تفريغ لحلقة ( منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الغلو ) من برنامج من أجل سوريا- مع ( د. عماد الدين خيتي ) - ح 88
تفريغ لحلقة حديث منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الغلو
ح 88 ( مع الشيخ د. عماد الدين خيتي )
المقدم: مشاهدينا الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقاء جديد يجمعنا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي المباشر من أجل سوريا، فأهلاً بكم.
حلقة الليلة تأتي ضمن سلسلة حلقاتنا التأصيلية لقضايا منهجية أفرزتها الثورة السورية، وسنتناول في هذا اللقاء موضوعاً غاية في الأهمية، ألا وهو منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الغلو والغلاة، فسوريا اليوم باتت تحت وطأة غلو الإجرام الذي يمثله النظام، وغلاة الميدان الذين استغلهم ووظفهم هذا النظام، فكيف ينظر الشرع إلى الغلو؟، وكيف يعرّف الغرب وأعداء الدين هذا الغلو؟، وكيف يستثمرونه لمصالحهم ؟
ما أثر الغلاة على الجهاد؟ وما أثرهم على الدعوة؟ وما أثرهم على الأمن والاستقرار؟ بل ما أثرهم حتى على العلم والعلماء، تساؤلات كثيرة ضمن هذا الملف الساخن أطرحها على ضيف هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور عماد الدين خيتي عضو المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية.
حياكم الله يا دكتور عماد.
الشيخ: حياكم الله أهلا وسهلا بكم.
المقدم: دكتور يقال: الغلو آفة التدين، والبعض اليوم يعني يقول آفة الجهاد إن صحت العبارة، بداية ما هو الغلو؟ وما هو تعريفه الشرعي؟ هل من كلمات أو مصطلحات قد تكون أقرب وأكثر انتشاراً، ويعرفها عموم الناس ترادف هذا المعنى؟
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بالنسبة لموضوع الغلو، هو كما تفضلتم موضوع في غاية الأهمية، وذلك؛ لأنه هو أحد أهم وأعظم الأخطاء التي يمكن أن تسبب في الفهم الخاطئ للنص.
المقدم: نعم.
الشيخ: لأن الأخطاء التي يمكن أن توقع في الدين هي لها جانبين كما ذكر السلف، إما الجفاء والبعد عن الدين، وإما على العكس تماماً وهو التنطع والتشدد في الدين.
ما يتعلق بالغلو في الدين، يعني هو باختصار إذا أردنا أن نعرّفه نقول: هو الزيادة على الحد المشروع.
المقدم: هذا الغلو بشكل عام.
الشيخ: بشكل عام، ما شرعه الله سبحانه وتعالى في الاعتقادات، في العبادات، في الأعمال.
المقدم: نعم.
الشيخ: له حد معين مشروع، من تجاوزه وأتى بما لم يأت به الله -عز وجل- ولم يأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد وقع في الغلو، هذا باختصار شديد.
المقدم: جميل، هل من مرادفات، هل من كلمات بنفس المعنى؟
الشيخ: كما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم-: «هلك المتنطعون» التنطع.
المقدم: التنطع.
الشيخ: المتعمقون، التعمق في الدين، من شادّ الدين، المشادة في الدين، هذه كمصطلحات شرعية، لكن مصطلح الغلو أكثرها استعمالاً وأكثرها دلالة على المطلوب.
المقدم: جميل، طيب اليوم دكتور كثيراً ما تتكرر على مسامعنا عبر وسائل الإعلام، في المؤتمرات الدولية، في اللقاءات الصحفية، أو البيانات السياسية مصطلحات: التطرف، الإرهاب، يعني: التشدد الديني أو الأصولية، وما إلى ذلك، وكأنها يعني فيما يوحون به من خلال هذا الحديث كأنها ترادف كلمة الغلو، أو الغلو في الدين، هل هم فعلاً يقصدون بها الغلاة؟ ويعني كما تعرفون أقيمت مؤتمرات خاصة بمكافحة هذا الغلو أو هذا الإرهاب كما يسمونه.
الشيخ: نعم.
المقدم: وقوات خاصة، وإدارات خاصة، وما إلى ذلك، يعني كيف ترى هذا التعريف؟ هل هو فعلاً مرادف للغلو الذي نقصده؟
الشيخ: بالنسبة للمصطلحات التي يتم تداولها حالياً وتُنقَل، هناك كثير من المصطلحات لكنها فيها إشكالات شرعية وإشكالات حتى في الاستعمال، مثلاً مصطلح الإرهاب.
المقدم: نعم.
الشيخ: مصطلح مثلاً آخر كالتشدد، هذه المصطلحات كلها نجد أنها لها جانبين: جانب شرعي أو جانب ممدوح وجانب مذموم في الشرع، مثلاً: الإرهاب: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:60].
المقدم: جميل.
الشيخ: فهذا جانب ممدوح، جانب مذموم هو إرهاب الأخ المسلم وتخويفه، كما ورد في ذلك الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ما يتعلق مثلاً بمصطلح التطرف، التطرف في اللغة العربية: إمساك الطرف، أو البقاء على الطرف ليس له مفهوم شرعي واضح.
المقدم: عكس الوسطية مثلاً؟
الشيخ: عكس الوسطية لكن هو لا يعطي، المفهوم هو مجاوزة الحد في الدين، إذا فرضنا أنه أنا في حدود الدين بإمكاني أن آخذ الواجب أو آخذ المستحب، أو آخذ، يعني أتحرك ضمن حدود الدين، فما دمت أتحرك ضمن حدود الدين ما في عندي أي إشكالية، ولا عندي مخالفة شرعية، فلذلك عندما أقول: التطرف لم تعطني المفهوم الصحيح هل ما زلت داخل دائرة الشرع أم تجاوزتها للخارج؟
المقدم: نعم.
الشيخ: هذا ما يتعلق بمصطلح التطرف.
المقدم: جميل.
الشيخ: ليس يعني هناك حد واضح له يبين خطأ هذا الشخص في تعامله مع أمر الدين.
المقدم: فإذا لا نستطيع أن نعتبر هذه الألفاظ هي مرادفة، أو هي شرح لكلمة الغلو.
الشيخ: بالضبط، هي لا تعبر عنه، مصطلح آخر مثلاً: مصطلح التشدد.
المقدم: الأصولية والتشدد.
الشيخ: مصطلح الأصولية، الأصولية بمعنى التمسك بالأصول، التمسك بالأصول هذا أمر مطلوب.
المقدم: ممدوح.
الشيخ: وممدوح وهو المطلوب من الإنسان أن يتمسك بالأصول، الشدة، الشدة لها جانب أحياناً شرعي مطلوب، وأحياناً لها جانب شرعي مذموم: «عضوا علها بالنواجذ» المقصود بها التمسك بالسنة والشدة عليها، الشدة على الكفار، ما يتعلق بالجهاد والقتال بالشدة والغلظة عليهم، هذا أمر ممدوح. الشدة: «ما شادّ الدين أحد إلا غلبه»، فكل هذه المصطلحات، يعني إن صح التعبير: حمالة أوجه، تعطي معاني إيجابية وتعطي معاني سلبية وليست واضحة، المشكلة ليست هنا.
