أحكام المفاوضات مع الأعداء وضوابطها
الكاتب : المكتب العلمي ـ هيئة الشام الإسلامية
الأربعاء 22 مارس 2017 م
عدد الزيارات : 66129

 

أحكام المفاوضات مع الأعداء وضوابطها

 

السؤال: تُدعى الفصائل المجاهدة وغيرها مِن المكونات السياسية الثورية لعقد مفاوضات دولية بقصد الوصول إلى حلٍّ لما يحدث في سورية، فما حكم الاستجابة لهذه الدعوات؟ وما حكم هذه المفاوضات في الشرع علمًا أنه يُطرح فيها ما يخالف الشرع، وقد يكون مِن رعاتها بعضُ مَن يشارك في قتل الشعب؟ وهل يجوز للمفاوضين التنازل عن بعض الواجبات والحقوق؟


الجواب:
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإنّ المفاوضات مع الأعداء يختلف الحكم عليها بناءً على طبيعتها وأسبابها وما ينتج عنها مِن مصالح ومفاسد، وبيان ذلك فيما يلي:


أولاً: يُقصد بالمفاوضات: مبادلةُ الرّأي وتقليبُه بين طرفين للوُصُول إلى تَسْويَةٍ واتّفاقٍ على أمرٍ ما.
والأصلُ أنَّ اللّقاء بالأعداء والكفار والجلوس معهم للحوار لمفاوضتهم جائزٌ لا حرج فيه، وقد تفاوض النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش إبَّان صلح الحديبية ولم تزل الرسل والمراسلات بينهم للتفاوض على الصلح، وأرسل لهم عثمان بن عفان رضي الله عنه ليفاوضَهم، وتفاوض صلى الله عليه وسلم قبل ذلك مع رؤساء غطفان في وقت حصار الأحزاب للمدينة.
وإذا جاز عقدُ المعاهدات والمصالحات مع الأعداء كما دلّت عليه الآيات والأحاديث جاز ما يكون وسيلةً وطريقاً لتحصيلها والوصول إليها مِن المفاوضات والجلوس مع الكفار، وإرسال المندوبين إليهم للتفاهم فيما يتعلّق بها مِن شروط وآليات وغيرها؛ لأنّ المعاهدات لا تحصل بدون هذه المفاوضات والمحادثات.
وقد سبق بيانُ أحكام عقد الهدن والمصالحات في فتوى: حكم عقد الهُدن والمصالحات مع النّظام السوري.
(والمعيار الضابط) لحكم المفاوضات هو "تحقيق المصلحة ودرء المفسدة"، فكلُّ تفاوضٍ ينشأ عنه تحقيقُ المصلحة فهو جائز ومشروع، وكلُّ تفاوضٍ لا يحقّق المصلحة فهو مرفوض ومردود.
وهذه المصلحةُ تختلف مِن وقتٍ إلى آخر، ومكان إلى مكان بحسب الظروف، فما كان مقبولاً في وقتٍ قد لا يكون مقبولاً في وقتٍ آخر وبالعكس، وما يُقبل في حال الضّعف يختلف عما يمكن قَبولُه في حال القوة واشتداد البأس، وذلك تبعاً للمصلحة.


