حكم من أُكره على الالتحاق بحملة التجنيد الإجباري لجيش النظام السوري
السؤال:
يقوم النظام السوري بحملة تجنيد وسَوْق إجبارية في مناطق سيطرته؛ لتعويض النقص الحاصل في صفوفه، ويهدد بمعاقبة المتخلفين أو سجنهم، فهل يجوز الالتحاق بهذه الحملة إذا خشي الشخص على نفسه السجن أو التعذيب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن إجرام النظام السوري وإيغاله في الدماء والأعراض أصبح واضحًا ومعلومًا لدى القاصي والداني، وغدا السعي لإسقاطه واجب الوقت الذي يجب على الجميع الإسهام فيه، وإنَّ إعانَتَهُ على قتل المسلمين بأي نوعٍ من أنواع الإعانة منكر عظيم ، وجُرم كبير، لا يُعذر فيه بالإكراه، وتفصيل ذلك فيما يلي:
أولاً: لا شكَّ في إجرام النظام السوري في حق الشعب، وإسرافه في ممارسة شتى أنواع التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي، كما أنَّه لا شكَّ في اجتماع أسباب عديدة لكفر هذا النظام وردته عن الدين، ومعاداته لله ولرسوله؛ لذا فإنَّ مقاومته ومجاهدته بكل وسيلة مشروعةٍ هي من الجهاد في سبيل الله.
قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فِهو شهيد) رواه أصحاب السنن.
وصدرت بذلك الفتاوى والدراسات العديدة خلال السنوات الماضية (*).
ثانيًا: لا يجوز الانضمام لجيش النظام المجرم؛ لما فيه من الإعانة على قتل الأبرياء ومعصومي الدماء، وقد حرَّم الله تعالى قتل النفس بغير حق، وجعله من أعظم الذنوب التي يُعصى بها.
قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دما حرامًا) رواه البخاري.
وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا) رواه النسائي.
وقال ابن عمر رضي الله عنه: "إِنَّ مِن وَرَطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه".
وأول ما يقضى فيه يوم القيامة الدماء، ففي صحيح البخاري: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء).
فكيف إذا كان سفك الدماء في سبيل نظام كافر مجرم؟
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ) رواه النسائي.
كما أنَّ القتال في صف الكفار يُخشى على صاحبه فيه من الكفر، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [هود: 113] (**).
ومن التحق به فحكمه حكمهم في إباحة القتل والقتال، لا فرق في ذلك بين مسلم وغيره (***).
ثالثًا: من أُكرِه على الخروج مع جيش النظام: فليس له طاعته في قتل أحدٍ من المسلمين ولو خشي على نفسه القتل أو الاعتقال والتعذيب، فالإكراه ليس عذراً يبيح له قتل الأنفس المعصومة.
فإن فعل ذلك فقد ارتكب جرمًا عظيمًا، واكتسب إثمًا كبيرًا.
قال في بدائع الصنائع: "ولو أكره على القتل والزنا: لا يرخص له أن يفعل أحدهما".
وقال ابن العربي في "أحكام القرآن": "فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ؛ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْبَلَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ".
وقال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام": "فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْرَأَ مَفْسَدَةَ الْقَتْلِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ، لِأَنَّ صَبْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ أَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ إقْدَامِهِ عَلَيْهِ".
وقال ابن تيمية في "الفتاوى": "والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يُقاتل؛ بل عليه إفساد سلاحه, وأن يصبر حتى يُقتل مظلوما, فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم, فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون, كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين, وكما لو أكره رجل رجلا على قتل مسلم معصوم, فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين؛ وإن أكرهه بالقتل؛ فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس".
كما أنَّ وجود المكرهين في جيش النظام لا يمنع من قتاله؛ فالإكراه أمرٌ خفيٌ لا يمكن معه تمييز المكره من غيره ؛ والأصل معاملة الناس بما ظهر منهم.
قال ابن تيمية في "الفتاوى": "وَمَنْ أَخْرَجُوهُ مَعَهُمْ مُكْرَهًا: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ عَلَى نِيَّتِهِ ، وَنَحْنُ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ الْعَسْكَرَ جَمِيعَهُ، إذْ لَا يَتَمَيَّزُ الْمُكْرَهُ مِنْ غَيْرِهِ".
رابعًا: يجب على من يغلب على ظنه التعرُّض للإكراه: الاحتياطُ لنفسه، بتجنب الوجود في مناطق السَّوْق، أو المرور على الحواجز، ولو لم يجد مناصًا إلا بالخروج من المنطقة التي يعيش فيها: وجب عليه ذلك.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 97-98].
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "فالواجب على كل من أدركته ذِلَّةٌ أو جرت عليه محنةٌ: أن يخرج إلى ما وسَّع الله عليه من الأرض، فإن له في ذلك خِيَرَة، وربما كان الذي جرى عليه من المحنة سببًا أراد الله به إخراجه من تلك البلدة لخيرٍ قدَّره له في غيرها".
نسال الله بلطفه ومنَّه وكرمه أن يحمي شباب المسلمين، وأن يُجنِّبهم الفتن، ويهديهم لطريق الفوز والفلاح.
والحمد لله رب العالين.
================================
https://islamicsham.org