المشكلة كما تفضلتم أنه عندما عقدت المؤتمرات وألفت البحوث وقدمت، وتناولوها فيما يتعلق بتشريعات مختلفة، وأجبرت الدول على توقيع جزء منها، يلحظ عليها أنها كلها اهتمت بما يتعلق بالعالم الإسلامي والحركات في العالم الإسلامي، وما يتعلق بالجانب السني تحديدا، يعني مثلاً لم تتناول الميليشيات والحركات الطائفية لو جئنا للداخل السوري كثير منها غير مصنفة إلى الآن ما زالت.
المقدم: صحيح.
الشيخ: كحركات إرهابية، القنوات التي صنفت، والمشايخ الذين صنفوا هم معظمهم من أهل السنة، بل لم تتجاوز المسلمين، يعني لنأتي لننتقل إلى الإجرام والإرهاب الذي حدث مثلاً في الشيشان، في أفغانستان، في العراق، في كذا، هذا لم يوصف بأنه إرهاب.
المقدم: بل حتى في سوريا يعني، وهذا يعني ربما يقودني إلى الحديث ما يدور في جنيف اليوم على سبيل المثال، هذا المؤتمر الذي يجمع وفدي النظام والمعارضة، اليوم وفد المعارضة وفد الائتلاف السوري قدم مذكرة أو مسودة تفاهم مقترحة، وكان يشير في بعض نقاطها إلى أنه سيتعاون تعاوناً كاملاً مع الأمم المتحدة أو مع مجلس الأمن في مكافحة الإرهاب، أشار تحديداً إلى الجماعات المسلحة الموجودة في سوريا، وأهمل وبشكل واضح النظام المجرم وميليشياته الطائفية والمرتزقة الذين يستعين بهم على قتل السوريين، يعني أليس هناك ازدواجية في المعايير في تعريف الإرهاب، في تعريف هذا التطرف الذي يسعى المجتمع الدولي برمته إلى محاربته.
الشيخ: نعم بالضبط، هذا نابع من التصور الذي ذكرته قبل قليل، أن تجريم الإرهاب والتطرف كما يسمونه مُنْصَب على أهل السنة، ومنصب على الحركات التحررية أو الحركات الجهادية في العالم الإسلامي، بغض النظر عن هذه الحركات هل هي مصيبة أو هي خاطئة، أو هل هي قريبة من الوسطية أو غيره هذا أمر آخر، لكن المشهد عام، إذا رجعنا إلى بدايات الثورة السورية، نجد أنه منذ البداية كان هناك تخوف وتحذيرات من وقوع الأسلحة الكيميائية، وقوع الأسلحة النوعية في يد المتطرفين كما يسمونهم، مع أنهم كانوا.
المقدم: في أيادي غير أمينة.
الشيخ: في أيادي غير أمينة.
المقدم: وكأنها في أيادي أمينة الآن!.
الشيخ: وكأنها الآن في أيادي النظام وميليشياته هم أمناء على هذا الدمار وهذا الخراب.
المقدم: ومن على ربيبتهم.
الشيخ: نعم، فهذا الموضوع استمر بالقلق والتحذير والتصنيف، كله ما يتعلق بجانب المقاومة وجانب المجاهدين فقط.
المقدم: كل ما فعله النظام إلى الآن لم يصنف بأنه إجرام، ولم يصنف أنه إرهاب، ولا ترقى، يعني إلى الآن لم يجزموا أنها ما زالت أو وصلت إلى أنها جرائم حرب، طبعاً هذا كله من أجل التخوف من هذه الحركات الإسلامية والتخوف من مستقبل سوريا.
الشيخ: إذا جئنا للفقرة التي تفضلت بها وضمينا لها هذا الكم الهائل من النظرة وعدم الموضوعية، فنقول إن هذا الاتفاق، طبعاً هو ما زال مسودة، لكن إذا طبق ببنوده الكثيرة غير العادلة والظالمة، وأنه يعني كما نص أنه سوف تعمل مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تحقيق الامتثال لقراراتها، هذه بقراءة تاريخية تعطينا تصور عن كيفية التعامل مع من يرفض الامتثال لهذه القرارات التي لم يخول الشعب السوري، ولم تخول الفصائل المجاهدة أحداً بالتكلم بها، ويريدون فرضها.
المقدم: والتي لم تنصف شعباً من قبل.
الشيخ: هي لم تنصف وخاصة فيما يتعلق بالشعب السوري، لم تنصفه ولن تنصفه، ومن يرفض ربما يعني الامتثال لها سيصنف إرهابياً وسيصنف خارجاً عن القانون، بينما الإرهابيون الحقيقيون هم ما زالوا متربعين على عروشهم.
المقدم: طيب دكتور يعني إذا ما عدنا إلى الجانب التأصيلي الشرعي.
الشيخ: نعم.
المقدم: ما معاييرنا نحن كمسلمين وفق منهج أهل السنة والجماعة، ما معاييرنا التي نقيس بها الغلو؟ هل كل متمسك بتعاليم الدين بطريقة يعني زايدة إن صح التعبير يعتبر غالياً؟ كيف نقيس هذا الغلو؟
الشيخ: المقياس هو جاء من التعريف الذي ذكرناه قبل قليل، هو: مجاوزة الحد المشروع، فإذاً، مقياسنا الوحيد لمعرفة الغلو هو، قول الله -عز وجل-، وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما فهمه أهل الإسلام من علمائنا، من الصحابة، من التابعين، من الأئمة المتبوعين وغيرهم.
المقدم: نعم.
الشيخ: فإذا أردنا أن نعرف حكماً معيناً، جريمة معينة، تصرف، قول، هل هو غلو أو غير غلو؟ نرجع إلى كلام الله وكلام رسوله وفهم أهل العلم، وعندها سنعرف كيفية الحكم عليهم.
المقدم: طيب ما هي أهم هذه المعايير؟
الشيخ: يعني حتى أكمل الفقرة هذه مثلاً، الفقرة التي تفضلت بها أنه مثلاً هل معيار الناس غلو ولا لا، أذكر مرة من المرات مثلاً كنت أدرس طلاب، فسألتهم وطرحت عليهم السؤال الذي تفضلت به الآن، أنه شخص مثلاً ملتزم بدينه، رجل أطلق لحيته، ولم يسمع إلى الحرام، ولم ينظر إلى الحرام، امرأة التزمت بحجابها، لم تسمع، لم تنظر إلى آخره، هل هذا يعتبر تشدد أم لا؟ فكانت نسبة جيدة، اعتقد تقارب الربع تقريباً، قالوا: إن من يلتزم بدينه بشكل كامل، هذا يعتبر تشدد ويعتبر تزمت، ويا شيخ مشيها، وليش محبكها، وليش آخذها بهذه الطريقة، فليس مفهومنا أو ليس معرفتنا للتشدد عن طريق آراء الناس، وليس عن طريق المنظمات الشرقية والغربية.
المقدم: هؤلاء مسلمون الذين.
الشيخ: هؤلاء مسلمون ومن مجتمعنا، ونسمع كذلك من كثير من شعبنا أن فلان متشدد، فلان مزودها، فلان كما يقولون.
المقدم: وهو في الحقيقة ملتزم بدينه.
الشيخ: هو ملتزم بدينه فقط لم يتجاوز الحد المطلوب.
المقدم: طيب، كيف نقيس كيف يكون الغالي؟ ما هي المعايير التي نبني عليها أنه يعني وقع فعلاً في الغلو؟ لو نضرب أمثلة لذلك.
