تركيا.. ما الذي يريده الغرب لها؟
تركيا.. ما الذي يريده الغرب لها؟
يعجب المرء من استمرار مأساة سوريا، وهي مأساة القرن دون منازع إلى أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام، ورغم مئات الآلاف من القتلى، والملايين من المشردين والجياع، وعشرات الآلاف من سجناء الرأي، ودون أن يتحرك هذا المجتمع الدولي الذي أصابه التبلد، وفقدان الإحساس، وانعدام الضمير.
إلا أن العجب الأكبر هو أن يتحرك عند ما بدأت مأساة بضعة آلاف من اليزيديين الذين أصابهم ما أصاب غيرهم على يد داعش (دولة العراق والشام الإسلامية) فتتحرك قوافل الإغاثة الإنسانية، وعلى بعد بضع مئات من الكيلومترات هناك مناطق سورية تعاني من الحصار والجوع ولأكثر من عامين دون أن يسترعي هذا اهتمام العالم حتى لو استدعى أن يأكل هؤلاء المحاصرون لحم القطط والكلاب.
إلا أن ذروة الاستخفاف بالدم السوري خاصة ودم المسلم عامةً أن يتحرك هذا العالم مرةً أخرى تسبقه طبول الإعلام العالميّ، والحشود الجويّة لأكثر من أربعين دولة والحجّة جاهزةٌ وهي دولة العراق والشام الإسلاميّة التي غضّ هذا العالم الطرف عنها وهي تجتاح مدن شمال العراق مدينة مدينة، واجتاحت الأراضي السورية، وافتعلت المجازر التي تقشعر منها الأبدان في مدنٍ ومحافظاتٍ واسعةٍ من سوريّا كدير الزور والرّقة وغيرها، إلا أن الأصوات لم ترتفع إلّا عندما وصلت كتائب داعش التي لا يتجاوز عدد مقاتليها في أحسن الأحوال ثلاثين ألفاً، حتى وصلت هذه إلى بلدة صغيرةٍ هي عين العرب(كوباني)؛ ولتصبح هذه البلدةُ التي خلت إلا من مقاتلين سبق أن وضعهم النّظام العالمي ضمن قائمة الإرهابيّين.
فلم هذا الاهتمام بعين العرب؟
وهل كان هذا الاهتمام هو استيقاظ مفاجئ لهذا الضّمير العالمي؟!
وإذا كان الأمر كذلك فلمَ لا يرى هذا الضمير براميل النظام التي تُلقى على المدن السوريّة بالتّزامن وربما بالتّنسيق مع طائرات التّحالف، ولا تستهدفُ كلاً منها إلا المدنيين والعزّل، ولتساهم وبشكل فعّال في استمرار مأساة الشعب السّوريّ؟!
أم أن المقصود من التّحالف والحشد الدّولي هو محاصرة تركيا ومعاقبتها على موقفها من الشّعب السوري الذي استضافت منه مئات الآلاف؛ فأحسنت استضافتهم في الوقت الذي أساء إخوةُ الدّم واللّغة والدين إليهم واعتبروهم عبئاً يجب التّخلص منه؟!
أم أن المقصود إحراج تركيا ودفعها للمشاركة بريّاً وبجندها في هذه المسرحيّة؛ وليعود الآلاف من جنودها قتلى؛ وبذلك يهيّئون الفرصةَ لتذمّر الشعب الذي أعلن رضاه عن أداء حكومة أردوغان وارتضاه رئيساً له في الوقت الذي تُحجم هذه الدول عن إرسال جنودها إلى سوريّا؟!
وهنا نتساءل: ما سبب حرص المجتمع الدولي ممثّلاً في الأمم المتّحدة وممثلاً في أكبر دولها وهي الولايات المتّحدة على دخول تركيا بعدتها وعتادها في حرب ستعود عليها بالضّرر حتماً؟!
هل السبب هو حرص هذا المجتمع على عين العرب (كوباني) أم هو حرصهم على الأكراد؟!
ثم من الذي طرد الجيش الحرّ من مناطق الأكراد؟!
أليست هي القوات الكرديّة (PYD)؟!
ألم تعلن القوّات الكرديّة أنها قادرة على الدّفاع عن الأكراد وأنها لا تحتاجُ إلى الجيش الحرّ، ورفعت العلم الكرديّ وأعلنت الحكم الذاتيّ؟!
لماذا انسحبت القوات الكرديّة، وخاصةً (PYD) أمام قوات داعش وتركت المدنيين يلقون حتفهم؟!
ألم يكن (PYD) حلفاء النظام السوريّ وشركاء النظام في إدارة القامشلي والحسكة والعامودا والدرباسية... ولم يقفوا مع السوريين الذين ثاروا في وجه النظام الظّالم، بل حاربوا الثّوار وطردوهم من أراضيهم (تل حميس والشدادي)؟!
لماذا لا يطلب هؤلاء المساعدة من النظام السوري الذي يلقي البراميل والصواريخ على الشعب الأعزل؟! أليست رأس العين (كوباني) ضمن الأراضي السورية؟ّ
لماذا نطالب دولة أخرى بالتدخل لحماية بلدة ليست ضمن حدودها، بينما يملك النظام السوري القوّة العسكريّة الكافية للدّفاع عنها؟!
هل المواطنون في عين العرب (كوباني) تابعون للحكومة التركية؟!
وهل يوجد قانون يلزم دولة بالتّدخل عسكريّاً لحماية شعبٍ في دولة أخرى؟!
لماذا لا توافق أمريكا على شروط تركيا والتي هي شروط منطقية، وتنهي بها مأساة الشعب السوري بكل أطيافه، وهو الذي عانى على مدى أربع سنوات ما لم يعانه شعبٌ في هذا العالم على يد السفاح بشار الأسد؟!
إنّ الأمور لم تعد خافية أو غامضةً على الإنسان العاديّ كما كانت سابقاً؛ فالفضائيّات والإعلام الذي استطاع أن ينقل كل شاردةٍ وواردةٍ جعل الأمور أكثر وضوحاً، فالمقصود من كل ما نراه هو تركيا، وإسقاط حكومةٍ استطاعت أن تعيد إلى الدولة التركية شيئاً من هويتها الإسلامية وأن تتخلص من تركة ثقيلة حمّلتها إياها الحكومات السابقة، وأهم من كل ذلك كانت تركيا الظّهر القويّ الذي استند إليه المظلومون والمضطهدون واللاجئون من بطش الظالمين، في الوقت الذي تخلى عن ذلك من كان يجب أن يقوم بهذا الدور.
إن المطلوب غربيّاً وأمريكيّاً وإسرائيلياً هو تسليم المنطقة لإيران؛ لتكون شرطي المنطقة والوكيل المعتمد لهذا الغرب ربما لأن هؤلاء فقدوا الثقة في النّظام التّركي المستعصي على التبعيّة العمياء، والذي يعمل على بناء دولة تحترم نفسها وشعبها، وتعمل باستقلالية وبما يتوافق مع مصالحها، وليلتقِ الغرب وأمريكا وإسرائيل مع إيران حيث تجمعهما مصالح وأهداف ليس أقلها العدو التاريخي المتمثل في الإسلام والعرب.
https://islamicsham.org