التقرير الإستراتيجي (14) الميزان العسكري 1- 15 مايو / أيار 2012
الكاتب : المكتب السياسي - هيئة الشام الإسلامية
الأربعاء 16 مايو 2012 م
عدد الزيارات : 25364

تقرير أسبوعي تعدّه وحدة الرّصد بالمكتب السياسي في هيئة الشام الإسلامية، يتضمن معلومات مفصلة عن التطورات العسكرية والمواقف الدولية من الأحداث الجارية في سوريا، ويعتمد على تقارير عسكرية غربية، ودراسات مراكز الفكر، وغيرها من المواد التي لا تنشر في وسائل الإعلام.

أولاً: التطورات الميدانية

شهدت سوريا في الأسبوعين الماضيين تطورين مهمين:

أولهما: تزايد ظاهرة التفجيرات والعلميات التي استهدفت مراكز أمنية ومواقع حساسة في حلب وإدلب، وأخيراً في دمشق، مما أثار موجة استنكار دولية، وتبادل اتهامات بين الحكومة والمعارضة حول من يقف خلف هذه التفجيرات.

أما التطور الآخر:فيتمثل في عودة تدفق الأسلحة إلى الجيش الحر، حيث أعلن الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن في 10 مايو 2012 أن الأسلحة تتدفق إلى سوريا من لبنان، مشيراً إلى عدم وجود رقابة صارمة، واستحالة إيقاف عمليات التهريب في ظل الظروف الحالية.

وتؤكد مصادر ميدانية أن وتيرة تهريب البنادق والذخيرة من لبنان والعراق قد زادت في الآونة الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع في أسعارها، حيث وصلت قيمة البندقية "أي كي 47" روسية الصنع إلى نحو ألفي دولار، وزاد سعر الرصاصة الواحدة عن أربعة دولارات، وهو ضعف أمثال السعر العادي في الأسواق المفتوحة.

وقد أثارت عملية الكشف عن شحنة الأسلحة الضخمة القادمة من ليبيا لدعم الثوار في سوريا بوادر أزمة دفعت بمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان إلى زيارة لبنان في الرابع من شهر مايو الجاري، حيث التقى الرئاسات الثلاث وقيادات لبنانية أخرى، على رأسهم أمين الجميل وفؤاد السنيورة، إلا أن تفاصيل الزيارة قد أحيطت بكتمان شديد.

وكانت وزارة الخارجية الروسية قد استبقت زيارة فيلتمان بتصريح شديد اللهجة دعت فيه الرئيس السوري إلى: "ضرب الإرهابيين بيد من حديد"، وكشف مصدر مطلع أن تصعيد اللهجة الروسية لم يأت بالصدفة وإنما جاء نتيجة لمعلومات مؤكدة بأن بعض الدول العربية قد عادت إلى تسليح الجيش الحر بعد أن توقفت لفترة من الزمن استجابة لضغوط أمريكية وغربية، ومن شأن ذلك أن يسهم في إفشال مهمة عنان التي يراهن الروس عليها كثيراً.

وبالتالي فإن دعوة الروس نظام دمشق لضرب الإرهاب بيد من حديد لم تكن سوى تحذيراً شديد اللهجة للدول العربية المؤيدة للجيش الحر، وتنبيهاً للقيادة الأمريكية التي لا ترغب في دعم المعارضة المسلحة.

وتشير المصادر إلى أن الحراك الأمريكي في لبنان عبر رسالة الثناء التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية إلى الرئيس اللبناني ميشيل سليمان، ومن ثم زيارة جيفري فيلتمان تأتي على خلفية محاولة احتواء الأزمة التي كان من الممكن أن تندلع بسبب الباخرة التي كانت تقل سلاحاً متطوراً للثوار السوريين، خصوصاً وأن حجم الصفقة وقيمتها المادية ونوعية السلاح كانت استثنائية، مما يدل على ضلوع دول مجاورة في هذه الصفقة، وتردد في لبنان أن الهدف من زيارة فيلتمان هو إقناع القيادة اللبنانية بعدم تسليم كوفي عنان أو الدبلوماسيين الروس محضر التحقيق النيابي المتعلق بتفاصيل الباخرة والجهة اللبنانية التي كانت ستتسلم السلاح وتعيد تهريبه إلى الداخل السوري.

