السؤال: هناك جدل دائر بين فئات من الثوار، وهو أن بعض الإخوة لا يرى جواز رفع علم الاستقلال ولا شيء غير الراية السوداء المكتوب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ووصل إلى حد الافتراق. وأناس يريدون وضع علم الاستقلال، واقترح بعضهم أن يكتب على علم الاستقلال كلمتي التوحيد. فما رأيكم؟
_____________________________
الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً:مصطلح الراية الوارد في الشرع وكلام أهل العلم معناه: الغاية والهدف من القتال، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [ من قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ يغضب لعصبة أو يدعو إلى عُصبةٍ، أو ينصر عصبة فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليّة ] رواه مسلم. فدلالة الحديث واضحة أن المقصود بالراية الغاية من القتال، وعليه فإن الهدف من القتال هو الذي يحدد شرعية هذه الراية وصحّتها، فمن كان قتاله لحماية: النفس، والعرض، والدين، والمال، من الضرورات التي جاءت الشريعة الإسلامية بالحفاظ عليها فرايته وغايته شرعية، قال تعالى: ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) [النساء:75]، وقوله صلى الله عليه وسلم: [ من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد ] رواه الترمذي.
ثانيًا:هناك فرقٌ بين الرايات التي كانت تُرفع في الحروب قديمًا، والأعلام التي تتخذها الدول اليوم؛ فالرايات والأعلام في الحرب سُنة نبويَّة مستحبّة, فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتخذ الرايات في غزواته وحروبه, وكانت لكل قبيلة وقوم راية, فكان للمهاجرين راية وللأنصار راية, وكان صلى الله عليه وسلم يحب لكل أحد أن يقاتل تحت راية قومه وجماعته, لغرضٍ جليل هو اجتماع المقاتلين واتحاد قلوبهم عندما يكونون من قبيلة واحدة فيكونون كالجسم الواحد، فيحرصون أن تبقى رايتهم مرفوعة فلا يأتي العدو من قِبَلهم.
أما الأعلام التي تتخذها الدول اليوم ترمز لها وتعبِّر عنها فهذه محدثة لم تكن معروفة في العهود السابقة، والأصل فيها الإباحة، ما لم تتضمن إشارة أو دلالة على مخالفة شرعيَّة.
ثالثًا:لم يَرِد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لونٌ واحد أو شكلٌ واحد لرايات الحرب، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له راية سوداء، وأحياناً بيضاء، وقيل أيضًا صفراء، وقد علَّل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ذلك بحسب اختلاف الأوقات والحالات.
ولم يثبت أنه صلى الله وسلم كان يكتب شيئًا في تلك الرايات كما قد يتوهمه بعض المتأخرين، وما ورد عن ابن عباس أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً فيها: ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )، فإنه حديثٌ باطل كما قال العلماء.
رابعاً:لا يوجد مانع شرعي من تنوّع أشكال الرايات لكل كتيبة أو محافظة، وإن كان الأَولى الاجتماع تحت راية واحدة لمصلحة الاجتماع وائتلاف القلوب ودرءًا لأي اختلاف.
خامساً:لا يجوز لأي كتيبة أو جماعة مقاتلة أن تفرض الراية التي اتخذتها على غيرها من الجماعات، أو تفرضها لتكون علماً للدولة؛ لأن هذا افتئاتٌ على الأمة ومصادرة لخيارها من غير شورى، وتفريق للصف وإثارةٌ للنزاعات.
سادساً:أما ما يتعلَّق بعلم الاستقلال الذي اختاره عامَّة الشعب السوري ورضوا به، فهذا راجعٌ إلى كونه علم الدولة في مرحلة ما قبل اغتصاب نظام البعث للسلطة، وفيه رسالة إلى إسقاط هذا النظام والانخلاع عنه بجميع مراحله ورموزه، وعدم شرعيته، وعدم القبول به والاعتراف به بأي شكل من الأشكال.
وعليه: فإن العلم الذي يرفعه الثوار (علم الاستقلال) ليس فيه ما يخالف الشرع، والهدف منه معروف ومشروع، وهو علم مؤقت لهذه المرحلة من تاريخ سوريا؛ لذا فإننا لا نرى الاختلاف حوله، أو مخالفته.
اللهم وحّد صفّنا وثبت أقدامنا، وانصرنا على عدوِّنا، واحقن دماءنا، وصُن أعراضنا وأموالنا، وسدد على الحق مسيرتنا وخطانا، اللهم تقبل شهداءنا وعاف جرحانا، وتقبل جهادنا، واجعلنا مخلصين لك في كل أعمالنا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.