السلام عليكم ورحمة الله إلى حلقة جديدة من برنامج صناعة الوعي حيث شهدت سورية خلال واحد وعشرين عاما سلسلة من الانقلابات العسكرية وحركات التمرد والعصيان قام بها ضباط الجيش السوري آنذاك إلا أن الملاحظة لتلك الانقلابات أن معظم من قام بها هم من الأقليات الدينية والعرقية
نناقش في حلقة اليوم في برنامج صناعة الوعي تلك المرحلة وانعكاساتها على الواقع السوري والحركة السياسة في البلد مع ضيفنا الدائم في هذه السلسلة الدكتور بشير زين العابدين
عاصم مشوّح: مرحباً بكم دكتور.
بشير زين العابدين: أهلاً وسهلاً.
عاصم مشوّح: من الواضح دكتور أن خلال فترة الانقلابات العسكرية التي استمرت أكتر من عشرين عام أن معظم من شاركوا فيها هم من الأقليات الطائفية والعرقية، كيف تقرأ ذلك؟
بشير زين العابدين: طبعاً الملاحظة التي ذكرتها مهمة جداً خلال واحد وعشرين سنة من عام ألف وتسعمئة وتسع وأربعين حتى المشاهد يعرف عن ماذا نتحدث وتحديداً إلى عام ألف وتسعمئة وسبعين خلال واحد وعشرين سنة كان هناك واحد وعشرين انقلاب وتمرد وحركة عصيان.
عاصم مشوّح: يعني بمعدل انقلاب كل سنة.
بشير زين العابدين: نعم لكن يا ليت كل سنة، في عام ألف وتسعمئة وتسع وأربعين حدث ثلاث انقلابات (في شهر مارس انقلاب الزعيم وفي أغسطس انقلاب الحناوي و في ديسمبر انقلاب الشيشكلي) و لذلك لم تهنأ الدولة المستقلة بعد خروج الانتداب الفرنسي بحالة من الاستقرار والاستمرار في تعزيز مؤسسات الكيان البنيوي.
عاصم مشوّح: هل السباب داخلية أم خارجية؟
هذا شيء ملفت للنظر حينما تحدث ثلاث انقلابات في عام واحد، وعلى واحد وعشرين عام واحد وعشرين انقلاب، ما هي الأسباب برأيك في هذا الأمر؟
بشير زين العابدين: قبل أن أتكلم عن الأسباب أريد فقط أن أسلط الضوء على الظاهرة لأن ظاهرة العلاقة بين العسكر و الدولة ليست فقط مرتبطة بعهد الاستقلال ولا بالكيان البعثي أو حكم آل الأسد بل هي ممتدة حتى إلى مرحلة الثورة ، فأنت تكلمت عن قضية الأقليات وأنا سميتهم المجموعات الطائفية ، نلاحظ على سبيل المثال ، إذا أردت أن تفسرها تفسير آني عندما اعتبرت فرنسا نفسها وصية منتدبة من قبل الأمم المتحدة أو من قبل الشرعية الدولة على الكيان السوري القُطري آنذاك كان من أهم مهامها إنشاء قوة وطنية ، القوة الوطنية التي أنشأتها سمتها القوة الوطنية الخاصة للشرق، نشأت من فرقتين ، فرقة أرمنية وكانت مشاكلهم كثيرة و تذمر منهم الفرنسيين كثيراً وتم إنشاء فرقة أخرى مارونية فصار جيش القوات الخاصة للشرق فقط محصورة على التجنيد من عنصرين فرقة أرمنية وفرقة مارونية و صار بينهم صراعات كبيرة و كانت دائماً المصادر تشتكي من الفوضى الناشئة ما بين الصراع بين الأرمن و الموارنة ، ثم بدأ الفرنسيين في عملية تحشيد مرة أخرى فجندوا بعض أبناء جبل العرب و من الدروز و جندوا من أبناء جبل الأنصارية وجندوا من الاسماعليين فرق عشائرية ببنيتها العشائرية ، فصار عندك مثلاً فرقة المشاة الفلانية تنتمي إلى