الشيخ: من يعني أهم أهم ما يقع فيه الغلاة ، مثلاً الغلو يمكن أن نصنفه صنفين: غلو في العبادات، وغلو في الاعتقادات، مثلاً لنضرب، مثلاً من الغلو في العبادات: الغلو في مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- برفعه فوق منزلته ، الابتداع في الدين، أن آتي ببدعة لم تكن موجودة في الدين، الابتداع أو مثلاً الغلو في الصالحين، الغلو في تنفيذ في أداء عبادة من العبادات بشكل غير صحيح، مثلاً الثلاثة نفر الذين جاءوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحدهم قال: لا أتزوج، وأحدهم قال: يعني أصوم ولا أفطر، لا أفطر، والثالث يبقى صائماً ولا يتزوج، هذه الأمور تعتبر من الغلو في الأعمال الذي يعني ذمه الشرع ويكون المرء بذلك تجاوز فيه الشرع.
القسم الثاني: عندنا الغلو في الاعتقادات، اعتقادات قلبية، اعتقادات تتجاوز الحد المشروع، مثلاً من أشهر الأمور يعني حتى نربطها بأمورنا في الوقت الحالي هو تجاوز الحد في موضوعات التكفير، في موضوع الحكم على الناس وتصنيفهم.
المقدم: جميل.
الشيخ: في موضوع يعني تلقيبهم بألقاب التعامل معهم بشكل عام، هذه لها ضوابط معينة، عندما أحكم على شخص بالكفر، بالردة، بالفسق، بتجاوز الحد، لابد أن يكون مرجعي في ذلك مرجعاً صحيحاً، ولا أتجاوزه إلى تطبيقات غير صحيحة أو تجاوز للأحكام، عند ذلك أدخل في التشدد، أو في يعني الغلو، في الغلو في التكفير، في تجاوز الحد وأقع فيما نهانا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وما نهيت أن أدخل فيه.
المقدم: طيب عدم قبول المخالفين، أو عدم الرضا بالتعامل بالسياسة، والديمقراطية والسياسيين وما إلى ذلك، واعتبار هذا يعني من الكفر، هل يعتبر هذا أيضاً من الغلو؟
الشيخ: يعني من الغلو الذي يعني يطبق أو يظهر في الوقت الحالي هو الغلو في التعامل مع مسألة الولاء والبراء، مسألة الولاء والبراء معروف أنها من مسائل الدين العظيمة، التي لها مكانة كبيرة في الدين، لكن أحياناً أنه يعتقد بعض الأشياء أنها ولاء وبراء وتقحم في هذا الباب وهي ليست منها، مثلاً عندما آتي وأقول أو أزعم أن مجرد لقاء مع وفد أجنبي، أو مجرد عقد اتفاقية، أو مثلاً عقد هدنة، أو كذا، هذا أصبح موالاة للكافر، هذا أمر غير صحيح، النبي- صلى الله عليه وسلم- التقى بالكفار، التقى بهم، جلس معهم، عقد معهم معاهدات، بل تنازل لهم في بعض الغزوات والمعارك كما في صلح الحديبية، عندما مسح اسمه يعني تنازل عن ذكر محمد رسول الله.
المقدم: نعم.
الشيخ: يعني كانت الاتفاقيات والتعاقدات هذه أمر عادي، هذه ليست من باب الولاء والبراء، وإنما هي من باب التعامل، طبعاً ليس معناه أنه كل من يدخل في هذا المجال هو صادق أو صحيح، لا قد يكون مخطئ.
المقدم: صحيح، لكن من الغلو أن تحكم عليه بكفر أو بردة أو ما شابه ذلك.
الشيخ: نعم، بل من المهزلة أني أحكم عليه بالكفر أو بالردة من مجرد صورة، أنه لماذا؛ لأنه صُوّر مع وفد، وهذه صورته، وعرضت في بعض المواقع أنه هذا دليل على الردة ودليل على الكفر.
المقدم: طيب في المقابل يعني إذا كانت معاييرنا الشرعية تستند إلى معطيات واضحة في الكتاب والسنة حتى نحكم بغلو الأشخاص أو الجماعات وما إلى ذلك، في المقابل: ما المعايير التي يستدعيها المجتمع الدولي والمجتمع الغربي في تصنيفه للغلاة وللإرهابيين والمتطرفين، هل هو فقط من كان مسلماً مجاهداً، مقاوماً لمشروعهم.
الشيخ: هو أولاً من حمل راية الجهاد، فالجهاد نفسه يعتبر غلو، ويعتبر تشدد وتطرف، لذلك يكرهون هذا الاسم، ويريدون إحلال مكانه: مقاومة، ثورة، أو غير ذلك، مع أنها مصطلحات نستخدمها لا إشكالية في ذلك، لكن محو كلمة الجهاد هذا رقم واحد، رقم اثنين: ما النتيجة أو الغاية التي سيؤدي إليها أو تصب فيها الثورة؟ إلى أن وصلنا إلى ما وصل إليه الآن الفصائل المجاهدة، ويعني من على الأرض يرفعون راية، وكلنا يسعى إليها، ألا وهي إقامة دولة تحكم بشرع الله -عز وجل-، وطبعاً الحكم بشرع الله سيكون في غاية العدل، وغاية الحق، وغاية الإنصاف.
هذه الدولة دولة إسلامية ستعتبر خط أحمر لماذا؟ لأنها تعتبر من الغلو والتطرف.
المقدم: من الإرهاب.
الشيخ: ومن الإرهاب، فهذا معيار آخر.
المعيار الثالث: هو عدم يعني تعكير جو توافقاتهم أو ترتيباتهم في المنطقة.
دولة إسلامية، دولة قوية، دولة تأخذ الحق والعدل، ستكون ستنافس هذه المشاريع في المنطقة، وسواء كانت.
المقدم: ستفسد مشاريعها.
الشيخ: نعم، سواء كانت مشاريع طائفية، أو مشاريع تغريبية أو غيرها، وهذه المشاريع كلها، أو هذه التي تصنف بأنها إرهابية نعتقد أنه كلها نَفَسُها إسلامي، نفسها ديني، لذلك تصنف غالباً أنها إرهابية وأنها متطرفة.
المقدم: لكن في المقابل دكتور، يعني هناك من يرى أن الغلاة أو المتطرفين كما يسمونهم، هم من منح الأعداء، أو أوجد لهم الذريعة كي يتدخلوا، وكي يحاربوا الدين تحت اسم مكافحة الإرهاب، بما يقترفونه من أعمال تسيء للدين.
الشيخ: هذه العبارة مغلوطة، يعني إذا جئنا لبداية الثورة وبداية العمل المسلح، نجد أنه من بداية ظهور الجهاد والعمل المسلح بدأ النظام يعزف على قضية أنه هناك تطرف وأنه هناك إرهاب، بل لعب لعبة معروفة ومشهورة أنه أطلق سراح عدد كبير ممن كانوا مسجونين في سجن صيدنايا وهم يعني من قادة العمل الدعوي، ومن أهل الفضل والمعرفة، وهم الآن من يمسك بزمام الفصائل المجاهدة ويعني الهيئات الشرعية.
أطلق سراحهم من أجل أن يتوقع أن يكون هناك بسبب ضغط السجن والقهر.
المقدم: ردة فعل.