ثانيًا: إذا كان المسلمون في قوَّة وعزٍّ وتمكين، فلا يجوز لهم التنازل في المفاوضات عن شيء مِن الحقوق أو الواجبات، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35].
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "ومعنى الشَّرطِ في الآية أنَّ الأمرَ بالصُّلحِ مقيّدٌ بما إذا كان الأحظُّ للإسلام المصالحةَ. أمّا إذا كان الإسلامُ ظاهرًا على الكفرِ، ولم تظهر المصلحةُ في المصالحةِ فلا".
وقال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن": "فإذا كان المسلمون على عِزّةٍ وقوّةٍ ومنَعةٍ، وجماعةٍ عديدةٍ، وشدّةٍ شديدةٍ فلا صلحَ".
وأيُّ شرطٍ مخالفٍ للشّرع في هذه الحال فهو باطلٌ غيرُ لازم للمسلمين؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطلٌ وإن اشترط مائةَ شرطٍ، شرطُ الله أحقُّ وأوثق) متّفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "المرادُ بما ليس في كتاب اللهِ: ما خالف كتابَ الله ... قال ابن خزيمة: ... لا أنّ كلَّ مَن شرط شرطًا لم ينطق به الكتابُ يبطل".
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "وهذا الحديثُ الشريف المستفيضُ الذي اتّفق العلماء على تلقّيه بالقَبولِ اتّفقوا على أنّه عام في الشّروط في جميع العقود".
وقال ابنُ قدامة في "المغني": "والشروطُ في عقد الهدنة تنقسم قسمين: صحيحٌ، مثلُ أن يشترط عليهم مالاً، أو معونةَ المسلمين عند حاجتهم إليهم.. الثاني: شرطٌ فاسدٌ، مثلُ أن يشترط ردّ النساء، أو مهورهنّ، أو ردَّ سلاحهم، أو إعطاءَهم شيئاً مِن سلاحنا، أو مِن آلات الحرب، أو يشترط لهم مالاً في موضعٍ لا يجوز بذلُه، أو يشترط نقضَها متى شاءوا ..، فهذه كلُّها شروطٌ فاسدةٌ، لا يجوز الوفاء بها".
وعليه: فليس للمفاوضين في هذه الحال التنازلُ عن شيءٍ مِن المصالح، أو يقبلوا بشيء مِن المفاسد الواقعةٍ مع قدرتهم على تحقيق ما هو أفضل مِنه؛ لأنّ تفويضَهم بالمحادثات إنّما كان لرعاية المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها  قدرَ الوسع والطاقة، فلا يتنازلون عن مصلحةٍ إلا وقد حقّقوا ما هو أفضل منها، ولا يقبلون بمفسدةٍ إلا وقد دفعوا عن الشعب ما هو شرٌّ منها.


