إن الثقافة الإسلامية التي تُشَكِّلُ شخصيةَ الفردِ المسلم والمجتمع المسلم تتميز عن غيرها من الثقافات بكونها ربانيةَ المصدر، تعتمد على الوحي المنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام، بنوعيه: القرآن المتلو، والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ثقافة غير المسلمين فتعتمد على إنتاج بشري يعتريه نقصُ البشر، وتفسيراتُهم الخاطئة لما وصلهم من دين محرف، "لأن الكتب السماوية الأخرى قد دخلها التحريف، وأُدخِلَ عليها شروحٌ وتفسيراتٌ وتصوراتٌ وزياداتٌ ومعلوماتٌ بشريةٌ، أُدْمِجَت في صُلْبِها، فبُدِّلَت طبيعتُها الربانية، وبقي الإسلام وحده محفوظ الأصل، قال الله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الْذَّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون"، وهذا هو السر الذي يعطي الثقافة الإسلامية قيمة التفرد والخلود".
الإسلام هو الدين الرباني المحفوظ، مصدره من الله تعالى، يقدم للخلق الحقائق التي لا يمكن للبشر معرفتُها عن الغيبيات في الماضي والحاضر والمستقبل، فلا سبيل إلى معرفة متى وكيف بدأ خلقُ الكون بسمائه وأرضه وما فيهما وما بينهما إلا بخَبرٍ ممن يعلم ذلك، وهو الله تعالى، ولا سبيل إلى معرفة من يشاركنا العيش على هذه الأرض مما لا تدركه حواسنا إلا بخبر ممن يعلم ذلك، وهو الله تعالى، ولا سبيل لمعرفة ما سنلقاه بعد موتنا في قبورنا، أو بعد بعثنا من موتنا، إلا بخبر ممن سيُجري هذا علينا، وهو الله تعالى.
لذا فالأسئلة التي حيرت الفلاسفة منذ القديم ولم يصلوا إلى جوابٍ واضحٍ عنها بسبب فقدِهم الآلية التي يمكن بها الاطلاع على حقيقة ما جرى وسيجري، يقدمها لنا الإسلامُ في كتابِ الله وسنةِ رسول الله عليه الصلاة والسلام حقائقَ يقينيةً تُخرِجُ الإنسان من دائرة الحَيْرة والقلق إلى فضاء الاطمئنان على مستقبلنا وما سيجري معنا.
خصائص الثقافة الإسلامية:
1- كونها موضع الثقة الكاملة؛ لأنها ربانية المصدر، لا تخضع للفكر البشري القاصر عن إدراك المغيبات، ولا لتفسيرات خاطئة للكتب السماوية التي تعرضت للتحريف والتبديل والزيادة والنقص، بل تعتمد على وحيٍ محفوظٍ تَكَفَّلَ اللهُ الخالقُ بحفظه، ولم يكِل حفظه للبشر، قال تعالى: "إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".
2- كونها تُقدمُ تصوراً كاملاً واضحاً للإنسان، ووظيفته في هذه الحياة الدنيا، وعلاقته مع الخالق، وعلاقته مع بني جنسه، وتعامله مع المخلوقات المسخرة له.
3- ثباتُها في حقيقتها ومفهومها؛ لأنها تعتمد على الكتاب غير القابل للتغيير والتبديل، لا سيما إذا علمنا أن الركن الأساس في الثقافة الإسلامية هو وحدانية الرب جل وعلا، وصفاته سبحانه، كعِلْمِه الشامل، وقدرته المطلقة، فهذا لا يدخله تغيير، وكذلك الأخبار المتضمَّنة في الكتاب وصحيح السنة عن مستقبلنا بعد الموت وبعد البعث من الموت غير قابلة للتغيير.
4- شمولُها، فالثقافة الإسلامية لا تقتصر على بيان وتوضيح صفات الله جل وعلا، والآخرة وما سيكون فيها، بل تقدم منهجاً شاملاً للحياة مصلِحاً لها، يجعل حياة المؤمن بها المنفذ لتعاليمها حياةً منضبطةً، وتجعل تصرفاته مبنية على مصالحه، فالشريعة جعلت مصالح العباد في الدنيا والآخرة هي الغاية فيما تأمرهم به وتنهاهم عنه من التصرفات.
5- التوازن، فالثقافة الإسلامية توازن بين عبودية الإنسان لله الواحد، وبين مقام الإنسان المكرم في الكون، والمسخر له كل ما في السماوات والأرض.
6- الإيجابية، فالثقافة الإسلامية تلزم الإنسان بالسعي والجد في تحصيل مصالحه ومصالح الناس في الدنيا والآخرة، وتحذر من الكسل والتواكل والتخاذل.
هذه بعض الخصائص التي تتميز بها الثقافة الإسلامية، يجمع بينها اعتماد هذه الثقافة على الوحي، وسعيها لتحقيق المصالح الدنيوية والأخروية للبشر، قال الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".