الشيخ: ردة فعل، لكن فوجئ أنهم التزموا بحدود الإسلام الوسطي يعني دون زيادة ودون تطرف وإرهاب، فبدأ يفتعل التفجيرات، وبدأ يفتعل الأمور المنافية لسماحة الإسلام، من تفجيرات عبثية، وغيرها، وادعاءات من أجل أن يلصقها بهم.
من المؤكد أن أي ثورة مسلحة، وظهرت فجأة وعفوية تحت نظام استبدادي أنها ستحمل بعض المخالفات.
المقدم: نعم.
الشيخ: لكن هذه المخالفات لو جئنا ووضعناها في كف، ما يفعله النظام هذا بالتأكيد لا تساوي شيئاً، هذه من ناحية، من ناحية أخرى فعلاً هناك بعض الجماعات الغالية والتي كلامنا عنها، والتي يمكن أن نتكلم فيها، هي التي وقعت في بعض الأعمال حقيقة للأسف أنها لم تكن ضد النظام، لكن النظام استفاد منها، واستفاد من السمعة التي أحدثتها، تخصصت في قتال المجاهدين، في الاستيلاء على أماكنهم، في استهداف القادة الكبار، في فرض نوعية معينة من الرؤية والنظرة التي لا يوافقها عليها غيرها، كإعلان دولة، وإعلان الأحقية بالبيعة، ولا بالإمارة ولا بغيره، هذه تصرفات موجودة، لكن هي حقيقة لم تصب النظام، ولم يعني تؤدي إلى إزعاجه، لكنه أحسن استثمارها، وهذه إحدى أهم إشكالات الغلو أنه ما ظهر في مكان إلا كان مفسداً على المجاهدين، وكان مفسداً يعني على المشروع الإصلاحي والإسلامي بشكل عام.
المقدم: والعدو يحسن توظيف مثل هذه يعني مثل هذه الجماعات.
الشيخ: يحسن توظيفها بشكل كامل، سواء كان أولاً من التهويل منها ومن شأنها، وللأسف يعني هذه الجماعات وغيرهم قد يصدقون أحياناً عندما تصف الدول الغربية أنه التنظيم الفلاني أو الشخص الفلاني بلغ أو فعل أو أصبح خطر، فيسمع هذه الكلام فيظن نفسه أنه شيء، ويظن نفسه أنه أصبح عظيماً فيزداد الغلو ويزداد الغرور في نفسه.
النظام كذلك يعني ثبت أنه استطاع، أو أنه غض النظر عن بعض التصرفات لم يقصف، لم يضرب، لم يؤذ، حتى يترك هذه التنظيمات تتمدد أو تنتشر؛ لأنها ستعود أكيد بالضرر على الثورة والثوار. بما أن هذه التنظيمات غالباً ما تكون سرية.
المقدم: يعني هو يصور الآن للمجتمع الغربي أن كل من يقاومونه في الداخل السوري هم من هذه الجماعات.
الشيخ: يعني وزير الخارجية السوري الآن ما تكلم في كلمة وافتتحها وما ختمها إلا بالتحذير من الدولة الإسلامية في الشام والعراق.
المقدم: نعم.
الشيخ: وكأنها هي الوحيدة التي تقاتله، مع أن المقاتلين على الأرض هم غيرها.
المقدم: ولا زالوا يرفضون مناقشة أي بند من بنود جنيف واحد إلا بعد يعني إقرار أن حرب الإرهاب هي الأساس.
الشيخ: نعم، حرب الإرهاب بينما مثلاً لو أخذنا الأسبوع الماضي، الأسبوع الماضي كان من الأسابيع القليلة التي فيها إنجازات للمجاهدين ضخمة كبيرة بشتى الفصائل، من جنوب البلاد إلى شمالها، ولا نجد أن مثلاً هذا التنظيم له مشاركة فيها، هذه تغض النظر عنها، لا يتكلم عنها النظام من أجل الإساءة الإعلامية.
أرجع وأقول أنه هذا التنظيم بما أنه أو هذه التنظيمات غالباً أنها سرية، فلا تظهر فيها سلسلة القيادة، لا يعرفها أهل العلم، لا يعرفها الناس، لا يعرفون خلفياتها، لا يستطيعون التأكد من أعمالها ومن الرقابة عليها، غالباً يسهل اختراقها، إلى أين يصل الاختراق؟ هنا تختلف وجهات النظر وتختلف الاجتهادات.
في الجزائر معروفة الجماعة الإسلامية كيف اختُرِقَت، وكيف أصبحت عميلة للنظام، وهذا أمر أصبح يدرس، وأصبح معروفاً وألفت فيه كتب، كذلك العديد من الجماعات الإسلامية أو الجماعات المسلحة، إسلامي أو غير إسلامي في بعض دول العالم اخترقت بهذا الشكل.
في سوريا نقول إن هناك اختراق نوعاً ما، ما هو مدى الاختراق؟ هل هو اختراق كبير؟ أو هو توظيف؟ لا يهمنا الآن نحن توصيفه، يهمنا أن النظام استطاع.
المقدم: أن يوظفه.
الشيخ: أن يوظفه، وأصبح شوكة في ظهور المجاهدين.
المقدم: لكن هناك من يخلط دكتور، هناك من يخلط بين أصحاب الفكر الغالي المنحرف، وبين الأخطاء الفردية التي قد تقع بها يعني جهات أخرى وفصائل أخرى، ما هي الصفات التي تميز الغلاة؟ كيف نميزهم عن غيرهم أن هؤلاء غلاة، وهؤلاء خوارج إن صحت تسميتهم؟
الشيخ: هذا من أهم النقاط التي يمكن أن تقال؛ لأنه العديد الذين يتناولون موضوع الغلو جماعات الغلوا، يتكلمون عن أمور ثانوية، فلان قتل فلان، ضرب فلان، استولى على فلان، لا أقصد أنها ثانوية أنها ليست بتلك الأهمية، لا لا لكن أقصد.
المقدم: فردية أو ...
الشيخ: يتكلمون عن أفعال، ويغيب عنهم..
المقدم: المنهج.
الشيخ: التكلم عن المنهج، والمنهج هو الأهم، والمنهج هو المحرك للفعل، فحتى نعرف عندنا اثنين قاموا بعملية تفجيرية ولا اثنين قاموا بعملية مسلحة، ما الفرق بين هذا وهذا؟ ننظر إلى المنطلق وننظر إلى الهدف، مثلاً الغلاة يتميزون بعدة أوصاف ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذر منها واهتم ببيانها كثيراً، من ضمنها السفه والبعد عن أهل العلم: «سفهاء الأحلام»، والسفه هذا يدل على الطيش، يدل على عدم الحكمة في التصرفات، لما آتي لتنظيم يقول وهو ما زال محصورا وصغيرا داخل سوريا وداخل المناطق المحررة، وليس له قوة يقول: لأقاتلن جيوش العالم وأقاتلن جيوش الأرض، هذه ليس فيها شيء من الحكمة، وليس فيها شيء من التعقل، وليس فيها شيء من معرفة المآلات والعواقب، من أهم الصفات كذلك هو التكفير تكفير المسلمين، طبعاً يحتج بعض الغلاة يقول نحن لا نكفر المسلمين، ولا نحكم عليهم بالكفر ولا بالردة، يقصد عموم المسلمين، نقول: لا، نعم أنت لا تكفر المسلمين ربما كعموم الناس، لكن تضع ضوابط للتكفير ليست ضوابط صحيحة.
