التطور السياسي في سوريا وآفاقه المستقبلية (5) المطلوب في المرحلة المقبلة
الثلاثاء 4 يوليو 2017 م
عدد الزيارات : 12619

 

التطور السياسي في سوريا وآفاقه المستقبلية (5)
المطلوب في المرحلة المقبلة 

 

السلام عليكم ورحمة الله وأهلاً بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة جديدة وأخيرة من هذه السلسلة.
مع دخول الثورة عامها السادس إلا أنها لازالت تعاني من أخطاء كبيرة حالت دون نجاحها لتحقيق أهدافها، في حلقة اليوم من برنامج صناعة الوعي نناقش أبرز الأخطاء التي وقعت فيها الثورة وما هو المأمول منها في المرحلة المقبلة حتى تحقق تطلعات الشعب وتحقق نجاحها، نناقش هذه الحلقة وخلال هذه السلسلة ومنذ بدايتها الدكتور بشير زين العابدين.
عاصم مشوّح: مرحباً بكم دكتور.
بشير زين العابدين: أهلاً وسهلاً.
عاصم مشوّح: بعد نحو ست سنوات من الثورة وبعد أن أوضحنا الأخطار واستعرضناها تقريباً تسعة أو عشرة عقود من تاريخ سوريا المعاصر، ربما السؤال الذي يكرره الكثيرون ما المطلوب في المرحلة المقبلة؟
بشير زين العابدين: أعتقد أن المطلوب هو ثلاثة أمور أساسية لإعادة تحديد مسار الثورة وتصحيح الأخطاء التي وقعت في المرحلة الماضية، ما تحتاجه الثورة هو الأخذ بمصادر القوة بمفهوم ها الشامل وليس بمفهومها الضيق أي أن القوة العسكرية ليست أكثر من مكون من أكثر من عشرة مكونات من مفاهيم للقوة وإذا فقدت الثورة أو فصائل الثورة تحديداً أو ممثلي الحراك الثوري قوتهم الشعبية وقوتهم الاقتصادية وقوتهم الإعلامية والبنيوية وقوتهم الفكرية فإن الثورة في خطر..
عاصم مشوّح: والقوة العسكرية؟
بشير زين العابدين: القوة العسكرية والسلاح لا تحسم شيء، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية: نحن نعاني من مشكلة كبيرة جداً فيما يسمى بعلم الأدوات أو حتى أكون دقيق هو فن الأدوات وهو ممارسة الأدوات الصحيحة، الآن مثلاً الدبلوماسية فن وهي أداة، لا سنعلن الخروج من العملية السياسية كاملة ونقاتل في السلاح، ليس بالضرورة أن تخلي الساحة الدبلوماسية حتى تخوض المعركة العسكرية، هذا القصور ف استيعاب أن لدي باقة من الأدوات التي أوظفها لنصرة الثورة خلل كبير جداً في التفكير، يوجد هناك استذكار لسايكس بيكو واستحضار تاريخي وأوسلو وإلى آخره، لم يكن الخطأ أن ندخل عالم الدبلوماسية وإنما كان الخطأ أننا دخلنا الدبلوماسية بطريقة غير احترافية لكن يعني إخلاء الساحة السياسية ولا الدبلوماسية ولا الخطاب الإعلامي الخارجي للعالم..
عاصم مشوّح: لكن حينما تكرر أخطاءك غي الساحة الدبلوماسية والسياسية سوف تتوقف وتراجع.
بشير زين العابدين: هذا خلل في الممارسة وليس خلل في الأداء.
عاصم مشوّح: ما الفرق بين الممارسة الأداء؟
بشير زين العابدين: عفواً بالأداة وليس بالأداء، يعني أنا لابد أن تكون لدي أداة تمثلني في مختلف المحافل والمجالات ولا أفقدها ومن عدم الذكاء أن أفقد الأدوات المتاحة لمجرد أن هناك قصور في ممارسة جهة أخرى، فهذه مسألة أيضاً مهمة.
القضية الثالثة: عندما نتكلم عن المطلوب في المرحلة المقبلة في نظريات المباريات لابد أن يكون لديك أجندة وفق مصادر القوة والأدوات المتاحة تضيف لها أجندة فتصبح لاعب بدلاً من أن تتحول إلى جهة تستخدم من أطراف أخرى لديها أجندات ومصادر قوة ووسائل ممارسة، فإذا فقدت الأجندة والعقل المدبر أو الناظم للحراك الثوري فأنت فقط تخوض قتال يراوح مكانه دون أن يتقدم أو يحقق أهدافه.