ثانياً: تطورات الميزان العسكري

أوعزت إيران إلى قيادات "حزب الله" إرسال شحنات ذخيرة من مخزونها لدعم الفرق السورية التابعة لنظام أسد في المناطق الحدودية المجاورة، وجاء ذلك كرد فعل على محاولات جهات خارجية تسليح الجيش الحر بعد توقف دام عدة أسابيع.

كما تحدثت المصادر عن قيام إيران بنشر مجموعة كاميرات أمنية على طول الحدود السورية اللبنانية، وكذلك في المداخل الرئيسة والمواقع الحساسة بالعاصمة دمشق، وذلك بهدف رصد عمليات التشكيلات الجديدة المعارضة التي أصبحت نشطة داخل العاصمة وفي محيطها، ولمساعدة عناصر النظام الذين أنهكوا جراء نشرهم بكثافة ولفترات طويلة لحراسة المواقع الإستراتيجية في العاصمة السورية خلال الأيام الماضية، والحاجة إلى هذه العناصر الاستخباراتية في أماكن أخرى مشتعلة من البلاد.

أما الهدف الثالث فيتمثل في محاولة رصد أنشطة فريق المراقبين التابع للأمم المتحدة، وتتبع من يتواصل معهم، ويقدم لهم المعلومات في دمشق دون الحاجة إلى مرافقتهم أو البقاء إلى جانبهم طوال الوقت.

وأكدت مصادر أمنية أن الإدارة الأمريكية قد طلبت من الرئيس اللبناني ميشيل سليمان شخصياً يوم الخميس 10 مايو 2012، العمل على وقف عمليات التهريب بكافة أنواعها، حيث أرسلت إليه خطاباً مفاده أن عمليات تهريب الأسلحة التي يقوم بها "حزب الله" إلى سوريا تعد مخالفة لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

وأكدت المصادر أن تبادل الأسلحة بين سوريا ولبنان مستمر منذ نحو ست سنوات، وقد أصبح أمراً اعتيادياً بالنسبة لقوات حفظ السلام "يونيفيل" التابعة للأمم المتحدة والتي لم تتدخل لإيقافه في يوم من الأيام، إلا أن هذا الخطاب جاء ليؤكد أن الإدارة الأمريكية تتخذ خطوات جادة لتضييق الخناق على النظام، والعمل على احتواء الأزمة ومنع انتشارها إلى الدول المجاورة.

وتفيد المؤشرات بأن الإدارة الأمريكية شرعت في إعادة النظر في سياستها تجاه الأزمة السورية عقب حملة انتقادات إعلامية واجهتها خلال الأسبوعين الماضيين، وبات من المؤكد أن الإدارة الأمريكية قد بدأت تعيد حساباتها في الشأن السوري حيث بادر الرئيس الأمريكي إلى تعيين ديريك شالوت من مجلس الأمن القومي للإشراف على الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه سوريا، وتكليف السفير الأمريكي السابق في دمشق روبيرت فورد للقيام بدور قيادي في إدارة هذا الملف.

وفي هذه الأثناء بدأت لهجة الخطاب الغربي تتغير تجاه المسألة السورية؛ حيث بدأت تتردد في العواصم الغربية فكرة التدخل العسكرية، والسعي إلى إصدار قرار أممي وفق البند السابع، ونوه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلى أن بلاده ستلجأ إلى إقرار هذا البند على غرار ما حصل في كوسوفو عام 1999، وقبلها في البوسنة عام 1995.

وأكدت صحيفة لوموند الفرنسية قبل أيام أن: "فكرة التدخل العسكري في سوريا لم تعد مستبعدة"، وتشير القرائن إلى أن النقاش يتصاعد وراء الكواليس حول خيارات الدول الغربية بعد إنهاك الصبر والدبلوماسية تجاه سوريا، ويتردد الحديث حول إنشاء تحالف دولي لا يحتاج إلى قرار لمجلس الأمن للتدخل العسكري، ولا يخضع للفيتو الصيني أو الروسي.

أما على الجبهة الإسرائيلية فقد عمد الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء 6 فرق من الاحتياط لمواجهة التوتر المتصاعد في المنطقة، وفي الوقت نفسه تقدمت هيئة الأركان إلى الكنيست بطلب إقرار استدعاء أكثر من 22 فرقة احتياط عسكرية بهدف نشرها على حدود الدولة العبرية التي غدت حساسة جداً.

