سوريا.. هل تتجه إلى التقسيم؟
الكاتب : أسرة التحرير
الخميس 5 يناير 2017 م
عدد الزيارات : 3069

 

سوريا.. هل تتجه إلى التقسيم؟


مع بدايات القرن الماضي، ومع سقوط الخلافة العثمانية تعرضت البلاد العربية للتقسيم وفق اتفاقية سايكس-بيكو الشهيرة.. وعلى مر السنين ترسّخت هذه الحدود، وضربت جذورها في الأراضي وفي القلوب، وبعد أن كان العرب والمسلمون أمة واحدة، أصبحوا أمما متفرقة مشتتة الجهود والقوى.
بعد 100 سنة تماما من هذه الاتفاقية المشؤومة، وبعد تكالب الشرق والغرب على القضاء على الربيع العربي، ظهرت إرهاصات بحدوث مزيد من التقسيم في بعض بلاد هذا الربيع كاليمن وليبيا وسوريا.
هنا تبرز بعض التساؤلات: هل (التقسيم) حقيقة واقعة.. أم أنه مجرد تكهنات؟ وإن كان حقيقة، فما سبب العودة للتقسيم حاليا بعد 100 سنة تقريبا من التقسيم الأول؟
أين يكمن دور السياسيين في إفشال مخططات التهجير والتقسيم؟ وكيف للسوريين عموما أن يُفشلوا هذه المخططات الخطيرة؟

 


في البداية يقول الدكتور رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، لمجلة (نور الشام): "ليست هناك سياسة رسمية لفرض التقسيم في سوريا، والمجتمع الدولي يتحدث في العلن عن دعم بقاء سوريا موحدة ورفض مشاريع التقسيم، إلا أن الأمر يختلف على أرض الواقع، فهنالك مشاريع يتم التسويق لها في الأروقة الغربية تارة تحت شعار" حماية الأقليات" وتارة أخرى تحت مفهوم: "اللامركزية"، وفي مقابل سياسات التهجير القسري والفرز الطائفي التي تقوم بها القوات الروسية والإيرانية والأسدية؛ نتابع جهود دول غربية لتمكين بعض المجموعات الإثنية والطائفية ودفعها للمطالبة بالانفصال تحت شعار الفيدرالية".
ويشير الدكتور حجاب إلى أن أغلب هذه المشاريع تتجه نحو تكرار النموذج العراقي في الداخل السوري، بحيث يفرض التقسيم على أرض الواقع دون الإعلان عن كيانات مستقلة، مضيفا: "وهناك تيار واسع في دوائر صنع القرار الغربي ترغب في فرض نظام "ترويكا" بصورة أو بأخرى في سوريا دون النظر إلى التعقيدات المرتبطة بهذا المشروع أو إلى المخاطر المجتمعية الكامنة؛ فالتركيبة الجغرافية والسكانية لسوريا تختلف عن تركيبة دول الجوار، ولا نقبل من أي جهة خارجية أن تتخذ قراراً مصيرياً نيابة عن السوريين".
أما الأستاذ محمد علوش عضو الهيئة العليا للمفاوضات السورية، فيقول حول هذه النقطة: "في سوريا لا يوجد تقسيم بمعنى التقسيم إنما هناك ما يمكن تسميته بـ "كانتونات عسكرية" متصارع عليها بين قوات الجيش الحر التي تمثل التشكيلات الثورية، وقوات النظام، وداعش، والـ PYD، الصراع بين هذه القوى مستمر للسيطرة على مناطق جديدة، الطرف الوحيد الذي يريد الإبقاء على وضع التقسيم في هذه المرحلة هو PYD، مع التأكيد على أن النظام لديه خطة  B تتمثل في الإنحسار إلى الكانتون العلوي أو مايسمى بـ "سوريا المفيدة"  في حال لم يستطع إخماد الثورة".
ويؤكد علوش أنه في حال تم تكريس التقسيم - سواء من ناحية الأكراد أو من ناحية مشروع سوريا المفيدة أو  الكانتون العلوي - فإن لهذا الأمر تداعيات كبرى ستعم المنطقة بأسرها.

 


