا فقد تشكّلت تنظيمات تطلق على نفسها (الجهادية) ذات خطاب مغالٍ، مخالف لهوية الثورة وتوجهها، فتمايزت عن الصف، وباعتمادها على الخطاب العاطفي والتهييجي أغرقت الثورة بتفاصيل فتَّت في عضدها، وخلقت التمايز عن جسد الثورة، ثم توسعت وتمددت على مستوى خطاب الكراهية والإقصاء وجمع العدد والعتاد، حتى تمزقت الهوية الثورية شرَّ ممزق على يد تنظيمي (الدولة) و(القاعدة)، الذين شكّلا التحدي الأكبر للثوار.
كما كان للدعم المالي الخارجي غير المنظّم سبب في الانقسام وتعدد الولاءات وذوبان الهوية وفوضى السلاح.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد استيقظت بين أبناء الثورة أنفسهم العصبيات المناطقية والعشائرية والعرقية، فتعددت الانتماءات، حتى وصل تعدد الانتماءات والإيديولوجيات إلى أبناء المنطقة الواحدة والتوجه الواحد، فظهرت مسمّيات لم تكن معروفة من قبل، فسبّبت الكثير من الصراعات الداخلية التي حرفت المسار عن أهداف الثورة، وأبعدتنا عن جوهر العمل الحقيقي، والخطير في هذا أنّ لغة السلاح هي اللغة الأم في الساحة!
وقد كانت هناك دعوات كثيرة تؤكد هوية الثورة وترسم الطريق الصحيح كميثاق الشرف الثوري الذي وقعت عليه العديد من الفصائل المقاتلة ووثيقة (المبادئ الخمسة للثورة السورية) التي أطلقها المجلس الإسلامي السوري في إسطنبول 18 أيلول 2015م، ووقعت عليها كبرى الهيئات الشرعية، والفصائل العسكرية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجالس المحلية والشخصيات والرموز الوطنية.
وفي العدد 47 من مجلة نور الشام سيتناول الملف هوية الثورة السورية وتحدياتها ومشاكل الحزبية والفصائلية وتأثيرها في مستقبل سورية، ومبادرة المجلس الإسلامي السوري إلى تشكيل جيش وطني واحد تابع لوزارة دفاع بإشراف الحكومة السورية المؤقتة تنضوي فيه جميع الفصائل تحت قيادة واحدة.


https://islamicsham.org