عاصم مشوّح: الآن نقطة مهمة حقيقةً يعاني منها الكثير في الثورة السورية وتتردد على ألسنة العديد من الشخصيات، ألسنة الشعب والنخب.
الهُوى الكبيرة والانفصام بين المعارضة السياسية في الخارج والحراك الثوري في الداخل، ما السبب في هذا الانفصام وهل يمكن بالفعل ردم الهُوى بينهما أم أن الإشكاليات أكبر من أن تساعد على اصلاح هذا الخطأ؟
بشير زين العابدين: الإشكاليات ليست أكبر من الوصول إلى اصلاح هذا الخطأ إنما متاح آلية معالجتها، هناك ألف تاريخ في الانفصام ما بين القوى والسياسة بالتاريخ السوري وهذه مشكلة تحتاج إلى معالجة هذه مسألة، هناك غياب دور النخب يعني من يتأهل للممارسة السياسية يفقد الإيديولوجيا ويفقد الاحترافية في الغالب ولا أريد أن أعمم و أظلم كثير ممن هم على مستوى بهذه الأمور و يفتقد للممارسة الصحيحة وبالتالي يُنظر إليه نظرة سلبية من قبل الفصائل أو القوى الثورية التي يكون لها تمثيل ناجح بالخارج فإذا لم نحقق بعد خمس سنوات أي منجز معتبر في إطار الشرعية أو التمثيل أو إعادة التأسيس أو الحماية أو إلى آخره من مكونات اللعبة فهناك إخفاقات سياسية لابد من أن تُراجع حتى تستعيد الثقة أو العلاقة ما بين الداخل والخارج من جهة وما بين القوة والسياسة من جهة أخرى.
عاصم مشوّح: هل ترى أن الحراك الثوري في الداخل لديه خبرة تراكمية أكثر من المعارضة السياسية في الخارج، بمعنى أنه لا يحق لأحد أن ينتقد أحد طالما أن الطرفين يحملان نفس الإرث ومن أبناء نفس البلد الذي عاش فترة التصحر السياس والإعلامي والاجتماعي وما إلى ذلك خلال خمسين عام؟
بشير زين العابدين: يعني ضع في بالك مسألة من غير الإنصاف أن نطلب من مختلف القوى الفاعلة أن تتوحد فكرياً أو إيديولوجياً، هم لم ينشؤوا في تكتلات مختلفة عن بعضها إلا أنهم مختلفين عن بعض، حالة عدم التعاون وعدم التنسيق وعدم إقامة علاقة إيجابية بين الفئات المختلفة فيما بينها على الصعيد السياسي أو البنيوي هي المشكلة وبالتالي نحن محتاجين بالأساس إلى أدوات ناضجة ينتظم فيها الحراك الثوري ويعالج مشكلة انفصام الداخل مع الخارج وإلا فقط سنقوم بعمليات إلقاء تهم من الداخل للخارج.
عاصم مشوّح: نحن نريد إنهاء إلقاء التهم والتبادل والتراشق في ما بين الطرفين من خلال معرفة وسائل وأدوات عملية من أجل إيجاد حالة من التماهي بين الطرفين وردم الهوى بينهما.
بشير زين العابدين: كلمة السر هي "الاحتراف"، الاحتراف في الممارسة، علينا أن ننتقل من الفصائلية إلى التشكيلات المحترفة وعلينا أن ننتقل من الحزبية العبثية إلى التشكيلات أو التكوينات الناظمة للحراك الثوري وعلينا أن ننتقل من حالة التمرد إلى الشرعية وإذا لم نحقق هذه الأمور الثلاثة فنحن نقود عملية قتال عبثي ولا أحد يزيد عن أحد لا في وطنيته ولا في أدائه.
