(1) موقفنا من تنظيم (الدولة):
خلافنا مع التنظيم ليس في مجرد بع الجرائم، أو التفرد بإعلان "خلافة"، بل هو خلاف في المنهج والعقيدة، فالتنظيم قد انتحل عقيدة الخوارج المتمثلة في: الحكم على كافة الفصائل في العراق وسوريا بالكفر والرِّدة، واعتقاد أنَّ قتالهم أولى وأوجب من قتال الرافضة والنصيريين.
فلا إمكانية للقاء مع هذا الانحراف، أو السكوت عنه، أو الرضا به، أو التلاقي معه إلا بعد التوبة عن هذا المنهج والرجوع عنه.
(2)احتلال تنظيم (الدولة) للموصل وأثره على أهل السنة في العراق وسوريا:
انطلق في مناطق السنة في العراق حراك شعبي سلمي عام، لم تستطع قوات النظام العراقي إنهاءه أو اختراقه، وبدأ بالزحف تجاه بغداد، وأصبح يهدد سلطة المالكي تهديدًا حقيقيًا، وكان يقف وراءه الفصائل المجاهدة، ولم يكن للتنظيم دور في هذا الحراك، بل إنَّه قد هاجمه لأنَّه يرفع شعار (السلمية)، واعتبره خنوعًا للطواغيت!
ثم ظهر تنظيم (الدولة) فجأة وسيطر على الموصل بعد أن كان محصورًا في بضع مناطق صحراوية، واختفى الآلاف من قوات النظام العراقي، وحرس الحدود مع سوريا، وسقط بيد التنظيم خلال ساعات كميات ضخمة من الأموال والأسلحة الحديثة، وكان من المدهش معرفة أفراد التنظيم بأماكن وجود هذه الأسلحة والأموال بدقةٍ، فاستولى عليها بيسر دون مقاومة، والتي ما لبثت تنتقل عبر الطريق الدولي نحو سوريا بأرتالٍ طويلة كبيرة دون أن تمسها طائرات أو صواريخ.
ومع وقع الصدمة ومفاجأتها لم تشارك الفصائل في القتال بشكل كبير خشية من مؤامرةٍ ما، وتحسبًا من انتقام التنظيم كما تكرر منه سابقًا خلال سنوات الجهاد، ثم ما لبث كثير منها أن توارى عن الظهور العام لذات الأسباب.
وكان من نتائج سقوط الموصل ونقل هذه الأسلحة :
1- ضرب الحراك السني في العراق وإنهاؤه بما لم يستطع النظام العراقي على مدى عام فعله.
2- الطعن في خاصرة المجاهدين في سوريا، وإنهاء وجود الجماعات الجهادية في المنطقة الشرقية.
3- فتح الباب لدخول القوات الإيرانية للمعركة علانية دون مواربة عبر الحدود التي أسقطها التنظيم!
وقد كشفت الأحداث اللاحقة وجود عدد من الإشارات الغريبة قبل اقتحام التنظيم للموصل، منها:
1- زيارة بعض المسؤولين الإيرانيين لبعض مناطق الموصل والحدود العراقية السورية قبل الأحداث.
2- الانسحاب المتعمد لقيادات النظام العراقي وقطاعاته العسكرية، والتشديد في الأوامر بترك الأسلحة.
3- تركز غالبية الخسائر في صفوف القوات المنتسبة للسنة في صفوف الجيش العراقي.
(3)احتلال تنظيم (الدولة) لتدمر ومستقبل الجهاد في سوريا:
بعد شهور طويلة من هدوء جبهات القتال بين تنظيم (الدولة) والنظام السوري الطويلة، تأتي مهاجمة مدينة تدمر الحصينة واحتلالها في بضعة أيام.. رافق هذا الاحتلال سرعة في انتهاء المعارك، وقلة خسائر النظام، وانسحاباته من عدة مناطق لا تقتضيها الطبيعة الحربية.
فما أهمية الاستيلاء على تدمر؟
1- تعد منطقة تدمر امتدادًا لصحراء الأنبار التي سقطت قبل أيام بيد التنظيم بطريقةٍ مدهشة، مع معبر التنف الحدودي.
2- المستودعات الضخمة للسلاح والذخيرة والتي تركها النظام دون تدمير كما يفعل عادة.
3- بالإضافة إلى أنها عقدة مواصلات تتيح لمن يتحكم فيها أن يتوجه إلى:
- الشرق حيث مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور، ومعبر آلياته وجنوده من وإلى العراق.
- الشمال حيث إدلب وريفها والتي تشهد انتصارات متتالية للفصائل المجاهدة.
