كلمة العدد الثاني والعشرون
الكاتب : إدارة التحرير
الاثنين 21 يوليو 2014 م
عدد الزيارات : 2576
 
الوقاية من الفتن
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اقتضت حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن يبتلي عباده بالفتن، فيسلط عليهم فتنة بعد أخرى؛ يمتحن إيمانهم، ويختبر ثباتهم ومواقفهم، قال تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1- 3].
فهي فتنة لأهل العلم: هل يقولون الحق ويبينونه للناس، أم يكتمونه؟ قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. وفتنة لعامة الناس، هل ينساقون وراء هذه الفتن، أم يتحرون الحق، ويرجعون لأهل العلم فيها؟ كما أمرهم ربهم عز وجل: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [لنساء: 83].
وفي آخر الزمان تكثر الفتن، حتى (ترقق بعضها بعضًا)، أي يهونه؛ لكثرتها وشدتها، وعظم البلاء بها، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ) رواه مسلم، أي أن الفتنة الأولى تكون كبيرة، لكن يعقبها فتنة أعظم منها فترق الأولى مع أنها شديدة بالنسبة للثانية!
وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ) متفق عليه.
وقد بين أهل العلم السبيل إلى التعامل مع هذه الفتن، ومن أهم ذلك:
1- الصبر والتأني وعدم العجلة في قبول الأخبار والحوادث، ونقلها، أو الحكم عليها، أو اتخاذ موقف منها، فقد ذم  تعالى المسارعين إلى نشر الأقوال وإذاعتها قبل التثبت منها، فقال:{وإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [لنساء: 83].
بينما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر والحلم، فقال لأشج عبد القيس: (إِنَّ فِيك خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ) رواه مسلم.
2- عدم الحكم على شيء من تلك الفتن أو التغيرات إلا بعد تصوُّرها تصورًا تامًا، قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا} [الإسراء:36]، أي: أن الأمر الذي لا تتصوره ولا تكون على بينه منه؛ فإياك أن تتكلم فيه, فضلاً عن أن تكون فيه قائداً, أو تكون فيه حكماً .
وقد قرَّر أهل العلم في القاعدة المشهورة "الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره".
3- الاعتصام بالكتاب والسنة، وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح.
قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 175].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا : كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي) أخرجه الحاكم.
4- الأخذ عن العلماء الربانيين الراسخين، المعروفين والمشهود لهم بالعلم، والرجوع إليهم، فقد أمرنا الله تعالى بسؤال أهل العلم فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وقال محمد بن سيرين:  إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ".
فأهل العلم هم من يعرف معاني القرآن الكريم، والسنة النبوية، ويُحسن الحكم على الحوادث والوقائع، لا الجهلة أو المتعالمون أو المجهولون؛ لذا فإن أعظم فتنة يكون بها البلاء خلو الزمان من العلماء، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) متفق عليه.
4- لزوم الجماعة، فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب، ويد الله على الجماعة، ومن شد شذ في النار.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي... وذكر فيه:  قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ ( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ )" متفق عليه.
5- تقوى الله تعالى، وسؤاله الهداية والثبات؛ فهما أعظم أسباب الوقاية والنجاة من الفتن قال تعالى: {ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2].
وكان صلى الله عليه وسلم دائم طلب الهداية من الله تعالى في جميع شؤونه وأحواله، وهو النبي المعصوم، فكيف بمن هو دونه؟
الله اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، والحمد لله رب العالمين.
 

https://islamicsham.org