ثالثًا: أمّا إذا كان المسلمون في ضعفٍ وعجزٍ وقِلّةٍ، فإنّ التفاوضَ في هذه الحال يكون وفق "فقه المُمْكن"، فكلُّ ما أمكنهم تحقيقُه مِن الأحكام والمصالح الشرعية ودرؤه مِن المفاسد وجب عليهم أن يحافظوا عليه، وما عجَزوا عنه كانوا معذورين في العجز عنه، وما تعارض مِن المصالح قدّموا أعظمَه، وإن فوّت ما هو دونَه، وما تعارض مِن المفاسد دفعوا أعظمَه، وإن ارتكبوا ما هو أخفُّ منه.
قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
ومما يمكن أن يُستدل به على ذلك ما وقع في صلح الحديبية؛ فقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يُكتَب "بسم الله الرحمن الرحيم"، وألا يُذكر أنه رسولُ الله، بل إنه قبِلَ اقتراحَ سهيل بن عمرو - ممثّلِ المشركين- : أن " لا يأتيك منا رجلٌ، وإن كان على دينِك، إلا رددتَه إلينا".
وقد أراد صلى الله عليه وسلم أن يصالح غطفان على الرجوع عن المدينة أثناء غزوة الأحزاب مقابلَ بعض ثمار المدينة كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره.
قال ابنُ العربي في "أحكام القرآن": "وإن كان للمسلمين مصلحة في الصّلح؛ لانتفاعٍ يُجلب به، أو ضرٍّ يندفع بسببه: فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه، وأن يجيبوا إذا دُعوا إليه".
بل قد يكون الترجيحُ بين عدّةِ مفاسد: فيجوز الأخذُ بالأخف منها، وإن احتوى على مخالفة شرعية؛ دفعاً للمفسدةِ الأعظم.
قال العزُّ بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام": "إذا اجتمعت المفاسدُ المحضةُ فإن أمكن درؤها درأنا، وإنْ تعذّر درءُ الجميع درأنا الأفسدَ فالأفسد، والأرذل فالأرذل".
وقال: "يجوز الإعانةُ على المعصيةِ لا لكونها معصيةً، بل لكونها وسيلةً إلى تحصيل المصلحة الرّاجحة، وكذلك إذا حصل بالإعانةِ مصلحةٌ تربو على مصلحةِ تفويت المفسدة...
ومبنى هذه المسائلِ كلِّها على الضّروراتِ، ومسيس الحاجات، وقد يجوز في حال الاضطرار ما لا يجوز في حال الاختيار".
وقال ابن رجب في "القواعد": "إذا اجتمع للمضطرِّ محرَّمانِ، كلٌّ منهما لا يبُاح بدون الضّرورةِ، وجب تقديمُ أخفِّهما مفسدةً، وأقلِّهما ضرراً".
وقد أشار ابنُ تيمية إلى خطأ القول بتجنّب التّنازل عن بعض الحقوق لحفظ بقيتها، فقال في "مجموع الفتاوى": "..والذي ينهى عن ذلك لئلا يقع ظلمٌ قليلٌ لو قبل الناسُ منه تَضاعفَ الظُّلمُ والفسادُ عليهم، فهم بمنزلة مَن كانوا في طريقٍ وخرج عليهم قطّاعُ الطريق، فإن لم يُرضوهم ببعض المال أخذوا أموالهم وقتلوهم، فمَن قال لتلك القافلة: لا يحلُّ لكم أنْ تُعطوا لهؤلاء شيئاً مِن الأموال التي معكم للنّاس، فإنه يقصد بهذا حفظَ ذلك القليل الذي ينهى عن دفعه، ولكن لو عملوا بما قال لهم ذهب القليلُ والكثيرُ، وسُلبوا مع ذلك، فهذا مما لا يشير به عاقلٌ، فضلاً أنْ تأتي به الشّرائعُ؛ فإنَّ الله تعالى بعث الرُّسلَ لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان".
ولذلك ذكر أهلُ العلم أنّ المسلمين إذا اضطُرّوا إلى بعض الشّروط الفاسدة جاز لهم القبول بها دفعاً لما هو أعظمُ منها مِن المفاسد، ومِن ذلك إذا شرط الأعداءُ على المسلمين أن يدفعوا إليهم أموالاً، ومعلومٌ أنهم قد يتقوّون بها على حرب المسلمين.
قال الإمام الشافعي في "الأم": "فلا بأس أن يُعطوا في تلك الحال -أي ضعف المسلمين، وخوفِ هلاكهم بالقتال- شيئاً مِن أموالهم على أن يتخلّصوا مِن المشركين؛ لأنه مِن معاني الضّرورات، يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها".
وجاء في "شرح السير الكبير" : "ولا بأس بدفع بعضِ المال على سبيل الدّفع عن البعض إذا خاف ذهابَ الكلّ، فأمّا إذا كان بالمسلمين قوّةٌ عليهم فإنه لا يجوز الموادعةُ بهذه الصّفة".
وهذا التنازل لا يعد مخالفاً لما ذكره الفقهاءُ مِن شروط المصالحات والمفاوضات والمعاهدات؛ لأنّ هذه حالُ رخصةٍ وضرورةٍ.
قال ابن القيم رحمه اللَّه في "إعلام الموقعين": "كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط والوجوب إنّما هو في حال القدرة والسَّعَة، لا في حال الضّرورة والعجز، فالإفتاءُ بها لا ينافي نصَّ الشّارع، ولا قولَ الأئمة، وغايةُ المفتي بها أنه يقيّد مطلقَ كلام الشارع بقواعدِ شريعتِه وأصولها، ومطلقَ كلامِ الأئمة بقواعدِهم وأصولهم، فالمفتي بها موافقٌ لأصول الشّرع وقواعده، ولقواعد الأئمة".