- الشمال كذلك حيث عاصمته في الرقة.
- الغرب باتجاه حماة التي تحوي مخازن هائلة للسلاح والذخيرة، التي ما زالت عصية على التنظيم.
- الغرب كذلك تجاه حمص، التي تشهد حصارًا خانقًا من النظام، ومناوشات بين الفصائل والتنظيم.
- الجنوب الغربي إلى القلمون التي تشهد حراكًا جهاديًا ضد النظام وحزب الله، مع مدافعة التنظيم.
- الجنوب باتجاه حوران التي تشهد انتصارات كبيرة للفصائل، وانحسارًا للنظام، مع مدافعة مستمرة لفصائل تبايع التنظيم.
ملامح الخطة القادمة في الانسحاب من تدمر:
بالنظر إلى النجاح الكبير الذي حصده النظامان السوري والعراقي بعد سقوط الموصل، وظهور تناغم كبير بين تحركاتهما وتحركات التنظيم، وإلى ما يعانيه النظامان في سوريا من صعوبات أمام ضربات المجاهدين، وإلى أن التنظيم لا يقوم بمعارك حقيقية مع النظام إلا إن كان فيها فائدة اقتصادية أو استراتيجية فحسب، كاستيلائه على آبار النفط، ومناطق الأنهار والبحيرات، وحقول الغاز، والتي تخلو منها بقية المناطق والمدن.
وأنه لم يسبق للتنظيم أن عمل في مناطق النصيريين أو الرافضة. (إلا بعض الأعمال في مناطق النصارى أو الأقليات كالأيزيديين؛ للاستفادة منها في ترويج تطبيقه للشريعة في الجزية والسبي ونحوها).
وإلى أنَّه يرى شرعًا تقديم قتال الفصائل التي يصفها بالردة والعمالة.
وإلى كميات الأسلحة التي استولى عليها، وما سيجره إلى نفسه من انتصارات لاستقطاب الأتباع والمؤيدين مما يزيد أعداد قواته.
فالمتوقع:
أنه أريد لتدمر أن تكون نقطة ارتكاز للتنظيم للانطلاق ضرب التنظيمات الجهادية، وقطع الطرق عليها، ووصل مناطق نفوذه ببعض، بل إن ذلك سيؤدي إلى وقف زحف الفصائل المجاهدة إلى منطقة الساحل؛ حيث إن ظهرها سيكون مكشوفًا له بالكامل، كما سيؤدي إلى تقطيع أوصال المناطق المحررة بالكامل وفك الارتباط بينها.
وبذلك يكون النظام قد أراح جنوده من مهمة قتال الكتائب، وأوكلها لمن يقوم بذلك نيابة عنه قربةً ودينًا إلى الله تعالى! مع تزويده بما يحتاجه من أسلحة ومناطق استراتيجية لتحركه.
كما أنَّ هناك هدفًا معنويًا يتمثل في وجود سجن تدمر سيء الصيت، وتدميره على يد التنظيم فيه مكسب إعلامي كبير!
(4)هل تنظيم (الدولة) عميل؟
أثبتت أحداث سنوات الجهاد في العراق أنَّ المحتل الأمريكي والحكومات الطائفية قد أجادوا توظيف تنظيم (الدولة) في ضرب أهل السنة عبر إدراكهم لطريقة تفكيره وعمله وتسخيرها لصالحهم.
كما تكشف الحقائق انتقال تنظيم (الدولة) من مرحلة التوظيف إلى مرحلة التفاهم مع هذه الأنظمة؛ فهو يريد بسط سلطته على مناطق السنة والقضاء على الحراك فيها لصالح سلطانه وفكره المنحرف، وهو ذات الهدف الذي تسعى إليه هذه الأنظمة، فلا بأس –والحالة هذه- في نوع من التعاون أو غض النظر عن الآخر، كالاشتراك في الحصار والقصف، واستهداف قادة الثوار والفصائل بالقتل والاعتقال.
وقد كشفت العديد من المصادر الثورية عن تنسيق التنظيم لعمليات بيع النفط والقطع الأثرية للنظام ولعصابات التهريب العالمية، واستجلاب خبراء لصيانة مصافي النفط التي يسيطر عليها.
كما كان النظام يقوم بقصف أي فصائل جهادية تقاتل التنظيم، ويمنعها من التقدم في مناطقه أو ملاحقة فلوله، وكثيرًا ما كان أفراد التنظيم يلجؤون إلى مناطق النظام عند ملاحقة الفصائل لهم.