عشيرة معينة من إحدى الأقليات، عندما خرج الاستعمار المفروض أن يكون القوات خمسة عشرة ألفاً لكن لم يبق للقوات السورية سوى ثلاث آلاف و خمسمئة و خُيِروا هؤلاء بين البقاء أو الذهاب مع المستعمر وذهب منهم حوالي سبعمئة واحد وعاشوا و استقروا هناك في فرنسا مثل ما حصل في الجزائر وفي فرنسا انضم قليل حوالي النصف إلى الجيش العربي السوري لدى تشكيله، شكيب أرسلان وأكرم الحوراني غيره من المصادر تكلمت عن الانضباط و عقلية احترام القوات الخاصة للشرق الذين أصبحوا ضباط الجيش السوري للحكومة المركزية ،هؤلاء طوال عمرهم على مدى خمس وعشرين سنة العمل المطلوب منهم هو قمع الحركة الوطنية ، أصبح الآن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء البرلمان من الكتلة الوطنية فنمى في صدره على مدار خمس وعشرين سنة احتقار وعدم احترام و عدم تقبل لوجود سلطة مركزية لا تتبع له لا عشائرياً ولا طائفياً ولا حتى ايديولوجياً من حيث أنه أُنشئ لقمع هذه القوات عند تشكيلها .
عاصم مشوّح: يعني ربما نذهب أكثر من ذلك ونقول خرج الاستعمار وأبقى وكلائه ليتعاملوا بهذه الطريقة.
بشير زين العابدين: لا أريد أن أعبر عنها بهذه المسألة البسيطة لكن من الممكن أن تستخدم هذه، سأعطيك نموذج يؤيد كلامك لكن سيختلف معه فيما بعد، في انقلاب الزعيم سأعطيك أسماء المجلس الحربي "سامي الحنواي كردي، أديب الشيشكلي شركسي، محمود شوكت كردي، بكري قوطرش كردي، بهيج كلاس مسيحي ، أنطون بستاني مسيحي، رفعت خانكان شركسي، عزيز عبد الكريم علوي، محمد صفا شيعي لبناني"
أنا لا أريد أن أنتقص أي مجموعة من المجموعات الإثنية الموجودة هنا الطائفية أو المذهبية لكن أريد أن أقول لك أن أعضاء المجلس الحربي في انقلاب الزعيم كلهم كانوا من أبناء المجموعات المذهبية المعارضة للسلطة المركزية في دمشق، في انقلاب الحناوي على الزعيم بعدها بكم شهر، عندك " سامي الحناوي كردي، بهيج كلاس مسيحي، علم الدين قواس علوي، أمين أبو عساف درزي، محمد معروف علوي، خالد جادة شركسي، حسن الحكيم ومحمد دياب اسماعليين " هذا هو المجلس العسكري، هذه هي التركيبة ، هؤلاء رُبوا منذ تنشئتهم من أول ما نُسّبوا إلى الكلية العسكرية التي أنشأتها فرنسا إلى أن يعادي السلطة المركزية و الكتلة القومية .
عاصم مشوّح: لذلك كان يقوم بتلك الانقلابات.
بشير زين العابدين: لا تؤاخذني، دعنا نتقدم قليلاً واعذرني لأن هذه المسألة مهمة وتتعلق بتطور كياننا الجمهوري إلى يومنا هذا، اللجنة العسكرية التي جاءت بحافظ الأسد على ظهور الدبابات نشأت في تسعة وخمسين وأخذت شكلها الأخير في الثلاثة وستين " محمد عمران ، صلاح جديد، حافظ الأسد ، سليمان حداد، عثمان كنعان علويين " و" عبد الكريم الجندي، احمد المير اسماعليين " و" الدروز سليم حاطوم، حمد عبيد" و أضيف لهم بعض المكونات السنية الذين كان عددهم رمزي و قد أضيفوا مؤخراً في الثلاثة وستين وليس في التشكيلة الأساسية التي كانت كلها من أبناء هذه المجموعات.