عاصم مشوّح: الآن من أكثر المشاكل التي تعاني منها الثورة اضمحلال معالم الهوية السياسية، أين الهوية الإسلامية والمشروع الإسلامي من ذلك؟
يعني هذه الثورة ثار على النظام بكل أطياف الشعب وتكويناته وألوانه الفكرية لكن حقيقةً المعالم الإسلامية للثورة واضحة تماماً وهي منبثقة من هوية هذا الشعب، هل ترى من بين بلدان الربيع العربي نموذج إسلامي قدم رؤية متكاملة لبناء الدولة خصوصاً مع تعالي نظرات الطائفية؟
بشير زين العابدين: المشكلة هذه لها جذور من حيث المبدأ ولها تفرعات من حيث المآل، من حيث المبدأ منذ أن خر العثمانيون من بلاد الشام أو من الأقاليم العربية نشأت لدينا ثلاثة تيارات فوراً، تيار انفصالي انعزالي طائفي يتراوح ما بين أربع إلى ثمان كانتونات وهو الذي فرض نفسه مدة خمس وعشرين سنة ثم هيمن في مرحلة العهد الديموقراطي وحكم البعث وهو المشروع السائد والطاغي في التاريخ السوري بكل أسف والمشروع القومي الذي فشل ثلاث مرات أولاً في عهد فيصل، انهارت فكرة الدولة القومية وفسل في عام ألف وتسعمئة وتسعة وأربعين سامي الحناوي عندما تحرك حزب الشعب للوحدة مع العراق ولم تمكث الترتيبات ثلاث أشهر حتى قام الشيشكلي بالقضاء تماماً على الفرع الوحدوي وانهار أيضاً في مشروع جمال عبد الناصر حينما أعلن الوحدة مع سوريا مدة سنتين وأشهر.
المشروع الوحدوي القومي لم يكن المشروع الأفضل إذا أردنا أن نستعرض السنوات المئة الماضية، عندما نتكلم عن التجربة الإسلامية نحن نتكلم عن تيار إسلامي واسع، هناك قوى ثورية خرجت من المساجد.
(أدونيس) كان منزعج الأسبوع الماضي ويقول لا يجوز أن نؤسس دولة ديموقراطية ليبرالية الثوار يخرجون من المساجد.
عاصم مشوّح: هو طوال الثورة منزعج.
بشير زين العابدين: نعم لم تعجبه القصة بأكملها، دعني أستفيد من الوقت ولن أسرد بعض النقولات لكن الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار وجميع الحراك الثوري سواء من التحرر من الاستعمار في القرن الماضي أو في المرحلة الآنية خرج من المساجد و(القصاب والطنطاوي والصابوني ورشيد رضا) والرموز التي أسهمت خارج أي إطار حزبي كانت تمثل تيار إسلامي واسع جداً لكن المشكلة الكبيرة عندما تتكلم عن المشروع أو عن النموذج، عن أي مشروع وأي نموذج نتكلم.
عاصم مشوّح: ليس بمعناه المؤدلج طبعاً؟
بشير زين العابدين: ليس بمعناه المؤدلج لا وإنما بمعناه العام..
عاصم مشوّح: ربما هذا الذي تحتاجه الثورة الآن.
بشير زين العابدين: في السؤال الذي تفضلت فيه تكلمت عن النموذج الإسلامي، ليس لدي نموذج إسلامي بل لدي نماذج إسلامية..
عاصم مشوّح: إذاً أيضاً هذا النموذج يعاني من إشكالية تعدد أطياف.
بشير زين العابدين: يعاني من مشكلة كبيرة جداً بل هي استئصالية يعني الآن داخل الصف الإسلامي..
عاصم مشوّح: المدني والعسكري؟
بشير زين العابدين: لا لا ليس فقط المدني والعسكري أنتم جماعة سايكس بيكو الذين تؤمنون بالحدود وهؤلاء قوميون والاشارة ليست لك وإنما على قائمة التهم التي يتم تقاذفها في مجموعة ترى إعادة التوحيد في مشروع أممي وقومي وإقليمي وفي مشروع قطري ضمن الأداء الإسلامي كتيارات فعن أي نموذج نتكلم!