ومن المدهش أنَّ مواقف التنظيم تكاد تتطابق مع مواقف النظام الإيراني ضد دول الخليج والسعودية خصوصًا، والتي كان آخرها كلمة البغدادي التي انتقد فيها عاصفة الحزم الموجهة ضد الحوثيين! ووجه للسعودية التهديد مرات عديدة، ولم يذكر إيران مرة واحدة، مع ادعاء التنظيم أنَّ إيران هي رأس الشر وأساسه.. كما تزامنت تهديداته لها وبعض هجماته مع تهديدات إيران وهجوم الحوثيين! واستيلاؤه المريح على جزء كبير من صحراء الأنبار الملاصقة للسعودية بعد انسحاب قوات النظام العراقية المدعومة إيرانيًا منها!.
(5)حرب التحالف مع التنظيم:
للمرة الأولى في التاريخ يعلن عن إنشاء حلف يتكون من 40 دولة، للقضاء على تنظيم لا يتمتع بأي مقومٍ من مقومات البقاء، فضلًا عن بناء دولة، ومع مرور شهور طويلة على بدء الحملة فإن نتائجها هزيلة للغاية، بل يتضح فيها ما يلي:
- تصريح قادة دول التحالف أنَّ ضرباتهم لا تسعى إلى إسقاط التنظيم، بل إلى تحجيمه.
- غض التحالف للنظر عن المسافات الطويلة التي تقطعها أرتال تنظيم (الدولة) دون أن تتعرض لها.
- الغارات على مناطق سيطرة التنظيم محصورة في مساحات جغرافية قليلة، بينما بقيت غالب مناطقه تتمتع بأمان نسبي في مقابل مناطق سيطرة الفصائل الأخرى.
- كان التحالف جادًا في حالة واحدة وهي اتجاه التنظيم إلى مناطق الأكراد في العراق وسوريا، فتم ضربه بقوة، وجرى تقليم أظافره بعنف في معارك خسر فيها العديد من قادته وقواته وأسلحته، وهو ما يوضح أن التحالف حريص على حصر التنظيم في مناطق السنة ليقوم بدوره أفضل قيام.
- لم يدعم التحالف الدولي أيًا من مناوئي التنظيم سوى الأكراد، مما ينبئ بملامح الدور الذي يراد لهذه المناطق القيام بها، وربما ملامح التقسيم القادم.
- لم يقم الحلف بعمل جاد لمنع آلاف المهاجرين من دوله، بما فيهم خبرات علمية دقيقة، تسهم في دعم التنظيم وتقويته.
مما يعني أن الحلف الدولي ليس جادًا في إنهاء التنظيم، بل يريد له أن يبقى عامل جذب للشباب المتحمس، فيتم حرقهم في أتون هذا التنظيم ومعاركه العبثية الإجرامية، إلى أن ينتهي دوره المطلوب منه.. ولا ندري إلى أي مدى سيستمر ذلك!
(6)هل نفرح باحتلال التنظيم لمناطق من النظام؟
من المؤسف أنَّ ذاكرة بعض أهل السنة قصيرة، وأنَّه تتحكم بهم العواطف، ولا ينظرون للأمور نظرة عقلية فاحصة، فجرائم تنظيم (الدولة) في حق المجاهدين قادةً وجنودًا ومدنيين لم تجف، وما زالت فتاواهم ومواقفهم تصدح بها إصداراتهم في وعيد المجاهدين وتكفيرهم..
ومع ذلك.. يأتي من يفرح بسقوط بعض المناطق في يد التنظيم، ولعله غاب عنه أن هذا السقوط خطوة متقدمة لجولة جديدة ضد المجاهدين وأهل السنة.. فبم الفرح؟
إننا نفرح بخروج تلك المناطق من يد النظام إذا كان ذلك على يد المجاهدين الصادقين، أما خروجها من يد النظام المجرم إلى يد الخوارج المارقين، فهو استبدال مجرم بمجرم.
(7)وأخيرًا:
مع كل هذا المكر الكُبّار، فإنَّ ثقتنا بنصر الله تعالى أكيدة، وثقتنا بأنه –تعالى- لن يمكن لهؤلاء الظلمة الفاجرين، وأنه قد تكفل بالشام وأهلها، وأنه لن يضيعنا بإذنه تعالى.
لكن.. لا يجوز لنا أن نتواكل دون بذل الواجب من الأسباب، فإن الله قد تكفل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ}، ومن النصرة الواجبة علينا: وحدة الكلمة والصف، ومعرفة حكم الله تعالى في التعامل مع هذه الفئة المارقة.. فهل نعي ذلك قبل فوات الأوان؟
===============
(*) باختصار