ما تلك التداعيات؟
يجيب علوش قائلا: "التأثير سيكون كارثياً، وخاصة في حال حدوثه على أساس طائفي؛ لأنه سيكون مدعاة للطوائف في الدول المجاورة للمطالبة بالحكم الذاتي الأمر الذي سيترتب عليه تداعيات على مستوى الأمن والسلم في المنطقة، وسيطال هذا الأثر إيران أيضا، وهو ما يفسر لنا سعيها لأن يكون سيناريو التقسيم هو  الخطة B  البديلة عن السيطرة على كامل الأراضي السورية، وهي الآن تجهز الأرضية المناسبة لذلك عبر إفراغ الطوق المحيط بدمشق من سكانه الأصليين وتوطين سكان من الطائفة الشيعية المستودرة وذلك عبر منح هؤلاء الجنسية السورية وتقديم تسهيلات لهم ومساعدتهم في إفراغ العقارات والبيوت من الأحياء الدمشقية، حتى طال الأمر حي باب توما ذي الأغلبية المسيحية بإجبارهم على البيع والخروج من دمشق.
وكذلك الأمر بالنسبة للتقسيم على أساس قومي سيترتب عليه نتائج وتداعيات سلبية على دول المنطقة".
إذن: هل أخطأ الثوار في حمص وداريا وغيرهما بالخروج من مناطقهم؟
يقول علوش: "بالنسبة لخروج الفصائل من المدن، نعتقد أن تحرير المدن حمّل الثوار مسؤولية إدراتها وتخديم سكانها، وتلك المسؤولية كانت قوى الثورة في غنى عنها. وقد أدى ذلك إلى تحول الصراع من حرب عصابات كانت الأفضلية فيها للثوار  والمجاهدين، إلى حرب جيوش باتت الأفضلية فيها للنظام الذي يملك كثافة نارية كبرى ممثلة بالطائرات وصواريخ الأرض أرض، الأمر الذي مكنّه من تدمير المناطق المحررة عبر اتباعه سياسة الأرض المحروقة، بالإضافة إلى حصار  أكثر  من 28 منطقة على مساحة الأرض السورية، ما يعد جريمة حرب ضد الإنسانية مكتملة الأوصافويضيف: "لقد أدى ذلك إلى جريمة التهجير القسري وهذا يعد جريمة حرب أخرى أدت إلى تفريغ تلك المناطق من أهلها وإحلال مستوطنين آخرين في خطة لإحداث تغيير ديموغرافي لمناطق الثوار  وتهجير الحاضنة الشعبية الداعمة للثورة وتشتيتها، بالإضافة لتغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق المحيطة بدمشق".
ويؤكد محمد علوش أن معظم الدول الكبرى غير منفتحة على موضوع التقسيم الآن، لكنه يضيف: "لدينا معلومات تتحدث عن اتفاق سيتم الوصول إليه في العام القادم بين تلك الدول، ولكننا حتى اللحظة لا نملك تفاصيل عن ذلك الاتفاق".