عاصم مشوّح: الآن ربما أيضاً من المآخذ التي تؤخذ عن الثورة اهتمامها بالجانب العسكري فقط وهذا أشرت إليه قبل قليل وإهمال باقي الجوانب الإعلامية والسياسية والتنظيمية التأهيلية، ربما مرد ذلك من فكرة تكوت لدى الناس أن القوى العسكرية هي الأساس، كيف تكونت هذه الفكرة وكيف يمكن تفكيكها من حيث طرح تصور أوسع بأشكال القوة التي يمكن للثورة أن تصل إليها؟
بشير زين العابدين: هو إرث تاريخي لم تتمكن قوى الثورة حتى الآن أن تتحرر منه حالة الانفصام والضعف وإلى آخره، أنا أدعو بهذه الحلقة الأخيرة أننا عندما نتكلم عن إعادة إعمار سوريا أن نضع في قاموسها المصطلحي إعادة الإعمار السياسي وإعادة الإعمار البنيوي لأن الإخفاق الأساسي الذي أتى بالكيان القبيح والدميم والمشوه وهو حكم حافظ الأسد وآل الأسد والذي أزهق هذا الكم الضخم من أرواح الشعب السوري كي نتفاداه لا يكفي فقط أن نوفر وظائف وأن نوفر عملية إعادة إعمار اقتصادي، لابد للكيان الجمهوري أو للكيان البديل حتى لا أقرر نيابة عن السوريين ما هو صيغة الكيان القادم من إعادة الصياغة البنيوية تحل فيها المشاكل التي نشأت في مرحلة التأسيس.
القضية الثانية: لابد من إعادة تأهيل سياسي تدفع بنا إلى الاحتراف، لا يمكن أن يتعامل في الشأن السياسي مجموعة من الهواة الذين دخلوا في المعترك السياسي دون خبرة أو خلفية، ليس عيباً هذا سيقوم بالواجب وشكراً جزيلاً، عليك أن تخضع لعملية إعادة إعمار إعادة تكوين ولابد أن نستعيد دور النخب، هذه هي الطريقة التي يمكن من خلالها الخروج من إرث عمره فترة زمنية طويلة.
عاصم مشوّح: يعني أنت الآن ترى أن النخب غير فاعلة وغير ناجحة وغير مؤدية لأدوارها المطلوبة منها؟
بشير زين العابدين: يعني عبارتك قوية لكن أنا أرى ضعف في النخب وقصور في دورهم.
عاصم مشوّح: الآن أريد أن نتوسع أكثر في طرح بعض المرتكزات التي تقوم عليها الإشكالية القائمة الآن في سوريا خلال الثورة، ما الذي سوف ينظم العلاقة بين الطوائف والأعراق المتعددة في سوريا، يعني ربما هذه تحتاج إلى بسط كبير حقيقة نحن لا نعاني فقط من معارضة ونظام نحن بلد له فسيفساء وخصوصية معينة في تركيبته الديموغرافية والاجتماعية والسكانية، كيف يمكن تنظيم هذه العلاقة بين الطوائف والأعراق المتعددة في سوريا حتى لا ندخل في متاهات وحروب ربما لا تنتهي؟
بشير زين العابدين: نحن بحاجة إلى مفهوم نستحدثه ونمارسه وهو مفهوم إدارة العلاقات البينية في المجتمع، الدولة ليست كل شيء ولا تحكم كل شيء، على المجتمع أن يؤسس وينتقل من حالة الدولة الشمولية إلى ما بعد المؤسسات إلى ما يسمى بالمجتمع المدني لأن المجتمع المدني في نظريات (جيمس بيل، جان جاك روسو) وإلى آخره من النظريات الأخرى واعي طيّب قادر على الإنتاج حتى في حالة غياب الدولة، هذه الصورة المثلى للنظر في المجتمع فهو ينتظم بطريقة أو بأخرى وهذه النظرية البنيوية، إذا استعدنا مفهوم إعادة العلاقات المجتمعية كإدارة واحتراف وبعد تاريخي وكمشروع وطني يمكن أن نخرج بسهولة من مثل هذا المأزق الذي تم توظيفه من قبل عدة قوى استعمارية ليتدخل بالشأن التدخل لتعزيز مصالحها، لدينا إرث تاريخي كبير جداً بمصادر كثيرة لا يسمح الوقت بسردها، كيف أدارت المجتمعات الإسلامية علاقاتها بالمسيحيين بالطوائف المسيحية عموماً، علاقاتها باليهود علاقاتها بمختلف الطوائف وإن كان الخلاف إيديولوجياً ومعتقدياً وأساسياً بين هذه المجتمعات السكانية عبر آلاف السنين في مختلف الدول العربية والإسلامية في المرحلة اللاحقة، كان هناك أدوات مستحدثة في مختلف الكيانات السياسية التي نشأت في التاريخ في نظم العلاقة بين هذه القوى.