المقدم: يدخل فيها كل المسلمون.
الشيخ: يدخل فيها المسلمون بالتبعية، يعني عندما أصدر مثلاً فتوى، وفتواهم الأخيرة بردة الائتلاف، والمجلس الوطني، وردة هيئة الأركان، ثم أن كل من خالفهم وكل من قاتلهم، أو وقف ضدهم ولم يقبل بهم من الجماعات المسلحة وأصبحوا صحوات ردة ونفاق، فأصبحوا مرتدين، وتتوالى البيانات كل فترة وفترة بأن هؤلاء أهل ردة، أو أهل نفاق وأهل عمالة، سواء، صحيح في اختلاف بين من وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في العصر الماضي بأنهم كانوا يكفرون كل مسلم بفعل الكبيرة وبين هؤلاء، لكن المؤدى واحد وهو تكفير شريحة من المسلمين واسعة، واستحلال دمائها واستحلال أموالها، فهذا نوع من التكفير ونوع من الغلو، أمر ثالث وخطير جداً، وهو ما نلحظه، وهو ما أربك الساحة لفترة معينة، وهو أن فهمهم للإسلام فهم غير صحيح، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد وصفهم «بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم»، «يقرؤون القرآن ويقولون من خير قول البرية» قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، يستشهدون بآيات، يستشهدون بأحاديث، لكنهم في الوقت نفسه لا يفهمونها ويطبقونها تطبيقاً خطئاً، كما قال ابن عباس: "أنهم يأخذون الآيات التي نزلت في الكفار فيضعونها في أهل الإسلام" ، النتيجة أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الشرك والأوثان.
لعلنا تابعنا والجميع تابع، ما يتعلق يعني بالأحداث الأخيرة، جبهة معينة مثلاً، أو فصيل مسلح يقوم بعملية جهادية في منطقة ما، ثم يفاجأ بالخلف ممن يضربه بعملية انتحارية تسمى استشهادية، ولا يحكم عليه بالردة، ولا يقصف مقره، لماذا؟ لأنه مرتد، بل نُهَددْ بأنه الجيوش ستسحب من الجبهات ثم تُفرِغ لقتال المرتدين، نحن متفرغين لقتال العدو النصيري الطائفي المجرم وميليشياته الطائفية، وهناك من يأتي يقتلنا باسم الإسلام ثم يدعي أن هذا الإسلام، هذا بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الشرك والأوثان» هذه من أهم الصفات.
المقدم: طيب يعني بعض هؤلاء أو بعض حتى من يتعاطف أو يؤيد قد يقول، نحن في زمن طغى فيه أعداء الإسلام، وأذاقوا المسلمين أصناف الذل والهوان، آن الأوان لنعيد لهذا الدين عزته، لأن نعيد له هيبته ومكانته، من باب قوله تعالى: ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ))[المائدة:54]، فلماذا تتهموننا بالغلو والتطرف والإرهاب ونحن نسعى فعلاً لإرهاب أعداء الدين كما تفضلت قول الله عز وجل: ((تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ))[الأنفال:60]، فنحن في ديننا ما يحثنا على إرهاب العدو، فلماذا تنكرون علينا؟ هل هذا القياس صحيح ووارد؟
الشيخ: لا، هذا خلط بين المفاهيم، هو الإشكالية أنه هناك خلط كبير في التعامل مع الأحكام الشرعية، يعني مثلاً مصطلح التكفير.
المقدم: نعم.
الشيخ: مصطلح التكفير هذا أمر حكم شرعي صحيح، ووارد في الكتاب والسنة، وله ضوابطها التي ذكرها أهل العلم، لكن الغلو أين يحصل؟ يحصل عندما آتي وأضع ضوابط لم تنزل لا في قرآن ولا في سنة، وأبدأ أحاكم الناس عليها، هنا يكون خروج على المنهج الصحيح، نيتي أن أجاهد، جيد نيتك أن تجاهد لكن كيف تجاهد؟ وما هي منطلقاتك؟ وما هي أهدافك؟ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما سئل عن الخوارج، قيل له: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. إذاً نيتهم كانت سليمة، أو على الأقل أنها كانت طيبة، أرادوا الخروج من الكفر والهروب منه، لكنهم وقعوا في ماذا؟ وقعوا في ما هو أعظم، وقعوا في الابتداع في الدين، في شق صفوف المسلمين، ثم في استحلال دماء أفضل البشر بعد الرسل –عليهم الصلاة والسلام - وهم الصحابة، فعندما يأتي شخص ويقول: أريد أن أجاهد، نقول له: عاطفتك هذه طيبة ونية جيدة، لكن إن لم تكن مربوطة ومضبوطة بالشرع فإنها سوف تخرج عن نطاق الشرع.
المقدم: نعم.
الشيخ: ليس من الصحيح وليس من يعني المنهج السليم أن مثلاً، مثلاً من ضمن الأشياء أن تأتي لغيرتك على المسلمين، تأتي وتضع ضوابط لم ينزل بها شرع ولم ينزل بها دين عندما أمتحن الناس في عقائدهم، أقول له لا أجلس معك على طاولة المفاوضات، ولا أتصالح معك إلا أن تكفر فلان وفلان وفلان وعلان هذا شرط ليس في كتاب الله وليس في كتاب رسوله، المشروع هو أن مثلاً أن نتناقش ونتحاور في قضية الحكم بما أنزل الله، ما حكمها ما تأصيلها؟ الولاء والبراء، أما أن أناقشك في مسألة فرعية اللي هي تطبيق هذا الحكم على فلان، ثم اعتقاد وامتحانك على عقيدتك هذه ليست من منهج أهل السنة، بالعكس هي من منهج الغلاة والخوارج، ولذلك كانوا في عهد الصحابة كانوا يفعلون قريب من هذا الوقت، أنهم يضعون حراسات، ويأخذون الناس من الطرق ويسألونهم: هل تكفر فلان أو هل تكفر فلان، وما عقيدتك في فلان؟ فإن كفر الصحابة تركوه وإلا قتلوه، كما فعلوا ببعض الصحابة وبعض التابعين، الذين قتلوهم، بل ذبحوا بعضهم ذبحاً على الأنهار.
فعندما يأتي شخص ويقول: نيتي سليمة، أو منطلقي سليم نقول له: يعني هذا جزء مما يجب عليك، لكن إن لم تكن هذه النية مرتبطة أو منضبطة بالضوابط الشرعية فهذا أمر غير صحيح؛ لأنه شرط قبول العمل الصحيح كما هو في الشرع لابد له من أمرين: النية السليمة، وأن يكون وفق ما شرع -النبي صلى الله عليه وسلم-
المقدم: شرع النبي -صلى عليه وسلم-
الشيخ: نعم.