وشهدت الأوضاع العسكرية تصعيداً كبيراً إثر الإعلان عن بدء مناورات "الليث المتأهب" على الحدود مع سوريا في 15 مايو الجاري في الأردن بمشاركة 12 ألف من القوات الخاصة التابعة لسبعة عشر دولة تقودها فرقة العمليات الخاصة التابعة للقيادة المركزية الأمريكية، وتشارك فيها بريطانيا وفرنسا وكندا ودول أخرى من حلف شمال الأطلسي إضافة إلى كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر.

وتشير المصادر إلى أن هذه المناورات تمثل رسالة من الإدارة الأمريكية لموسكو وطهران أن سياسة الولايات المتحدة لا تتأثر بالانتخابات القادمة، وبأنها على أهبة الاستعداد للقيام بعمليات عسكرية واسعة في بمشاركة حلفائها في المنطقة.

وتؤكد هذه المصادر أن بشار أسد قد أخذ هذه التحركات على محمل الجد، حيث أمر بإعادة جميع فرق الحرس الجمهوري من مختلف المناطق المشتعلة وإعادة تمركزهم في العاصمة دمشق تحسباً لأي طارئ.

ثالثاً: بوادر تحول الموقف الصيني

شهد الأسبوع الأخير من شهر أبريل تحولاً كبيراً في موقف الصين تجاه النظام السوري؛ ففي مراسلات سرية لم يكشف عنها بعد؛ أشارت الحكومة الصينية إلى نيتها التنسيق مع الإدارة الأمريكية بشأن الملف السوري، وتضمنت الرسائل المتبادلة بين الطرفين تأكيدات بأن موقف الصين لن يكون مشكلة للسياسية الأمريكية بعد الآن.

وقد ظهرت ملامح تحول موقف الصين في خطاب مندوبها لدى الأمم المتحدة في 21 أبريل عندما أكد دعم بلاده لمبادة كوفي أنان وطالب النظام السوري بالالتزام بها، مشدداً على ضرورة: "احترام خيار الشعب السوري".

وتؤكد مصادر مطلعة أن واشنطن قد تمكنت من إحداث تغيير في الموقف الصيني من خلال التعهد لبكين بالتغاضي عن شراء كميات من النفط الإيراني بأسعار مخفضة، مما يدعم موقفها الاقتصادي، وتحدث مصدر آخر عن موافقة واشنطن على شراء الصين كميات كبيرة من النفط الإيراني مقابل التنسيق بين الدولتين حول الموقف من دمشق، وعلى إثر ذلك الاتفاق أعلنت الصين عن إبرام صفقات ضخمة لشراء النفط الإيراني الخام في 21 أبريل لفترة تمتد حتى نهاية عام 2012، حيث يتم تكريره في مصاف أخرى في آسيا.

وفور الإعلان عن هذه الصفقة رفضت الصين عرضاً سورياً لشراء سندات حكومية بهدف الخروج من الضائقة المالية التي تعاني منها.

وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد صرح عقب زيارته الأخيرة إلى الصين أن موقف بكين قد: "تغير عما كان عليه سابقاً، وبأنها تبتعد عن التأييد المطلق لنظام أسد".

رابعاً: تدهور الأوضاع الاقتصادية وأثرها على جيش النظام

ذكر مصدر غربي أن السلطات السورية تبذل جهوداً حثيثة لبيع احتياطيها من الذهب للحصول على إيرادات، وأكد المصدر أن سوريا: "تحاول بيع ذهبها بأسعار بخسة"، مؤكداً أن الهدف من ذلك هو الحصول على سيولة بما في ذلك احتياطيات العملة.

وأشار تجار الذهب في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أن وكلاء للنظام السوري يعرضون ذهباً للبيع بسعر يقل 15 بالمائة عن سعر السوق، وأنهم يعرضون كميات صغيرة تتراوح بين 20 و30 كيلو غراماً، لأن بيعها أسهل.

ونتيجة لذلك النقص الكبير في الإيرادات فقد عرضت السلطات السورية بيع سندات مالية حكومية على كل من روسيا والصين بقيمة 30 مليار دولار، وذلك للحصول على تمويل نقدي يضمن استمرار حملتها العسكرية ضد الجيش الحر، وخاصة لشراء الوقود، حيث تستهلك عملية تشغيل الدبابات والمدرعات ومنصات الصواريخ وناقلات الجند وغيرها من آليات الإسناد والتموين كميات ضخمة من الوقود.

وفي الوقت الذي تقدم فيه إيران نحو نصف مليار دولار شهرياً كرواتب لعناصر الاستخبارات والجيش وقوى الأمن؛ إلا أن النظام يعاني نقصاً حاداً في مخزون الذخيرة والوقود، مما يهدد بصعوبة الاستمرار في حملته ضد معارضه في مختلف أنحاء البلاد.