 

رابعاً: مِن الضّوابط التي تنبغي مراعاتها في إجراء المحادثات والمفاوضات مع الأعداء لضبط تقدير المصالح والمفاسد والاتفاقيات الأمور التالية:
1- أنْ يضمَّ الوفدُ مَن يوثق برأيه ومشورته، ممّن هو خبيرٌ بواقع الثورة، والخيارات المتاحة، عارفٌ بأساليب التّفاوض، وطرق الوصول إلى المقصود، والإقناع به، متصفٌ بالنّباهة وسرعة البديهة، وعمق الفهم لأغراض العدو ومناوراته، وأنْ يبذل الجهدَ في الاتصال والجلوس مع ممثلي شرائح الشّعب السوري مِن المجاهدين والعلماء وغيرهم قبل مباشرة المفاوضات لمناقشة طرقِ تحقيقِ مصالح الشّعب السّوري، ودرء المفاسد عنه، وحدود ما يمكن التنازل عنه، والمقابل الذي سيحصل عليه الشّعب، والضّمانات اللازمة وغير ذلك.
2- أن يكون الوفدُ مفوَّضًا مِن ممثلي الشّعب السّوري مِن المؤسّسات الشّرعية والفصائل المجاهدة والجهات المؤثرة مِن الهيئات والفعاليات الشّعبية؛ لأنّ التفاوضَ مِن الشؤون العامة التي تتعلّق بواقع الشّعب ومستقبله، فإنه إذا فاوض عن السّوريين مِن غير تفويضٍ  كان مفتئتاً عليهم، مدّعياً لصلاحياتٍ ليست له.
3- أن يكون قرارُه صادرًا عن مشورةٍ جماعية فيما يَعرِض له مِن مسائلَ، فلا يتفرد به دون سائر الناس؛ لأنّ هذا يتعلّق بعموم الشّعبِ، لا بعضِ أفراده.
وإذا كان اللهُ أمر نبيَّه محمّداً صلى الله عليه وسلم المؤيَّد بالوحي بمشاورة أصحابه فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} [آل عمران: 159]، فغيرُه مِن باب أولى، فإنّ ملاقحة العقول، وأخْذَ آراء الرجال، لها أثرٌ محمودٌ في الوصول إلى أصحّ الاراءِ، وأنسب الاختيارات بإذن الله عز جل، ولذا كان مما أثنى الله به على المسلمين أن قال: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} [الشورى: 38].
فلا بدّ مِن مشاورة أهلِ الحلِّ والعقد والرأي والفكر والعلم.
4- الانطلاق في المفاوضات مِن الثوابت الثورية المتّفق عليها مِن عموم الشعب والمؤسسات الثورية، وعدم التّفريط فيها، كالمبادئ الخمسة التي رعاها المجلس الإسلامي السّوري.
5- مِن قواعد المفاوضات أن يطلب المسلمون أكثرَ مما يرضون به ليحصلوا على ما يريدون.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه "السير الكبير": "وينبغي للكاتب أن يكتب ابتداءً على أشدّ ما يكون مِن الأشياء، يعني على أحوط الوجوه، فإنْ كره المسلمون مِن ذلك شيئا ألْقَوه مِن الكتاب؛ لأنّ إلقاءَ ما يريدون إلقاءه أهونُ عليهم مِن زيادةِ ما يريدون زيادتَه، ولعلّ أهلَ الحرب لا يقبلون إلا الأشدّ، فلهذا يكتب في الابتداء بهذه الصفة، فإن قبلوا اليسيرَ منه ألقى المسلمون منه ما أحبّوا".
6- الاهتمام بصياغة نقاط الاتفاقية وتحريرها حتى لا يكون فيها ممسَك ضدّ المسلمين في مخالفة ما تضمنته الوثيقة، أو تأويله على وجهٍ لم يقع الاتفاق عليه.

جاء في "شرح السير الكبير": " ..ثم المقصود به التوثق والاحتياط، فينبغي أن يكتب على أحوط الوجوه، ويتحرز فيه مِن طعن كلِّ طاعن..".