الغرب يدرك مخاطر التقسيم.. ولكن؟

مع بدايات القرن الماضي، ومع سقوط الحكم العثماني تعرضت البلاد العربية للتقسيم وفق اتفاقية سايكس-بيكو الشهيرة.. ما سبب العودة للتقسيم حاليا بعد 100 سنة تقريبا من التقسيم الأول؟
الدكتور رياض حجاب يرى أن الصورة تختلف حالياً؛ "فالدول الغربية لا تتحدث عن مشاريع "تقسيم" اليوم، بل تتبنى أطروحات بديلة أبرزها مفهوم: "التجزئة داخل الحدود"، والذي ينطلق من إدراك مخاطر محاولة تغيير الخارطة المعاصرة للشرق الأوسط، وما يمكن أن ينتج عنها من حروب مدمرة وصراعات يصعب السيطرة عليها، كما أنها تنطلق في الوقت نفسه من إدراك فارق الوعي لدى الشعوب العربية بين الأمس واليوم؛ فالحراك الشعبي وتنامي منظمات المجتمع المدني وامتلاك الشعوب أدوات للتعبير عن نفسها يجعل محاولات فرض خارطة جديدة أمراً متعذراً، ما يدفع بهذه الدول للتواصل مع بعض المجموعات الإثنية والطائفية ودفعها للمطالبة بخصوصيات داخل الكيان الجمهوري، وتخويفها من مخاطر حكم "الأغلبية السنية"، والتعهد بحمايتها، والعمل على تسليحها وتعزيز النزعات الانفصالية لديها لإضعاف الحكم المركزي.
لكن هذا "الإدراك الغربي" لمخاطر التقسيم ألا يمكن أن يتأثر بفوز المرشح دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، في ظل ما عرف عنه من عداء واضح للعرب والمسلمين إضافة إلى ما يوصف به في كثير من المحافل بـ "التهور والعنجهية
يقول الدكتور رياض حجاب: "الإجابة على هذا السؤال من عدة محاور:
أولاً: لا أميل إلى تضخيم دور "ترامب"؛ فهو ابن الحزب الجمهوري الذي حكم الولايات المتحدة لعقود طويلة، والحكم في أمريكا يخضع للمؤسسات وليس للأفراد، علينا أن نقرأ سياسات الحزب الجمهوري في الفترات الماضية، وأن نبحث عن أهم توجهاته في المرحلة القادمة.
ثانياً: من المبكر إصدار أي حكم على إدارة ترامب قبل تشكيلها، مع التحذير من مغبة اعتبار مناكفات المرحلة الانتخابية تصريحات رسمية نحاول من خلالها تحديد توجهات الإدارة الجديدة، هنالك معايير واضحة ودقيقة لاستشراف المرحلة المقبلة، وعلينا أن ننتظر ونرى كيف سيشكل ترامب إدارته ومن سيكون أبرز أعضائها.
ثالثاً: علينا ألا نغفل التطورات الإقليمية والدولية الأخرى عندما نحاول الحكم على السياسة الأمريكية، فأوروبا تبحث عن دور جديد في الأمم المتحدة يدفعها في ذلك قرب تولي أمين عام جديد، في حين تعاني الاستراتيجيات الروسية والإيرانية عقبات بالغة تحول دون تحقيق أهدافها في سوريا، ويسود الشعور في الأوساط الدولية أن الوضع في سوريا قد بلغ حداً لا يمكن تحمله، وأنه لا بد من وضع حد للجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه، بما في ذلك سياسات الحصار والتجويع والتأجيج الطائفي والتهجير القسري".
وإذا كان المقاتلون على الأرض يكافحون كل المخططات الإجرامية للنظام وداعميه، بما في ذلك مخططات التهجير القسري، فما دور السياسيين في ذلك؟
يقول الدكتور رياض حجاب مجيبا: "نحن ندعو لإيقاف سياسات التهجير القسري والفصل العنصري والتقسيم الإثني والطائفي، ونحذر في اتصالاتنا الدولية وجهودنا الدبلوماسية في مختلف المحافل الدولية من مخاطر إثارة الاحتقان الطائفي وتأجيج التوتر المجتمعي في سوريا تحت أية ذريعة، ونعول بصورة أساسية على وعي الشعب السوري الذي يتسم بالتسامح وينزع إلى التعايش السلمي، وينبذ بطبعه التعصب والتطرف.
كما نذكّر الدول الغربية بأن المحاولات التي بذلت في الفترة 1920-1936 لإنشاء كانتونات طائفية في سوريا قد فشلت فشلت ذريعاً، وكذلك سيكون مصير محاولات التقسيم ومشاريع التجزئة التي تنبع من الجهل بطبيعة المجتمع السوري ونبذه لتلك السياسات، ولذلك فإنه من الملاحظ أن القوى التي تعمل على تطبيق مثل هذه المشاريع هي قوى خارجية وليست محلية، حيث تعمل إيران عبر ميلشياتها الطائفية على تعزيز الاحتقان الطائفي والمذهبي والمجتمعي وتنفيذ سياسات التهجير القسري من خلال قطعان المرتزقة التي تجلبهم من الخارج لتحقيق هذه السياسات البغيضة، في حين تشتكي الدول الغربية من عدم وجود حراك منظم في صفوف المجموعات الإثنية والمذهبية للمطالبة بالانفصال.
ويكشف ذلك عن جهل هذه القوى بطبيعة المجتمع السوري، وعن تغليب مصالحها والسعي لمد نفوذها تحت شعارات زائفة تعد فيها الأقليات بالحماية.
ويضيف الدكتور حجاب: "لا بد من التأكيد على أن سوريا تختلف في تركيبتها المجتمعية وطبيعتها الجيوسياسية عن لبنان والعراق، ولا يمكن القول أن مفاهيم التروكيا والتجزئة داخل الحدود قد حققت الاستقرار لهذه الدول".
وأين المنظمات السياسة والحقوقية العالمية عن مأساة التهجير؟
يجيب: "أعتقد أن الشعب السوري هو الذي سيوقف هذه المشاريع وليست المنظمات السياسية والحقوقية العالمية، ولذلك فنحن ندفع باتجاه استعادة القرار الوطني بعد أن رهن بشار الأسد مصير سوريا بيد موسكو وطهران".

الحل بيدنا

يتفق ضيفانا على أن إفشال مخطط التهجير والتقسيم بيد السوريين أنفسهم، إذ يقول الأستاذ محمد علوش: "لابد لقوى الثورة العسكرية والسياسية أن تتفق على قرار واحد، وأن تعيد التشكيلات العسكرية الثورية تقييم المرحلة، وأن تعمل على ضرب النظام في نقاطه الحساسة؛ فتلك الأمور من شأنها إعادة ترجيح كفة الثوار في ظل الوضع الراهن الذي يتلقى فيه بشار الأسد الدعم المباشر من إيران وروسيا".
بينما يقول الدكتور رياض حجاب: "يمكننا إفشال مخطط التقسيم من خلال محورين رئيسين :
أولهما:  الوعي، فهو أفضل وسيلة لإفشال هذه المشاريع، علينا قراءة تاريخنا المعاصر، ودراسة مراحل تكوين الجمهورية السورية والمشكلات المجتمعية والجغرافية التي واجهتها الدولة في مراحل التأسيس، والعمل على الاستفادة من أخطاء الماضي لإعادة إعمار بلادنا التي مزقتها الحرب.
أما الثاني فهو: تعزيز الهوية الوطنية باعتبارها الوسيلة الأفضل لتحقيق المصالحة الوطنية، والطريق الأقصر لمنع بعض القوى الخارجية من تحقيق مشاريعها التفتيتية في سوريا".


https://islamicsham.org