المقدم: طيب، فضيلة الشيخ في هذه المناقشة العلمية التأصيلية نحن نفتح ملفات قديمة ربما جددتها الثورة السورية اليوم، في سوريا ظهرت هذه المجموعات التي تحمل هذا الفكر الذي تحدثت عنه، فكر الغلاة، فكر التطرف إن صحت تسميته، وشاهدنا أو ذكرت بعض مظاهر هذا الغلو عند هذه الجماعات، لكن كيف ترى أثرها على الثورة السورية، البعض يقول: لماذا لا تتركون هذه الجماعات وقد خرجوا كما ذكرت ربما بحسن نية؟ بحماس لنصرة هذا الدين والدفاع عن المظلومين، ومعروف عنهم البأس والشجاعة وكذا، اتركوهم يُثخِنوا في العدو ولا تناصبوهم العداء، وبعد أن يسقط النظام ويتحقق النصر يمكن أن نناقش هذا الفكر، ونعالج مشكلة الغلو التي لديهم.
الشيخ: أما البأس والشدة فهي موجودة عند غير المسلمين، بل موجودة عند الخوارج، وكانوا معروفين ببأسهم وقوتهم وشراستهم وقيلت فيها الأشعار الحماسية كثيرة، فهذه ليست مقياس، الشيء الآخر كما يقال كما تفضلت أنه لماذا تثيرون الموضوع الآن؟ أقول: من جاء واعتنق الفكر الغالي أو الفكر الخارجي اعتنقه وجلس في بيته، أو التزم بالضوابط العامة، هذا يمكن أن يتعامل معه بالنقاش بالحوار، فكما يقال :نأخذ ونعطي معه، نحَكّمُ بيننا عالماً أو شخصاً، لنجد حل لهذا الأمر، وهذا ما فعله عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عندما ذهب إلى الخوارج وناقشهم، لكن عندما يتحول الأمر إلى مشروع تدميري، بدل من أن يكون مشروع بناء يكون مشروع تدمير وهدم وإيذاء للثورة، قتل مجاهدين، استيلاء على المقرات، ضرب مفاصل الثوار، ومحاولة الاستيلاء مثلا على المعابر الحدودية، عرقلة العمليات الجهادية في عدد من المناطق، إثارة الفتنة في الدين وهذه من أهمها، يدخلون بين الكتائب ثم يبدؤون يكفرون، كتيبة ربما بعض أفرادها لا يفهم أو لا يستطيع القراءة والكتابة ، يدخلون يقولون: ما رأيك بالحاكم الفلاني؟ وما رأيك بالحاكم الفلاني؟ حتى في بعض المناطق كما قيل لي كانوا ينصبون، أحد الحواجز كانوا يطلبون التكفير عدة رؤساء من رؤساء الدول الإسلامية، وبهذا الموضوع لم تعد قضية أنه يعني جماعة.
المقدم: عجيب الأمر، يعني هل ذهب للجهاد أم ذهب ليكفر شيء غريب حقيقة.
الشيخ: هنا نعم هنا أرجع إلى أن أقول: أنه هؤلاء يعني أصحاب مشروع تدميري، ولذلك كما قال أحد الفضلاء: أنه لم تقم، أو لن تقوم للخوارج دولة لماذا؟ لأنها تقوم على الظلم ظلم العباد، والله -عز وجل- لا ينصر الدولة الظالمة، بينما أنه يمكن أن تقوم دولة للمرجئة، لأنه الإرجاء يكون بالخلل في الدين، والله عز وجل أقام حتى دول كافرة، فهؤلاء شرهم لم يقتصر على فساد العقيدة، بل تعدى إلى غيرهم، وأصبح مشروعاً يعني يسبب تآكل للمشروع الجهادي والمشروع الإسلامي.
المقدم: وهم أصبحوا خنجراً في خاصرة المجاهدين وفي خاصرة الأمة.
الشيخ: بشكل واضح، سواء الفصائل المسلحة أصبحوا سبباً لإضعافها، سبب للطعن فيها، والمشكلة عند هؤلاء أنه بما أنه يعتقدون أن من خالفهم كفر، ومن خالفهم أصبح مرتد وأصبح في الصحوة وغيرهم، ولا يريدون النزول إلى عموم المسلمين لتكفيرهم كما يزعمون، بدأوا بالتركيز على القيادات؛ لأن القيادات هي التي يعتبرونها أشد كفراً، ففي فترة زمنية معينة نجد أنه تم قتل واستهداف العديد من القيادات الجهادية، والعديد من القيادات الإعلامية وغيرها، فكثر القتل والإثخان في هؤلاء، والعمليات التفجيرية التي نراها في الأخير كانت استحلال القتل فقط في هذه الطبقة المميزة من القادة، عدة أشخاص كانوا هم الفاتحين لمناطقهم، هؤلاء قتلوا على يد هؤلاء الغلاة، والنظام عجز أن يصل إليهم بسنتين بكل جواسيسه وطياراته.
إذاً أصبحوا مشروع تدميري يهدد المشروع الجهادي في الإسلام في سوريا، وأهم ومن ضمن نتائجه حقيقة هي كراهية الناس للدين، الآن أصبحنا نرى، من يعني من يستهزئ بهؤلاء، يستهزئ بأشكال أناس ملتحين، أشكال أناس مقصرين ثيابهم.
المقدم: مظاهر التدين.
الشيخ: بمظاهر التدين، قضايا ظهرت استهزاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ظهر الاستهزاء بالزواج من أربع نساء، ظهر الاستهزاء، ظهر الاستهزاء بالشعائر الدينية بسبب هؤلاء، فمشروعهم أصبح خطراً على الدين نفسه، وأصبح خطر على الجهاد.
المقدم: الله المستعان.
الشيخ: ثم أهم مسألة.
المقدم: نعم.
الشيخ: أنهم كما قيل إن تركتهم لن يتركوك؛ لأنه أصبح يعتقد أنك أنت أو أصبح يعتقد أن هذا المشروع الآخر هو مشروع عدائي له، مشروع خيانة.
المقدم: نعم.
الشيخ: وكما صرحوا عدة مرات أنه كل مشروع يخالف مشروعنا فهو إما مرتد وإما كافر أو عميل.
المقدم: وهو عدو ويجب مقاتلته.
الشيخ: وطبعاً يستشهدون.
المقدم: بل يرون مقاتلته قبل مقاتلة النظام.
الشيخ: نعم، والخطأ هنا تنزيل دائماً، نعود لأهم الأخطاء هي فهم النصوص الشرعية فهماً خطأً وتنزيلها تنزيل خطأ، ويقولون دائماً أن قتال المرتدين أولى من قتال الكافرين.
المقدم: سيأتي الحديث عن يعني عن التعامل معهم وفق منهج الشرع، ولكن يعني طالما تعلمنا في العلوم الطبيعية والفيزياء أن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه، ربما يعني ينطبق هذا على الغلو والتطرف، أليس الغلو في الظلم والقهر والإجرام الذي يعني يمارسه هذا النظام، أو يمارسه حتى المجرمون على مر الزمن، أليس هو يعني من حرض على أن تظهر هذه الحركات المتطرفة، الإرهابية، أو سمها الغلو المقابل والمساوي في المقدار لكنه معاكس في الاتجاه، يعني من أفرز هذا الفكر، حين يسمح لغلاة الرافضة بأن يتحكموا ببلاد السنة في المنطقة، حين يسمح للهندوس وغلاتهم أن يحكموا المسلمين في كشمير ويستعمروها، حين يسمح للبوذيين أن يذبحوا المسلمين في بورما ذبح النعاج، وحين يسمح لليهود أن يغتصبوا مقدسات المسلمين في فلسطين، أليس هذا كله يولد هذا المنهج وهذا الغلو وهذا التطرف؟
الشيخ: بالضبط، إذا جئنا لموضوع أسباب ظهور الغلو، طبعاً هي موضوع طويل، لكن يمكن إيجازه بنقطتين: النقطة الأولى هي الأسباب التاريخية إن صح التعبير للغلو، أسباب تاريخية هي أسباب مستمرة منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وستستمر في كل وقت، من أهمها: الجهل في الدين، الاغترار بالنفس، البعد عن أهل العلم وازدرائهم واحتقارهم كما نشاهد في كل جماعات الغلاة التي ظهرت أنهم يكفرون أو يفسقون أهل العلم، بل ليس منهم أحد عالم شهدت له الأمة بالعلم، بالإضافة إلى يعني مسائل أخرى عديدة تاريخية تظهر في كل زمن، وسبب محرض رئيسي.