وقد ظهر أثر الأزمة الاقتصادية الخانقة على فرق جيش النظام في الجبهة الجنوبية بالجولان في غضون الأيام الماضية، عندما شوهد مئات الجنود السوريين وهم يهجرون مواقعهم بحثاً عن الماء والطعام.

وأكدت مصادر مطلعة أن مقاتلي جيش النظام يعانون من نقص حاد في المؤونة، وذلك بسبب إرسال حصصهم الغذائية إلى الجبهات الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من البلاد.

وقد شوهد عدد كبير من أفراد اللواء الخامس بالجيش السوري في منطقة القنيطرة وهم يهجرون مواقعهم للمرة الأولى منذ عقود بحثاً عن الماء والطعام، ويقدر عددهم بنحو 1500 ضابط وجندي.

وأكد المصدر أن بعض أفراد الجيش السوري قد اقتربوا من المناطق الحدودية الفاصلة مع اليهود، لكنهم لم يطلبوا منهم أي مساعدات، ولما ألقيت إليهم بعض المؤونة الإضافية من الجانب اليهودي: "اختفت بالكامل"!

ويشير المصدر إلى أن بعض مواقع الحراسة قد هُجرت عن بكرة أبيها، وأن بعض المناطق على الحدود السورية معهم باتت مكشوفة لهم، مما دفع ببعض عصابات التهريب وسكان القرى المجاورة إلى مهاجمة تلك المواقع وأخذ ما فيها من أسلحة ومعدات، لكن هذه المجموعات تعمل في الخفاء وتتحرك بسرعة كبيرة لتفادي وقوعها بيد الاستخبارات العسكرية السورية التي تهاجم المنطقة بين الفينة والأخرى.

وتؤكد المصادر بأن تضييق الائتمان وتباطؤ الاقتصاد لهما تأثير كبير على معنويات كبار التجار السوريين الذين لم يحسموا أمرهم في الانضمام إلى الثورة، وكذلك بالنسبة للذين لا يزالون يؤيدون النظام، وذلك في الوقت الذي يتعرض فيه القطاع المصرفي في البلاد لأول مرة إلى خطر الانهيار الكامل، حيث يستخدم نظام أسد كل الأموال التي يستطيع تكديسها في مواجهته مع الثوار، ويستنـزف موارد بعض القطاعات الأخرى مثل قطاعي التعليم والمالية، ولا يمكن أن تصمد هذه القطاعات لفترة طويلة في ظل هذه الظروف.

وفي هذه الأثناء أكد وزير النفط السوري أن بلاده تعاني من أزمة خانقة في إمدادات الغاز المنزلي، مؤكداً أن الحكومة قد أنفقت 3 مليارات دولار لتأمين المشتقات النفطية رغم توقف التصدير، قائلاً: "استوردنا منذ بداية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي وحتى اليوم أكثر من 2.2 مليون طن من المازوت، ونحو 500 الف طن من الغاز المنـزلي، ولكن منذ 12 نيسان (أبريل) الماضي لم تصل أي سفينة مازوت، ومنذ الأول من نيسان لم تصل أي سفينة غاز منـزلي".

تأتي هذه الأخبار في ظل الحديث عن معاناة الجيش النظامي من نقص واردات الديزل الضروري لتشغيل المركبات الثقيلة، بما في ذلك دبابات الجيش، خاصة وأن الشحنات التي كانت تأتي من روسيا قد توقفت بالكامل.

وأدى تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد إلى تردي الأوضاع الإنسانية؛ حيث تحدثت مصادر فرنسية عن وضع إنساني بالغ الخطورة في سوريا، حيث يوجد أكثر من 230 ألف لاجئ مهجر داخل البلاد، ونحو 200 ألف مهجر في البلدان المجاورة.

وأكد تقرير الأمم المتحدة الذي صدر في الأسبوع الأول من شهر مايو الجاري حاجة نحو مليون شخص للمساعدات الإنسانية داخل سوريا، مشيراً إلى أن: "الحصول على الغذاء أصبح مشكلة متصاعدة في سوريا".

وتوقع برنامج الغذاء العالمي زيادة من سيقدم لهم المساعدات في سوريا من 250 ألف نسمة في شهر أبريل الماضي إلى نحو نصف مليون نسمة مع نهاية شهر مايو الجاري.

 


https://islamicsham.org