إذاً نحن محتاجين إلى استعادة إرثنا.
عاصم مشوّح: إذاً المشكلة تاريخية يعني؟
بشير زين العابدين: الحل تاريخي وليس المشكلة تاريخية، المشكلة واقعية والحل تاريخي، بدلاً من الاستنجاد بالخارج ومحاولة استجلاب المنظومة الخارجية ومحاولة ترجيح كفة دون أخرى أن نلجأ إلى إرثنا التاريخي لمحاولة استعادة أو إنشاء أو تطوير منظومة واقعية نعالج فيها علاقاتنا المجتمعية.
عاصم مشوّح: طيب دكتور هناك سؤال مهم حقيقةً كل ما طرحته من حلول في سياق هذه الحلقات بناءً على الإشكالات القائمة هل نستطيع أن نقول أن هذه الحلول يمكن أن تأتي خلال سنة أو سنتين أو خمسة نتيجة للتصحر الطويل الذي عاشته سوريا، هل يمكن أن تأتي مع مرور الوقت أن مع مرور دورة تاريخية يتغير فيها بالفعل جيل كامل ربما من أجل استحداث إنسان جديد بمنظومة فكرية ونفسية قادرة على التعاطي بشكل صحيح مع الواقع؟
بشير زين العابدين: ليست بعدد السنوات يعني أنت ممكن تعالج جزء من المشكلة وليس أن تعالج المشكلة كلها فالتاريخ في مشاكل لا علاج لها بل هناك تخفيف من أثرها ومن مشكلاتها السلبية أنت هاهنا تطلب حالة استشراف قصيرة الأجل، نحن لا نريد ولا نحتاج أجيال، عبر التاريخ في مراحل مفصلية في حياة الشعوب تحقق فيها معجزات..
عاصم مشوّح: قفزات نوعية..
بشير زين العابدين: كم الأحداث التي وقعت سنة ألف وتسعمئة وثمانية عشر وعشرين وواحد وعشرين كان ضخم جداً بحيث أنه غير خارطة المنطقة، نمط الأحداث التي تقع الآن في العقد الثاني من هذا القرن عميق حداً في أثره وهو تاريخ يُكتَب بكل سلبياته وإيجابياته.
عاصم مشوّح: تقصد أنه يستطيع أن يختزل الوقت الطويل؟
بشير زين العابدين: يقيناً..
نحن لا نحتاج إلى جيل جديد ما يحصل الآن لم يحصل في الثمانين سنة الماضية أخي عاصم فاستشرافياً سنكون حذرين لتحديدها بأجيال أو بسنوات وننظر إلى قدرة الشعب السوري بالتأقلم مع حالة الصراع مع حالة غياب الدولة، وأنا أعتقد أنه ناضج وسيتمكن من التغلب عليها وأتيح للنخب أن تمارس دورها ولو استطاعت القوى الممثلة للثورة أن تنتظم في منظومة تحقق الصالح العام بدل من تخوض صراع صفري استئصالي مع النظام أو مع بعضها البعض.
عاصم مشوّح: من خلال النظر إلى الجماعات والحركات الإسلامية في الثورة السورية خلال السنوات الماضية، أين ترى مواطن ومواضع القصور والضعف فيها وما هو الواجب من أجل تجاوز الأخطاء باعتبارها كما ذكرت قبل قليل أنها تيارات أساسية ورئيسة وارتكازية محورية في المجتمع؟
بشير زين العابدين: نعم هذا السؤال من شقين، الشق الأول: سأجيب عليه بعبارة قصيرة قدر المستطاع، تكمن الإشكالية الكبيرة تحديد المأمول من الثورة، ماذا نريد من الثورة؟
أنت حصرتني بالإسلاميين وأنا أريد أن أعمم ولا أستبعد الإسلاميين من عملية التعميم إطلاقاً، لكن دعنا نتكلم في الإطار السياسي لكي نعمم الفائدة والإسلاميين في قلب الدائرة.
