الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن مما أخبرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام من فتن آخر الزمان تكاثر الأعداء واجتماعهم على المسلمين، فقال: (يوشِكُ الأُممُ أن تَداعَى عليكم كما تَداعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها)، وهذا التداعي يأخذ أشكالًا عديدة: عسكرية، وفكرية، واقتصادية وغيرها.
وسبب هذا التداعي عدم الرضى والقبول بما عليه المسلمون بدين يحرر العباد من الخضوع لأي سلطانٍ إلا سلطان الله تعالى، ويرفض عبوديتهم إلا له، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
وهذا العداء مستمر إلى يوم القيامة، قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
ثم أخبرنا أن إلى السبيل لمقاومة هذا التكالب بالرجوع إلى الدين، وجهاد المعتدين، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرْع، وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم) رواه أبو داود، وأحمد.
وقد قرن هذا الأمر بوعد ألا يتمكن الأعداء الخارجيون من القضاء على المسلمين مهما كانت قوتهم، ومهما اشتدت محنتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا) رواه مسلم.
وخلال فترة الصراع الطويلة مع المسلمين، أدرك الأعداء أنَّهم لن يستطيعوا القضاء على المسلمين مباشرة، وأن العداء السافر للمسلمين لا يزيدهم إلا تمسكًا بالدين ورجوعًا إلهيه.
فعمدوا إلى استغلال الفرق المبتدعة والمنحرفة للحرب على الإسلام والمسلمين، وأشد فرقتين في هذا الزمن: فرقتا الرافضة والخوارج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى": "وَالرَّافِضَةُ هُمْ مُعَاوِنُونَ لِلْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي دُخُولِ التَّتَارِ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ إلَى أَرْضِ الْمَشْرِقِ بِخُرَاسَانَ، وَالْعِرَاقِ، وَالشَّامِ...
وَكَذَلِكَ فِي الْحُرُوبِ الَّتِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ النَّصَارَى بِسَوَاحِلِ الشَّامِ قَدْ عَرَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تَكُونُ مَعَ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُمْ عَاوَنُوهُمْ عَلَى أَخْذِ الْبِلَادِ لَمَّا جَاءَ التَّتَارُ وَعَزَّ عَلَى الرَّافِضَةِ فَتْحُ عَكَّا وَغَيْرِهَا مِنْ السَّوَاحِلِ، وَإِذَا غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ كَانَ ذَلِكَ غُصَّةً عِنْدَ الرَّافِضَةِ، وَإِذَا غَلَبَ الْمُشْرِكُونَ وَالنَّصَارَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ عِيدًا، وَمَسَرَّةً عِنْدَ الرَّافِضَةِ".
وقال: "وكذلك إذا صار لليهود دَوْلَةً بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ تَكُونُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ أعوانهم، فهم دائما يوالون الفار مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمُعَادَاتِهِمْ".
أما الخوارج: فمما حفظه التاريخ من خيانتهم للمسلمين أنه في عام 331هـ، خرج أبو يزيد الخارجي على دولة (العبيديين) الرافضية في المغرب، فوقف معه أهل السنة وقالوا: نكون مع أهل القبلة، أي الخوارج، لقتال الكفار، أي الشيعة الروافض، فلما تقابل الجيشان، وظهر انتصار المسلمين، قال أبو يزيد لأصحابه سرًا: إذا لقيتم القوم، فانكشفوا عن علماء القيروان، حتى يتمكن أعداؤهم منهم، فقتل منهم خلق كثير.
وأعاد بنو عبيد سيطرتهم على المغرب الأوسط مجددًا ثم بعد ذلك مصر والشام والحجاز..
ولا يخفى استخدامهم وتوظيفهم من أعداء المسلمين من النظام وغيره لذبح الثورتين السورية والعراقية.
فهل يعي أهل السنة أنهم هم المستهدفون من جميع هذه الحروب؟ وأن نجاتهم في ثباتهم على دينهم.
ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.
https://islamicsham.org