رداء الزور !
الكاتب : خالد روشه
الثلاثاء 10 فبراير 2015 م
عدد الزيارات : 2840

ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا تكاد أن تُطْبِق على البقية الباقية من الفضائل فتمحوها, إنها ظاهرة التجمل بالتزوير , وأقصد به تزوير الحقائق عن نفس المزور , فيبدو للناس بخلاف حقيقته ليكتسب منهم احتراما أو توقيرا أو تعظيما أو ليتكسب مالا أو غيره .

فيدعي أحدهم العلم مع أن نصيبه منه لا يتعدى نصيب مبتدىء, ويدعي آخر الزهد وهو غارق في الدنيا حتى أذنيه , ويدعي ثالث الفضل والوقار وهو متلبس بصفات السوء .
هذا المزور يصل به الحال فيصدق نفسه, بل ويغضب إذا ما عامله الناس على حقيقته , وما أروع تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الحالة "بلابس ثوبي زور" , فهو قد زور على الناس فلبس ثوب زور أمامهم , وزور كذلك على نفسه إذ كاد أن يصدق تزويره وكذبه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَىْ زُورٍ) متفق عليه، إنه المُتزين بما ليس عنده يتكثر به ويتزين تزينا باطلا .
قال الإمام النووي: "قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده، بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده، يتكثر بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور، قال أبو عبيد وآخرون: هو الذي يلبس ثياب أهل الزهد والعبادة والورع، ومقصوده أن يُظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة، ويُظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه، فهذه ثياب زور ورياء، وقيل: هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له، وقيل هو من يلبس قميصًا واحدًا ويصل بكميه كمين آخرين، فيظهر أن عليه قميصي" شرح مسلم.
وقال الإمام ابن حجر في : "قوله المتشبع: أي المتزين بما ليس عنده، يتكثر بذلك ويتزين بالباطل،  وأما قوله: (كلابس ثوبي زور)، فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد، يوهم أنه منهم، ويُظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه"  الفتح.
أكثر ما يمكن أن يحزنك في أمثلة هذه الصفة البغيضة أنها تستدعي نماذج من المحسوبين على دعاة الإسلام, فأحدهم يعلم عن نفسه قلة البضاعة في العلم والفقه, لكنه يتصدر للفتيا والتنظير, بل والتأليف أحيانًا, فنرى العجب العجاب من المؤلفات التافهة أو المنقولة أو المسروقة, ونستمع إلى دروس عنوانها علمي لكنك ما إن تبتدىء بسماع ملقيها حتى تكتشف قلة بضاعته العلمية وضعف لغته العربية وانحدار مستواه الأصولي, حتى لايكاد احدهم يحسن أن يقرأ !
  لقد حذرنا الله سبحانه من مثال ذلك فقال : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
قال ابن الجوزي: "وهذه الآية في تحريم القول في الدين إلا عن بينة ويقين".
وقال صلى الله عليه و سلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) الترمذي .
  قال ابن القيم: "وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها, فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه" أعلام الموقعين .
  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب" الفتاوى .
وقال الشعبي: "إن أحدكم ليُفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر"، وقال الإمام مالك: "من أجاب في مسألة، فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصُه، ثم يجيب".
وسئل مالك بن أنس رضي الله عنه أنه ثمانية وأربعين سؤالاً، فأجاب عن ستة، ورد البقية بقول: لا أدري, وقال الحسن البصري: "لا آفة على العلوم وأهلها أضرُّ من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، ويظنّون أنهم يعلمون، ويُفسدون، ويقدّرون أنهم يصلحون" .
 


https://islamicsham.org