إذاً منذ الاستقلال وإلى الثورة التي اندلعت في عام ألفين وإحدى عشر لايزال العنصر الأقليّاتي إذا صح الاستخدام هو المهيمن في التشكيلة العسكرية.
عاصم مشوّح: لذلك الدول الكبرى تتعامل مع الأقليات بطريقة ما وتتعامل مع الأكثرية بطريقة جلية وواضحة خلال هذه الثورة ربما سنأتي عليها في إطار السلسة.
الآن نحن حقيقة نستعرض التاريخ نقول سورية في مئة سنة، من خلال ما جرى في معركة ميسلون تبين ربما بشكل جلي ضرورة الإعداد المادي والذي هو سلاح وعتاد وتخطيط، طبعاً في ذاك الوقت تفترق الآليات والوسائل والطرائق المتاحة، لكن هل ترى أصلاً الثوار في الثورة التي اندلعت في عام ألفين وإحدى عشر استحضروا هذا التاريخ فضلاً على أنهم استفادوا منه.
بشير زين العابدين: في ميسلون قرر يوسف العظمة أن يخوض المعركة منفرداً وخالف الملك فيصل آنذاك، الملك فيصل استجاب لشروط غورو وراح هو وكل الحكومة وخرجوا من دمشق، لاحظ فقط الأرقام كم هي مؤلمة، كان لديهم مئتان وسبعين طلقة لكل بندقية وثمانين قنبلة لكل مدفع من مدافعهم السبعين ولم يكن عدد مقاتليه إلا ألفين ومئتين وعشرين رجل في مواجهة تسعة آلاف جندي فرنسي تدعمهم المدفعية الثقيلة وتساندهم أربعة أسراب من الطائرات الحربية.
لقد كانت مجزة ,مسألة الوقت فقط، انتهت ميسلون وسقطت دمشق في ساعتين لا أكثر أي فقط مسافة الطريق، ستجد أن هذه التجربة تتكرر مرة أخرى في حرب ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين فرق القوات العربية مجتمعة أمام عصابات الصهيونية كان يعادل واحد إلى عشرة، عندما يقال لك الجيوش العربية مجتمعة، أي جيوش عربية!
الجيش السوري لم يكن يصل تعداده إلى ألفين وخمسمئة مقاتل وكلها تكلمنا عن تشكيلاتها البنيوية بينما كانت العصابات الصهيونية مجتمعة تشكل أكثر من ستين ألف مقاتل ومسلحة بأحدث أسلحة الحرب العالمية الثانية التي ضُخّت إليها من مختلف الجهات وبالتالي لم يكن التكافؤ موجود ولازالت مستمرة.
عاصم مشوّح: لكن ما السبب الرئيسي لهذه المشكلة؟
بشير زين العابدين: هناك أسباب كثيرة في هذه المسألة ...
عاصم مشوّح: نتلوها سريعاً لو سمحت.
بشير زين العابدين: ليست هناك رغبة دولية، لقد كان أكبر هاجس (لشكري القوتلي) منذ أن تولى الرئاسة إلى أن أقصي منها في انقلاب عسكري ورجع مرة ثانية ورُمي بالسجن ورجع مرة أخرى ومن جاء بعده سواء كان (ناظم القدسي) أو غيره هو التسليح، كانت بريطانيا وفرنسا وجميع الدول الغربية ترفض تسليح الجيش السوري وكانت تريد زراعة حالة من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط والمشكلة موجودة إلى يومنا هذا.