خامساً: يتحتّم على المشاركين في المفاوضات أن يأخذوا حِذْرَهم مِن مكايد العدو، ومِن المزالق التي تؤدّي إلى ضياع المصالح المرجوّة مِن المحادثات، وأن يعملوا على اعتبار الظّروف المواتية لتحقيق الهدف المقصود، ومما يدخل في ذلك:
1- أن لا يستغل العدوُّ المفاوضات لتمرير أهدافه في خلط الأوراق والتّلاعب بها، وكسب الوقت، وإطالة أمد المحنة والقضية بما يؤدي إلى حصول الملل واليأس مِن الوصول إلى الحلّ المنشود ممّا يزيد الضّغوط الشّعبية والخارجية لقبول أي حلّ، أو التّنازل عن المزيد مِن الحقوق، ويترك مجالاً للتّكهّنات وإساءة الظّنون وبروز الخلاف بين المفاوضين ومختلف طبقات الشّعب، أو بين المفاوضين أنفسهم .
أو أن يكون الاستمرار في المفاوضات واللّقاءات لأجل التنازل عما اتُّفق عليه في مفاوضاتٍ سابقةٍ.
2- أن لا تعود المفاوضاتُ بالضّرر على المجاهدين في أرض المعركة، أو تؤدّي إلى الفتّ في عضدهم، ولا تكون المشاركة في التّفاوض سبباً لتفرّق الكلمة، ووقوع الخلاف والانقسام، فضلاً عن أن تتسبّب في تبادل الاتهامات بالتّخوين والعمالة وغير ذلك، ولا بدّ مِن الوعي بأنّ تقدير المصلحة في المشاركة في المفاوضات وإدارتها يحتمل قدراً مِن الاجتهاد، واختلاف وجهات النّظر، فلا يجوز أن تكون موجِبةً للتّنازع المذموم.
3- المطالبة بوسطاء يتمتعون بالنّزاهة والحياد قدرَ المستطاع، وإذا كان رعاةُ التّفاوض لا يتمتّعون بتلك النّزاهة أو عُرفوا بعداوتهم للشّعب فلا بدّ مِن مشاركة عددٍ مِن الدّول الدّاعمة للشّعب السّوري وقضيته ليتحقّق شيءٌ مِن التّوازن المهم لسير عملية التفاوض بشكلٍ مقبول.
ووجودُ بعض الدول أو الجهات المعادية للشعب السوري المتآمرة عليه، أو المشاركة في قتله في المفاوضات، أو قيامهم بدور الضّامن لتحقيق الاتفاق لا يمنع مِن جواز الذّهاب للمفاوضات؛ لأنّ التّفاوض إنما يكون مع الأعداء على اختلاف صورهم .

4- مِن المهم أن يرافق المفاوضات مِن الإجراءات ما يدلّ على صدق النية في التّفاوض والوصول إلى حلّ، ومِن ذلك الإطلاق الفوري للمعتقلين والأسرى، والتّوقّف عن قتل الأبرياء، والقصف الجوي للأحياء السّكنية، وتهجير أهالي المناطق المحاصرة، وغير ذلك مِن المطالب الملحّة.
5- أن تكون المفاوضات مجدولة زمنيًا، محدّدة النقاط، فلا تُترك مفتوحةً مِن غير تحديد بما يؤدي إلى عدم تناول النّقاط المهمّة، ومِن ثمّ فشل المحادثات.
6- عدم الخضوع للضّغوط التي تُمارَس على أعضاء الوفد للتّنازل عمّا لا يحقّ لهم شرعاً التّنازل عنه مِن حقوق الشعب ومبادئه، والحذر مِن التنازل عن بعض المهمّات مقابل مصالح قليلة لا تستحق التّفاوض لأجلها، أو لأجل مصالح موهومة، فالواجب قبل الدخول في أيّ عملية تفاوض ضبط مضامين التفاوض.

 

وختاماً: فينبغي على الوفد أن لا يُفاوض مفاوضةَ المهزوم الذّليل، بل يفاوض مفاوضة العزيز المفتخر بثورته ومنجزاتها، كما ينبغي على كافة المؤسسات الثورية مراقبة أعمال وفود التّفاوض، والتواصل معها بالنُّصح والمشورة، والاحتساب بالنّصيحة في حال حدوث أخطاء، قال صلى الله عليه وسلم: (لتأمرُنّ بالمعروفِ، ولَتنهَوُنّ عن المنكر أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عقاباً مِنه، ثم تَدْعونَه فلا يُستجابُ لكم) رواه الترمذي.
نسأل اللهَ سبحانه وتعالى أن ينصر شعبَنا في جهاده العسكري وجهاده السياسي والتفاوضي، وأن يوحّد كلمتَه، ويرصّ صفوفَه، ويجمعَه على الخير والهدى والرّشد.

 


https://islamicsham.org