المقدم: وهل تنطبق على واقعنا اليوم؟
الشيخ: بالضبط تنطبق هذه تنطبق بشكل دائم، اتباع الهوى، وغيرها من الأمور التي ذكرناها قبل قليل في صفات هؤلاء، هذه تنطبق في كل وقت.
إذا جئنا لوقتنا الحالي فعلاً هناك أمور ساعدت وأسهمت في تغذية هذه التيارات، من ضمنها مثلاً كما تفضلت الظلم والاضطهاد الذي حصل على المسلمين، الظلم والاضطهاد الذي حصل على الأمة بشكل عام، أو على بعض أفرادهم الذين سجنوا وانتهكت كرامتهم وإنسانيتهم في السجن.
عندنا مثلاً من الأسباب الأخرى المعاصرة مثلاً يعني إذا قلنا البعد بعد المسلمين عن دينهم، كثرة البدع وكثرة المعاصي، وتحولت بعض البلدان الإسلامية إلى يعني مجتمعات بعيدة عن الإسلام، كذلك من الأمور مثلاً ومن أهمها هي الانقطاع بينهم وبين أهل العلم، بما أنهم كفروهم وفسقوهم ولم يقبلوا بأقوالهم، إذاً ابتعدوا عنهم وانقطعوا عنهم، وأخذوا زوايا معينة في المجتمع وبدأوا يجترون أفكارهم ويقرؤون آيات الله والسنة وغيرها بحسب أفهامهم، هناك شعور بالغيرة، هناك شعور بالعاطفة، هناك يعني ضغط نفسي، هناك طموح لتحقيق الأفضل، لكن أنا يعني يمكن تفهم هذه النقاط، لكن هذه النقاط إن لم تضبط بضابط شرعي، فعند ذلك يكون تصرفها خطأ، فلان من الناس سُجِنَ وضُرِبَ وظُلِمَ وأُوذِيَ، ما هو مبرره للحكم على أخيه المسلم بأنه كافر، ثم استهدافه، ثم قتله؟ إن كان قد حنق واغتاظ وكذا فليوجه سيفه ويوجه سلاحه لأعداء الإسلام إن كان صادقاً، وهؤلاء بثوب انحرافهم والمنظومة الفكرية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الكفر والأوثان».
عندما نتعامل مع هذا الموضوع له جانبين: الجانب العام يعني لعلاجه بشكل جذري، أو للتباحث بين أهل العلم وأهل الاختصاص، نعم يمكن أن نقول هذه من الأسباب، لكن على أرض الواقع نقول لهم: ليس هذا عذراً لكم، لندخل في سوريا الآن، أنتم مغتاظون، تريدون الانتقام هذا هو العدو أمامكم، لا بل يتركونه ويتجاوزون المطارات ويتجاوزون الحواجز ثم يذهبون للمجاهدين المسلمين ويضربونهم لماذا؟ لأنه بسبب الانحراف لم يعد المهم هو إسقاط النظام، وإنما صار المهم عندهم هو إقامة نظامهم هم، حتى لو كان على بقعة صغيرة من الأرض كما صرحوا في عدة مرات.
المقدم: مستغلين تحفظ الجانب الآخر على دمائهم كونهم يرونهم مسلمين.
الشيخ: هذا أهم أسباب الإشكالات التي حصلت.
المقدم: ولعل هذا يقودني يعني دكتور إلى المحور الأهم في نقاشنا هذا، ألا وهو المنهج الشرعي، ومنهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع هؤلاء الغلاة، ثم نأتي على العلاج.
الشيخ: يعني المنهج الشرعي طبعاً يمكن إجمالهم في نقاط معينة.
المقدم: نعم.
الشيخ: أول شيء لابد من التوعية والتحذير من هذا الغلو، وعندما نبين للناس ما هي حدود الشرع؟ ما هي حدود الولاء والبراء؟ ما هي حدود التكفير؟ ما هي حدود الحكم على الآخرين؟ ما هي حدود السياسة الشرعية؟ ما يجوز في السياسة الشرعية وما لا يجوز.
المقدم: نعم.
الشيخ: ما يجوز يعني في التعامل مع الكافر وما لا يجوز.
المقدم: نعم.
الشيخ: هذا أمر واجب وشرعي، حتى لجميع المجتمع بشكل عام سواء كان من احتك بهم أو من لم يحتك بهم؛ لأنه هذه فيها حماية للمسلمين منهم، الشيء الآخر من كان قادراً على النقاش والحوار معهم ليقم بذلك، وطبعاً هذه تختلف من شخص إلى شخص وربما تختلف من جماعة إلى جماعة وغيرها، وأثبتت يعني في الداخل السوري أثبتت يعني نجاحتها مع ربما مع أفراد قليلين، لكن مع القيادات الكبرى لم تثبت، الأمر الآخر هي يعني محاولة التوازن في التعامل مع هؤلاء، التوازن المقصود به أنه نجد الآن نحن عندما نتكلم عن الغلو، في الوقت نفسه النظام يتكلم عن التشدد والتطرف، النظام العالمي يتكلم عن التشدد والتطرف، يعني إذا أتى شخص ونظر إلى الصورة بشكل عام يقول كلكم مجتمعون على هؤلاء، لا نحن ليس كل واحد، نحن ليس في صف أولئك، نحن أوذينا فلذلك نتكلم ونرد، أما أولئك لا، لهم أهداف يعني وغايات أخرى.
المقدم: يخلطون الأوراق.
الشيخ: نعم، لابد أن يكون نحن عندنا وضوح حتى لا نخلط هذه الأوراق.
المقدم: جميل.
الشيخ: يعني من أسباب من طرق كذلك التعامل معهم يعني كما تفضلت في البداية أنه من يعني، من كف شره، أو من لم يقتل ولم يقاتل يُكَف عنه، وهذا كان في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه نهى عن قتالهم ما لم يبدؤوكم بالقتال، طبعاً هذه كذلك تختلف من وقت إلى وقت ومن زمن إلى زمن، في الداخل السوري مثلاً هذا الأمر انهار، وأصبح هناك، لم تعد تستطيع أن تقول: لا أريد أن أقاتل، لا أريد أن أبادئ، لأنه الساحة أصبحت.
المقدم: العلاج قد يصل إلى القتال إذا اضطررت.
الشيخ: الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما تكلم عن أنواع التعامل مع هؤلاء وذكر صفاتهم.
المقدم: نعم.