لذلك إذا نظرنا في مسألة التوازن على سبيل المثال كثير من الدول الشرقية عندما أيقنت أنها خسرت معركة التوازن الاستراتيجي، أين ذهبت؟
ذهبت إلى مفاهيم الردع، مباشرة ماذا فعل النظام في عهد حافظ الأسد وبالذات العماد علي أصلان استبعد تماماً أن نصل إلى جسور السلاح التي تأتي سنوياً بمبالغ ضخمة جداً إلى الكيان الصهيوني وغيره من دول الجوار، وبالتالي بدأت عملية الانتقال إلى مفهوم الردع الاستراتيجي.
عاصم مشوّح: وهو؟
بشير زين العابدين: مثل الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة البيولوجية أو الصواريخ البالستية
عاصم مشوّح: لكن المعروف عن الوضع السوري أنه يُدعم من روسيا منذ عقود طويلة بمليارات الدولارات على المؤسسة العسكرية.
أين الإشكالية في كون الجيش السوري لا يتلقى دعماً عسكرياً؟
بشير زين العابدين: منذ حرب السبعة وستين تعهدت أمريكا أن تجعل الجيش الإسرائيلي أقوى من الجيوش العربية مجتمعة، لذلك إلى اليوم كثير من الدول العربية ولا أريد أن أذكر أسماء وندخل في بعض الإشكالات والتناقضات الإقليمية والدولية تشتكي من أن أمريكا تزود إسرائيل بنوعيات متطورة من السلاح وترفض أن تزودها بها وبالتالي صحيح في تزويد لكن لا تقارن السلاح السوفييتي بمنظومة النيتو.
الآن عدم التكافؤ في الثورة ما أظن أننا نحتاج أن نتكلم عنها.
عاصم مشوّح: يعني هذا المفهوم استُخدم بالنسبة للجيش السوري لكيلا يتفوق على الجيش الإسرائيلي وأيضاً استخدم مع الثوار لكيلا يتفوقوا مع الجيش السوري وحلفاؤه.
بشير زين العابدين: طبعاً هذا لا يعني هزيمة في المعركة لأن لدينا خيارات كثيرة والثورة لازالت بحاجة أن تستوعب مفاهيم القوة.
عاصم مشوّح: أتمنى أن تصل الرسالة للثوار الذين على الأرض.
بشير زين العابدين: أتمنى أن نصل إليها في حلقة أخرى َ.
عاصم مشوّح: شهدت الساحة العسكرية في سورية ربما عقب الاستقلال انقسام وتصارع ضمن لتيارات وأحزاب متعددة، هل ترى هذه الحالة طبيعية بعد خروج كل بلد من الاستعمار؟
بشير زين العابدين: لا، ليس طبيعي طبعاً.
الأصل في المؤسسة العسكرية أمرين: الانضباط وعدم الانتماء السياسي وإلا لم تعد مؤسسة عسكرية.
وين المشكلة عاصم؟
المشكلة أن الصراعات عندما نخوضها خارج مؤسسات الحكم يعني أن مؤسسات الحكم لم تنضج، المفروض بالتصويت وبالأغلبية وبالأقلية وباللجان وبالوزارات ومؤسسات الدولة تُحسم الصراعات، فإذا استبعدنا لعبة الدولة وخرجنا عنها من خلال أن يقوم رئيس الأركان باعتقال رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء والوزارة كلها ورميهم كلهم بالسجن ويُهين الرئيس تلوى الآخر والمسؤول تلوى الآخر يعني أن مؤسسات الدولة لم تنضج منذ تأسيسها، عندنا مشكلة بنيوية بدأت منذ تشكيل الكيان ومستمرة إلى يومنا هذا، مشكلة البنيوية هي أن القوى السياسية حتى تحسم معركة الصراع مع بعضها البعض ما أرادت أن تدخل في مسألة التصويت والانتخاب والأغلبية، حزب البعث في الثلاث وستين كما يقول (محمد عمران) وكما يقول (نبيل شويري) وكما يقول عدد من كبار مسؤولي البعث أنه في الثلاث وستين كان عددهم خمسمئة وأربع وثلاثين واحد، وأنا أنقل هنا ولا أخمن رقم، (ميشيل أفلق) أسس لمفهوم حزب الأقلية الذي هو الفانجارد الذي أخذه من الفكر الشيوعي أو التعديلات اللينينية على الفكر الماركسي، وحافظ الأسد متشبع بهذا الفكر تعتقد أنه لا بد أن يكون هناك مجموعة أقلية لا تتأثر بمؤثرات المجتمع حتى تكون لها الوصاية والسيطرة على المجتمع، إذا أردنا أن نُنشئ معارضة يجب أن تنشأ من داخل الدولة وليس من خارجها، إذا جاءت من خارج الدولة فهذه صفة انقلابية.
