وكم من نسيبة في الميادين؟
الكاتب : عزة مختار
الأحد 15 مارس 2015 م
عدد الزيارات : 3126

 

ـ ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟
ـ بل أطيق وأطيق وأطيق يا رسول الله ، لكن أدعو الله لي وأهل بيتي أن نكون رفقاءك في الجنة
ـ اللهم اجعلها وأهل بيتها رفقائي في الجنة.
ـ ما أبالي ما أصابني من الدنيا.


إنها أم عمارة الأنصارية نسيبة بنت كعب ، كانت واحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة، بايعت النبي صلي الله عليه وسلم مع الرجال علي نصرته حتى الموت، ثم حضرت بيعة الرضوان لتنال شرف الرضا الصريح من الله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
يوم أحد، اشتدت المعركة بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم والتف المشركين حول النبي ليقتلوه ، ثم جاء ابن قميئة يصرخ دلوني علي محمد لأقتله ، انفض الجمع عن الحبيب ولم يتبقى حوله إلا حوالي العشرة من الصحابة ، وكان معهم تلك المرأة العظيمة وأسرتها . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد لزيد بن عاصم: "بارك الله عليكم من أهل البيت, مقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت, ومقام ربيبك يعني زوج أمه خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت"
تهرع لتذود عن حبيبها المصطفي فيضرب ابنها ضربة شديدة تقعده ، فيناديها النبي دونك ابنك يا أم عمارة ، فتربط جرحه ثم تدفعه ليدافع عن رسول الله ، فيأتي من أصاب ابنها لتصيبه ، ويبتسم لها الحبيب ، " استقدت يا أم عمارة " .
يفر المسلمين من حول النبي ومنهم من يحمل ترسا ولم يكن هناك ترسا مع نسيبة ، فينادي النبي من معه ترسا فليلقه، فيلقي أحدهم ترسه لتتترس به في دفاعها عن قائدها، تصاب إصابة شديدة اثر هجوم ابن قميئة على رسول الله ، ويتفجر الدم من ذراعها ، فينادي النبي ابنها ، دونك أمك ، دونك أمك، وبعد انتهاء المعركة يطمئن عليها النبي صلي الله عليه وسلم ، بعد أن اطمأنت عليه هي رضي الله عنها قبلا .
تلك هي المرأة المسلمة التي همشوها طويلا ، ولم يستمعوا لها إلا من رحم ربك ، وحين طالبوا بحقها انتهكوها وحقوقها ، ظنا منهم أن الحق هو مجرد التعري واستخدام الجسد في لهوهم ليكون لهم متاعا ، فما ازدادت إلا عبودية وامتهانا لكرامتها.
وغابت نسيبة عن تاريخ المسلمين بعض الوقت، بعدم أريد لها ذلك ، وأجبرت عليه ، لتعود في عصرنا في أبهي حلة، ولكن علي استحياء، تشرق شمس نسيبة في السيدة الجليلة زينب الغزالي، وبنت الشاطئ.
ثم المرأة الفلسطينية قاطبة، والتونسية واليمنية، ثم تلك التي ضربت أروع المثل في التضحية، بالابن والزوج، والنفس والنفيس، إنهن كثيرات لا نستطيع حصرهن في مقال واحد، إنهن الصامدات في الميادين يسعفن الجرحي، ويطاردن القاتل بالحجارة، ويرفضن الخروج دون الرجال.
إنهن القابعات في سجون الطاغية ، ثابتات قانتات صابرات
إنهن الثائرات لا يردعهم الرصاص الحي والغاز الخانق ومطاردات العسكر المخيفة لكثير من الرجال،
إنهن أمل الأمة اللاتي يدفعن أبنائهن للاستمرار والثبات في المطالبة بالحق المسلوب ، دون خوف علي حياة ابن أو زوج حبيب.
إنها الصامدة في الشارع رغم اعتقال الزوج العائل، تكمل المسيرة وتثبت ثبات الرجال، وتعمل لاثنين، وروحين ونفسين، لها ولزوجها المخطوف.
تعول الأسرة، وتقضي احتياجاتها، وترعي أبنائها، ثم تجدها في مسيرة ثورية بغير كلل أو ملل
لم تيأس يومًا.
وأثبتت حقا أن نسيبة لم تمت..
فنسيبة باقية ما بقي الزمان، فعلمي العالم يا نسيبة كيف تطيقين، بالله عليك يا سيدتي كيف تطيقين؟

------------------------------
(*) بشيء من التصرف
 


https://islamicsham.org