الإيمان سبيل الاطمئنان
لما كنتُ في رحلة المشرق، و امتدت بي تسعة أشهر تباعًا كنت أفكر في بناتي هل عرّاهن شيء؟ هل أصابتهن مصيبة؟
ثم أقول لنفسي: يا نفسُ ويحك، هل كنت تخافين لو كان معهنّ أخ يحنو عليهنّ أو جدٌّ يحفظهنّ، فكيف تخافينَ والحافظ هو الله، و لو كنت أنا معهن هل أملك لهنّ شيئًا إن قدر الله الضر عليهنّ؟ فلا ألبثُ أن أشعرَ بالاطمئنان!
ودهمني مرةً همٌ مقيم مقعِد، وجعلت أفكر في طريق الخلاص، وأضرب الأخماس بالأسداس، ولا أزال مع ذلك مشفقًا مما يأتي به الغد، ثم قلت: ما أجهلني! إذ أحسب أني أنا المدبِّر لأمري، وأحمل هم غدي على ظهري، ومن كان يدبر أمري لما كنت طفلاً رضيعًا ملقى على الأرض كالوسادة لا أعي و لا أنطق، و لا أستطيع أن أحمي نفسي من العقرب إن دبّت إليّ، والنار إن شبَّت إلى جنبي، أو البعوضة إن طنّت حولي؟ ومن رعاني قبل ذلك جنيناً، وبعد ذلك صبياً؟ أفيتخلى الله الآن عني؟
و رأيت كأن الهم ثقل كان على كتفي وأُلقى عني، ونمت مطمئنًا.
وباب الاطمئنان، والطريق إلى بلوغ حلاوة الإيمان هو الدعاء، ادع الله دائمًا، واسأله ما جلّ ودقّ من حاجتك، فإن الدعاء في ذاته عبادة، وليس المدار فيه على اللفظ البليغ، والعبارات الجامعة، وما يدعو به الخطباء على المنابر، يريدون إعجاب الناس بحفظهم وبيانهم، أكثر مما يريدون الإجابة، فإنّ هؤلاء كمن يتكلم كلاماً طويلاً في الهاتف (التليفون)، و شريط الهاتف مقطوع، بل المدار على حضور القلب، واضطرار الداعي، وتحقق الإخلاص، وربَّ كلمة عامية خافتة مع الإخلاص والاضطرار أقرب إلى الإجابة من كل الأدعية المأثورة تلقى من طرف اللسان.
فإن أنتَ أدمتَ صحبة الصالحينَ ومراقبة الله، ولازمت الدعاء وجدت ليلة القدر في كل يوم، ولو لم تـفد من هذا السلوك إلا راحة النفس، ولذة الروح لكفى، فكيف وأنت واجدٌ مع ذلك سعادة الأخرى، ورضا الله .
https://islamicsham.org