عاصم مشوّح: ما المقصود بخارج الدولة؟
بشير زين العابدين: هو يريد أن يشكل معارضة بنفسه ولا يتقبل أن يكون هناك أحزاب وجماعات خارج التشكيلة التي يريد إنشاءها، وبالتالي الكيان لم يكن ناضجاً، بدأت الأحزاب وبالذات الحزب القومي السوري وحزب البعث عندما أدركوا أن إمكاناتهم للدخول في المعترك السياسي شبه مستحيلة ومتعذرة، وفي انتخابات التسع وأربعين فازوا بصوت واحد، تخيل كم هو مؤلم هذا المنظر، تغلغلوا في الجيش ...
عاصم مشوّح: باختصار لو تفضلت؟
بشير زين العابدين: باختصار، أنا أنقل عن أكرم الحوراني وعلي لافري شوف الخارطة في الجيش السوري، لديك كتلة الحزب القومي السوري وكتلة الضباط الدمشقيين وكتلة الضباط البعثيين وكتلة الضباط الشيوعيين، هذا الكلام في الخمسينات.
في الستينات الضباط الشيوعيين تم تصفيتهم بالكامل وجاء عبد الكريم زهر الدين وصرح وتكلم بوضوح في هذه المسألة وقال: "أنا أشرفت على تصفية كل الضباط الدمشقيين من القيادة وكان آخر واحد مطيع سمان وكان مصيره مثل باقي الدمشقيين، مجموعة القوميين، مجموعة الضباط البعثيين، مجموعة الضباط الوحدويين، مجموعة الضباط الناصريين، كأنك أنت الآن في البرلمان وليس بقيادة الأركان فبالتالي فقدت المؤسسة العسكرية انضباطها والتزامها ونزاهتها وصارت جزء من المعترك السياسي.
عاصم مشوّح: طيب في ذات النقطة، في فترة الانقلابات ربما يُلاحظ غياب العمل السياسي وضعفه السطوة أو السلطة العسكرية وهذا أيضاً ما نراه في ظل هذه الثورة، ما الأسباب برأيك؟
بشير زين العابدين: أنت تريد أن تنقلنا إلى حالة الثورة ومقارنتها بإشكالية القوة.
عاصم مشوّح: هو استعراض وإسقاط على هذه الحلقات.
بشير زين العابدين: وأنا حقيقة أشكرك على عمليات الإسقاط المهمة بين فترة وأخرى، شوف أخي العزيز؛ نظريات القوة لابد من تدريسها و فهمها و استيعابها في الواقع السوري، هناك القوة الطبيعية والقوة الرديفة و القوة لها عدة أشكال ومميزات، الطبيعية لها فروع والرديفة لها فروع والمصطنعة لها فروع إلى آخره.
إذا أردت أن تسقط المسألة على قوى الثورة وكانت أي جهة تظن أن بقوة السلاح سوف تحسم الصراع فهي واهمة، لابد للثورة أياً كانت وليست فقط الثورة السورية مثلاً الثورة الفرنسية والبلشفية ...
عاصم مشوّح: ألا يتعارض ذلك مع منطق الثورة الجذري والصفري؟
بشير زين العابدين: الصراع ليس صفرياً وليس جذرياً، لماذا نعتبره جذري؟!
