ليس بهذيان ..وهذا الدليل
يحصل أن تشعر النفس أنها وصلت نهاية الخط، وبلغت أرذل مراحل الضعف، وأُغلقت دونها كل السبل، وأوصد في وجهها باب السماء وضاقت عليها الأرض ونُصبت بينها و بين الآخرين سدود منيعة من الرفض والكراهية، وهي مرحلة عاشها الرسل المؤيدون بالوحي وقوة الله فكيف بعامة البشر وقد وصفها الله في كتابه بالاستيئاس التي لولا الإيمان بوعد الله لوقعت في اليأس، وقطعت الأمل تماما لتعجلها للنصر المادي المعروف في ساح المعركة ،والمنقذ الوحيد من حالة الانهيار التام في هذه المرحلة هو استمرار الامل والعمل حتى آخر غرسة وضربة بسيف، عندها ووقتها فقط يأتي النصر بعد الزلزلة الشديدة فيكون وقعه كوقع الماء على من تشقق قلبه وجوفه عطشا.
إن هذه الفئة التي يتنزل عليها النصر تختلف في نظرتها للأمور وتقييمها للنتائج فليست كل الكبوات فشلا. إن مجرد الانعطافة في حياة المجتمعات من الرضا التام بالخنوع والذل والظلم الى رفع الصوت والتفكير والرفض؛ لهو أحد أشكال النصر والتمكين فكيف إذا زاد على ذلك الوقوف المباشر في وجه الظلم وقبول كل ما يترتب على ذلك من تضحيات من شباب الأمة قبل شيبها؟!
إن النقلة التي أحدثتها الأحداث الأخيرة في حياة الأمة هي أعظم ما مر بها بعد سلسلة نكباتها ونكساتها وعقود التدجين و الاستعباد والتيه التي عاشتها.
إن خروج الأمة، الشباب تحديدا، من حالة الخوف والحرص والركض خلف المكتسبات الدنيوية لمعانقة المعاني النبيلة والمبادئ الجليلة لهو من عظيم الانتصارات وهذا مكسب لا توقفه آلة البطش مهما اشتطت بل تذكي وقوده فيرغب الأب باللحاق بابنه والصديق بصديقه والأخت بأختها والأتباع بقادتهم.
إن مشكلة عصرنا كانت في غياب النماذج والقدوات المعاصرة وضعف اتصال الأجيال الشابة بالتاريخ والسيرة، فجاءت الأحداث الحالية لتطرح بقوة قيادات تجمع بين أصالة الماضي ومعاصرة الحاضر، ويظهر في سلوكها تطبيق التنظير، وهذا ما حصل تماما في محاكمة مرشد الإخوان الذي تلقى حكم الإعدام بكل ثبات وقال لهم إن التربية على سنوات من مقولة "و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" جاء زمن تطبيقه وأوان حصاده وإن سنوات الزرع السابقة لم تكن حلما ولا هذيانا ولكنها واقع جميل محبب يتسابق إليه كل من أراد الانضمام إلى سجل الخالدين، وما هذه إلا منزلة إمامة المستضعفين الذين وعدهم الله بالتمكين لهم "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" وستظل كلمته و موقفه شاهدة له إماما في الحق في زمن السقوط المريع للقيادات والنخب!
لقد رافق كل عصور التغيير في كل الثقافات والشعوب قلة العدد والعدة ولكن التغيير كان في النفس والفهم و الممارسات، ووجود ثلة فدائية ورواحل تنوب عن البقية في صدارة المشهد بظهور محمية من عامة الشعب.
تمكين المستضعفين هو سنة إلهية ولكنه مرتبط بمزيد من العمل والإيمان لا الركون والرضا بالمظلومية واستمطار السماء دون التوبة عن الخذلان والقعود، فالبدريون بلغوا المدى في بذل كل نفيس فتنزل عليهم الفتح المبين.
إن فك الكماشة لا يطبق تماما على هذه الأمة الا بجني يديها، وتجني ذلك إلى أن يأذن الله بنصره.
يخاف الأعداء من نصر المفاهيم ،وتقديم القدوات؛ لذا يحاولون تشويهها وكسر عزيمتها بكل الوسائل حتى تسقط من حساب الكرامة وسجل العزة في نفوس الشعوب فيصير بعضهم مثل البلتاجي أن يقول لهم بابتسامة التحدي أنه لم يعد هناك ما يفعلونه لكسر عزيمته فالموت والحرية عنده سواء.
هذه النماذج يعلمها الله سبحانه ويسرها كما أخبرتنا الأحاديث بحسن صنيعها، وما نراه في كثير من الشباب أن تضحيتها لن تقع بإذن الله على آذان صماء ولا قلوب عمياء، فاستبشروا واعملوا.
https://islamicsham.org