رسالة من قاعد إلى مجاهد
الكاتب : د. معن عبد القادر
الجمعة 27 نوفمبر 2015 م
عدد الزيارات : 37101


يامن اغبرت قدماه في سبيل الله، وسهرت عينه لتحرس في سبيل الله، يراك القاعد - مثلي – قمة سامقة، وكوكباً دُرِّيّاً.
كيف لا، وقد خلّفت وراءك الدنيا وزينتها، وودّعت أباك وأمّك، وربما هجرت أرضك، ونزعت نفسك من زوجة حبيبة، وأطفال صغار، وبعت نفسك لله، وأرخصت روحك لأجله.
هنيئا لك هذا الإيمان، وهذه الثقة والتكلان على الكريم المنان.

 

فأرعني سمعك يا رعاك الله، ولا يحملنّك ما أنت فيه من طاعة وما أنا فيه من تقصير أن تعرض عني، أو تزهد في نصيحتي، فلك نصحيتي وعليّ تقصيري، والحِكمَةُ ضالَّةُ المؤمنِ ، وحيثُما وجدَ المؤمنُ ضالَّتَه فليجمَعها إليهِ.

 

أخي المجاهد:
​احفظ ما أنت فيه من الفضل العظيم، وصُنه عن كل ما يخدشه أو يبطله، فإنه كلما كان العمل أعظم  كانت الحسرة في نقصه وبطلانه أكبر.

 

أخي المجاهد:
​أصلح النية والقصد، ولا تكن ممن يقاتل شجاعة، أو يقاتل حمية، أو يقاتل رياء، أو يقاتل للمغنم، أو يقاتل للذِّكْر، أو يقاتل ليرى مكانه، أو يقاتل غضباً، فكل ذلك ليس في سبيل الله، وما للذين يقاتلون عند الله إلا ما في أنفسهم.

 

أخي المجاهد:
أُشفقُ عليك من العُجب، أو أن تدلّ بعملك على الله، أو ​أن تمنّ بجهادك على خلقه، فإنما عقدت الصفقة مع الله، والله هو الذي اشترى.
واحذر من أن تلمز غيرك بالقعود عن الجهاد، أو أن تزدريهم ولا تراهم شيئاً، فإنك لم تُبعث عليهم رقيباً، بل ادع الله لهم، وتذكّر أن الله الذي فضّلك عليهم قال​:"وكُلّاً وعد الله الحسنى"، وربما لمزت قاعداً لا تدري ما حاله عند الله، فتفَاضُل الأعمال عند الله لا يحيط به ​العباد، وربما كان للعبد خبيئة ​من عمل صالح ترفعه إلى درجات المجاهدين "عينان لا تمسَّهما النارُ أبدًا: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرُس في سبيل الله".

 

أخي المجاهد:
رجَوتُ لك أن تكون أحسنَ الناس خُلُقاً وأسلمَهم طوية، فإن مبعث الأخلاق السيئة من حبّ الدنيا والتكالبِ عليها والتنافسِ فيها، أمَا وقد ​طلَّقتَها فمالَك وللحسد، والحقد والضغينة، والغيبة وحب الرياسة والزعامة؟

 

أخي المجاهد:
احذر من ظلم الناس، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وتبقى حقوق الناس معلّقةً برقبتك ولو ذهبت إلى الله شهيداً، ولا تسفِكْ دماً إلا بحقه الواضح الصريح، الذي ليس فيه مجال لشبهة ولا تأويل، فإن المرء لا يزال في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً.
لقد غضب الرسول –صلى الله عليه وسلم- غضباً شديداً على حِبّه وابن حِبّه حين قتل كافراً قد نطق بالشهادة بين يدي السيف، فأين تذهبُ بدمِ رجل قد رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ​صلى الله عليه وسلم رسولاً، ولم يزل مصلياً صائماً، ولم يأت بشيء صريح تستحل به دمه؟!

 

أخي المجاهد :
من بطلت صلاته يملك أن يعيدَها، ومن أفطر أياماً من رمضان يمكنه أن يقضيها، ومن أفسد حجَّه أعادَه مِن قابِل، أما الجهاد فمظِنَّةُ التضحية بالروح، والروحُ تخرج مرة واحدة لا رجعة بعدها، فمن زهقت روحه في قتالٍ باطل فقد خسر الدنيا والآخرة، فما أجدر أن تتحرى السلامة وصحة العمل في مثل هذه التضحية العظيمة.

 

أخي المجاهد:
إن الجهاد لم يًشرع لأجل الموت، وإنما شُرِع لإقامة الدين، ونُصرةِ المظلومين، وفي السبيل إلى ذلك يتخذ الله من المجاهدين الصادقين شهداء، يصطفيهم إليه، فخُذ بأسباب النصر بقوة من إعداد وتخطيط، ولزوم الجماعة، وأَخْذِ الحذر، ولا تُغَرِّر بنفسِك في ما لا بأس فيه على العدو، ولا طائل من ورائه للمسلمين.

 

أخي المجاهد:
أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، وأسأله أن يكرمك بإحدى حسنيي الدنيا: الشهادة أو النصر، وحسنى الآخرة: الجنة، وأن يبلغنا مراتب الشهداء وإن قصرت أعمالنا عن ذلك، وأن يجمعنا بكم إخوانا على سرر متقابلين. آمين


https://islamicsham.org