الشيخ: توقع أن يكون هناك من سيأتي في المستقبل ويغتر بأفعالهم، ويغتر بعبادتهم، ويغتر بما يعلنونه من شعارات عامة، سواء كانوا في عهد الصحابة، لما كانوا يرفعون شعار: ((إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ))[يوسف:40]، الآن ترفع شعار إقامة الخلافة وإقامة الدولة وغيرها، فحتى لا يغتر بهم، ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفاتهم التي ذكرناها قبل قليل أنه قال: «يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامه»، فنبه إلى أن هؤلاء عندهم طاعة، وعندهم عبادة، وعندهم يعني حرص شديد، بل كما ورد أن أثر السجود في جباههم وأيديهم كما في مقولة عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، ولكن بما أن الأهم والأشد هو أنهم هؤلاء يعني مشروعهم تدميري، ومشروعهم الإفساد ضد العالم الإسلامي وضد المجاهدين وضد الدين، عند ذلك أذن النبي -صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وقال: «لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد».
بل النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب عن سؤال ربما يُسأل الآن في الوقت الحالي، ولنفرض أنه قام بيننا وبين هؤلاء الغلاة قتال، ما حكم قتلانا؟ وما حكم قتلاهم؟ فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قتلاهم هم شر قتلى على أديم الأرض، وقتلانا نحن المخالفين لهم هم خير القتلى، وبذلك استنتج أهل العلم أن قتال الغلاة ومنهم الخوارج هو ليس قتالاً مذموماً بل هو قتال مشروع، وهذا القتال المشروع ينبغي أن لا يتوقف فيه، ينبغي أن لا يعني يتحرز الإنسان منه، وليس هو قتال الفتنة.
المقدم: وهنا قد تختلط بعض الأمور وبعض الأحكام والمفاهيم عند بعض الناس.
الشيخ: نعم.
المقدم: ما بين الفتنة وما بين قتال الخوارج.
الشيخ: بالضبط، يعني جاء البعض وقال: أنه القتال الذي يحصل بين المسلمين أو بين المجرمين، وبين المجاهدين وبين الغلاة هو قتال فتنة، أقول: لا، قتال الفتنة ذكر أهل العلم أنه القتال الذي يكون تحت راية جاهلية، القتال الذي يكون على منصب أو على متاع دنيوي، القتال الذي يكون بين فئتين لا يعرف يعني الحق لمن هما، وبهذا وردت الأحاديث الشريفة في النهي عن القتال، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل»، بل ورد في أحاديث أخرى الأمر بأنه - يعمد أحدكم إلى صخرة فيكسر سيفه-، وبهذا نجد فهم السلف رحمهم الله ورضي الله عنهم لهذا الأمر.
عندما قامت الفتنة بين الصحابة -رضي الله عنهم- لم يقم فيها إلا عدد قليل جداً من الصحابة، كما ذكرت المصادر والمراجع أنه لم يقم في القتال بين الصحابة إلا عدد قليل جداً، المعظم كانوا من غير الصحابة، واعتزل كثير منهم القتال، وابتعدوا عنه وحذروا منه، لكن عندما جاء قتال الخوارج نجد أن الصحابة الذين اعتزلوا القتال دخلوا في هذا القتال وكانوا من أول المقاتلين، وكانوا يحتسبون الأجر من الله سبحانه وتعالى على قتالهم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد».
هؤلاء مشروعهم ليس مشروع بناء، وليس مشروع قيام دولة، بل مشروع تدميري ومشروع إفساد في الدين، ليس في الوقت الحاضر بل حتى في المستقبل، لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما ذكر يعني ما سيؤول إليه أمرهم يقول: «حتى يلحق آخرهم بالدجال»، إذاً سيكونون هم مع الدجال، وسيكونون من ضمن جنود الدجال في آخر الزمان.
المقدم: كيف نحمي شبابنا من مثل هذا الفكر؟
الشيخ: أول مسألة لابد من توضيح يعني، لابد من اقتراب أهل العلم من هؤلاء الشباب، ومن توضيح الأحكام الشرعية، ثم تعويد الناس وتعويد الشباب بشكل عام على عدم التعامل بالعاطفة، عدم التعامل بالمظاهر، عندما آتي وأسمع إنسان يتكلم بالجهاد، ويتكلم بالقتال، ويتكلم بالدين هذا لا يعني أنه إنسان صادق، لا يعني أنه إنسان متبع للمنهج، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا في الحديث عندما ذكر الصحابة وهم أفضل البشر بعد الرسل، قال: «يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم»، لابد أن نعرفهم بالمعيار الصحيح في الحكم على الأشياء وهي المنهج وليس مجرد الظاهر أو الادعاءات، الالتزام بجماعة المسلمين، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن الخوارج هؤلاء متى يظهرون؟ قال: «يخرجون على حين فرقة من المسلمين»، فهذا وقتهم وهذا زمانهم، لا يستطيعون الظهور في وقت تتكاتف فيه الأمة، وتلتئم فيه وتتحد، لذلك نقول للجماعات الجهادية والفصائل المجاهدة: للقضاء على هذا الفكر، ونحن طبعاً هذا الفكر لا نحصره بتنظيم معين؛ لأنه هذا التنظيم يمكن يموت الآن ويظهر الفكر في مكان آخر تحت اسم آخر، والخوارج وفكرهم الغالي ثبت أنهم فكر ولاّد عبر الزمن، يتنقلون.
المقدم: يتجدد.
الشيخ: ومتجدد، تموت جماعة ثم يظهر نفس الفكر في جماعة أخرى، فإذاً نقول لهم: وحدتكم هي سبيل الانتصار على هؤلاء، وهي سبيل القضاء على هؤلاء؛ لأن الاجتماع على الدين، والاجتماع في جماعة واحدة والتقوي، وسيكون فيها اجتماع على الحق، سيكون في جانبها أهل العلم، سيكون مشروعها واضح الملامح يقنع الجميع، سيكون فيها يعني التناصح والتعاون، وعدم الانفراد بمشروع، وعدم الانفراد بزعم أحقية أو منهج صحيح، عند ذلك الفكر الآخر أو الفكر الثاني لن يكون له قائمة، وإن قام فإنه سيكون معزولاً وسيمكن القضاء عليه، أما إذا كنا متفرقين، سيبدأ يبث الفتن والأفكار.
المقدم: نعم.
الشيخ: ثم بعد ذلك سيكون هناك اختلاف في مقاومته، أنا أقاتل، الثاني يعتزل، الثالث يرفض، وربما يسبب الضرر الكبير في المجتمع.
المقدم: هل الإنكار على الغلاة وفي كلمة أخيرة هي دعوة للتفريط؟
الشيخ: بالعكس هي دعوة للتمسك بالدين وحماية الدين، ولولا خوفنا على الدين من أن يذم بسبب هؤلاء لما تكلمنا في الغلاة، ودعوتنا إلى وسطية الإسلام والتمسك به، لا إلى التفريط والتمييع.
المقدم: فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
الشيخ: بالضبط.
المقدم: وخير الأمور أوسطها.
الشيخ: نعم.
المقدم: وديننا دين الوسطية.
الدكتور عماد الدين خيتي عضو المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية، لم يتبق لي إلا أن أشكر تواجدك معنا هذه الليلة، والشكر موصول لمشاهدينا الكرام على حسن المتابعة.
وحتى الملتقى دوماً بمشيئة الله نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
https://islamicsham.org