ما هو المأمول من الثورة؟
هل المأمول أن نمكن حزب أو تيار أو جماعة لكي تحكم البلد؟
إذا فعلنا ذلك كأننا لم نقم بالثورة أساساً نزعنا ديكتاتور ووضعنا بدلاً منه ديكتاتور آخر والبعض ينظر إليه أنها تنكين لجماعة على حساب جماعة أخرى، هذه مشكلة كبيرة وهناك فكر استئصالي، (أدونيس) يريد أن يمحونا كلنا هو لا يريد إسلاميين يريد ليبراليين لأن حضرته فيلسوف.
هل المأمول من الثورة تحقيق الحرية وإسقاط النظام وبعدها نحلها بين بعضنا البعض؟
هل المأمول من الثورة إنشاء خلافة راشدة على منهاج النبوة، أنا لا أكلمك عن داعش بل عن مكونات سورية تنظر من هذا المنظور وتريد أن تستغل الفرصة لإنشاء نظام متكامل تختزل الزمان كله في منظومة واحدة خلال سنة أو سنتين؟
هل المأمول من الثورة إعادة إنشاء مشوع أممي أو قومي بحيث أن نوحّد، يعني يقول لك أننا لن نتوقف إلى أ نصل للقدس وسنحرر بغداد..
عاصم مشوّح: وسنحرر روما.
بشير زين العابدين: لا لم نصل لروما ولكن هناك ناس حبّوا أن يصلوا لروما..
أم أن الثورة في مجملها حراك شعبي بريء بسيط يطالب بحقوق أساسية؟
عندما نصطلح ما المأمول من الثورة في أذهاننا كحد أدنى يجمع جميع الأطراف هذه هي مرحلة البداية لكي ننتظم في مشروع موحّد يحقق أهداف الثورة.
عاصم مشوّح: هذا غير متوفر الآن؟
بشير زين العابدين: بالطبع غير متوفر.. فهذا هو الشق الأول من السؤال.
الآن دعني أخصص قليلاً.
عاصم مشوّح: لكن في نصف دقيقة لأن الوقت قد انتهى.
بشير زين العابدين: طيب في نصف دقيقة عندما نتكلم عن الإسلاميين بشكل أساسي عندنا مشكلة فرار مجموعة من الواقعية إلى المثالية يعني يريد أن يصل إلى النموذج حالاً والآن بقوة السلاح هذه إشكالية لابد من معالجتها، عندنا محاولة الفرار من الواقع نحو المستقبل مثل مجموعة يريدون أن يجلبوا آخر الزمان فالعقل لا يحتمل ضغط الواقع وعمق الجرائم فيفر من الواقع فأين يذهب؟ يلجأ للمستقبل، أنها ستحل هذه المشكلة وتكثر الاستشهادات بآخر الزمان وكأنه فقط نريد أن نجلب المهدي حتى ينقذنا لأننا غير قادرين على إنقاذ أنفسنا.
ظاهرة الفرار من الواقع نحو الماضي يعني يريد أن يستجلب نماذج من التاريخ غير ملزمة غير حقيقية لا تنطبق ويريد أن يطبقها على الواقع السوري.
عاصم مشوّح: تقع ضمن إشكالية النظرة التقديسية للتاريخ.
بشير زين العابدين: مشكلتنا ليست في تقديس التاريخ ولا في تقديس المستقبل بل مشكلتنا مع تعاملنا مع الواقع، الإيديولوجيات المثالية لم تصنع لنا شيء لابد أن تكون واقعية لكي تحمينا وتوفر لنا الغطاء في الممارسة.
عاصم مشوّح: طيب دكتور أشكرك على مدار هذه الحلقات الخمس من برنامج صناعة الوعي واستعراض تاريخ سوريا خلال ما يقارب مئة عام.
أفدتَ وأجدتَ بهذه المعلومات القيم والوافرة، أريد أن أشير هنا أن كل ما قدمته يشير إلى شقين جزء تحليلي وجزء معلوماتي..
بشير زين العابدين: لم يسمح لنا الوقت بتوثيقها.
عاصم مشوّح: ولكنها كلها تعتمد على مصادر موثوقة حتى يتأكد ويطمئن المشاهد الكريم.
مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة للحلقات الخمس التي كنتم معنا فيها، ألتقيكم بمشيئة الله في حلقات مقبلة من برنامج صناعة الوعي
ترككم في حفظ الله ورعايته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


https://islamicsham.org