هذه هي نظرية أفلق الهدم من أجل البناء، وليس بالضرورة أن تهدم من أجل أن تبني.
عاصم مشوّح: أليست هذه الثورة خلال خمس سنوات تحمل هذا المنطق؟
بشير زين العابدين: ممكن أن نتكلم في حلقات أخرى في نظرية ميلر في مسألة الثورات والبنيوية وعلاقتها بالثورات، إذا نظرت إلى الثورة على أنها هدم فأنت لا تستطيع أن تهدم المجتمع، ما تستطيع أن تهدم التاريخ، ما ستطيع أن تهدم القوى الطبيعية...
عاصم مشوّح: عفواً دكتور لا أحد يستطيع أن يتحدث عن هدم هذه المكونات، نحن نتحدث أو الثوار يتحدثون عن إزالة وهدم ونقض المؤسسة العسكرية والأمنية.
بشير زين العابدين: أشكرك.
أي نحن لم نهدم الدولة بأكملها، نحن نريد أن نحافظ على الدولة وعلى مؤسسات الدولة..
عاصم مشوّح: إذا المنطلق الصفري يبدأ ن هنا؟
بشير زين العابدين: ما أعتبره صفري وإنما إعادة تشكيل وسنتكلم عن هذه فيما بعد ولكن أريد فقط إذا تسمح لي أن فيما يتعلق بالقوة وعلى الجميع أن يدرك أن عندنا: قوة الخطاب الإعلامي وهذه قوة وتحسم المعارك بالمعلومات إذا صح الاستخدام.
القوة الاقتصادية أي إذا أنت تعتمد على قوة رديفة من مموّل أنت الآن تخضع له ولا تخضع لإرادة وطنية.
عاصم مشوّح: لست صاحب القرار.
بشير زين العابدين: القوة الشعبية، إذا انفصم الحراك الثوري القتالي عن المصدر الشعبي ما أهميته!! لم يعد مهماً، صار ميليشيا صار جماعات أخرى.
لدينا أيضاً القوة السياسية، القوة البنيوية، القوة الفكرية، القوة المعلوماتية، القوة حزمة تلتزم بعضها بعضاً وإذا افترضنا أن القوة العسكرية تحسم الخلافات فنحن واهمون.
عاصم مشوّح: باختصار شديد مشكلة التفرق في سوريا سواء عسكري سياسي وتجليات ذلك ربما على الجوانب الأخرى على العمل الثوري، هل تراها أنها خارج النطاق السوري، صنعها ربما العدو إذا أحببنا أن نتكلم على أنها مؤامرة كما يقول البعض أم أنها من طبيعة الشعب السوري؟
بشير زين العابدين: إطلاقاً، وفق النظريات الواقعية والكلاسيكية والبنيوية وغيرها من المدارس ووفق قناعاتنا أنه لا يمكن لأي جهة خارجية أن تستحدث مشكلة محلية لكنها تستثمرها إذا وقعت، فالخلاف الطائفي إذا صح الاستخدام والإيديولوجي والعسكرية والصراعات القائمة، من صنع الثورة؟! لم يصنع أحد الثورة بل هي حراك وطني وسخط شعبي عارم، لم يصنعه أحد ولم يحركه أحد، دائماً تكون الأزمات منتج محلي ثم تأتي القوى الخارجية لاستثمار المنتج المحلي لما يتناسب مع مصلحتها، لا يمكن لدولة خارجية أن تصنع أزمة داخلية فقط من خلال تحريك عناصر.
عاصم مشوّح: فبالتالي الثورة والشعب السوري قادر على نفي أي عناصرغريبة ربما دخلت عليه خلال هذه الفترة.
بشير زين العابدين: أتمنى أن يصبح قادر على ذلك.
عاصم مشوّح: دكتور بشير زين العابدين شكراً جزيلاً لك والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام، ألتقيم بمشيئة الله في حلقة قادمة من برنامج صناعة الوعي.
في أمان الله.