الولاء والبراء معناه وضوابطه
الولاء: مصدر وليَ بمعنى قرب منه، والمراد به هنا القرب من المسلمين بمودتهم وإعانتهم ومناصرتهم على أعدائهم والسكنى معهم.
والبراء: مصدر برى، بمعنى قطع. ومنه برى القلم بمعنى قطعه. والمراد هنا قطع الصلة مع الكفار فلا يحبهم ولا يناصرهم ولا يقيم في ديارهم إلا لضرورة.
الولاء والبراء من حقوق التوحيد: يجب على المسلم أن يوالي في الله وأن يعادي في الله وأن يحب في الله، وأن يبغض في الله، فيحب المسلمين ويناصرهم ويعادي الكافرين ويبغضهم ويتبرأ منهم. قال تعالى في وجوب موالاة المؤمنين: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55 - 56] . وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] . وقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].
ويتضح من هذه الآيات الكريمة وجوب موالاة المؤمنين وما ينتج عن ذلك من الخير ووجوب معاداة الكفار والتحذير من موالاتهم وما تؤدي إليه موالاتهم من شر.
وإن للولاء والبراء في الإسلام مكانة عظيمة، فهو أوثق عرى الإيمان. ومعناه توثيق عرى المحبة والألفة بين المسلمين ومفاصلة أعداء الإسلام. فقد روى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْمُوَالاةُ فِي اللَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) أخرجه الطبراني في الكبير، والبغوي في شرح السنة.
والحب في الله: محبة الشخص لأجل الله، بسبب تقواه وإيمانه.
والبغض في الله: بغض الشخص لأجل الله، بسبب معصيته أو كفره.
الفرق بين المداهنة والمداراة وأثرهما على الولاء والبراء:
المداهنة: هي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومصانعة الكفار والعصاة من أجل الدنيا والتنازل عما يجب على المسلم من الغيرة على الدين. ومثاله الاستئناس بأهل المعاصي والكفار ومعاشرتهم وهم على معاصيهم أو كفرهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة عليه. قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [المائدة: 78 - 80].
المداراة: هي درء المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له. كالرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تأليفه. فالمداراة لا تتنافى مع الموالاة إذا كان فيها مصلحة راجحة من كف الشر والتأليف أو تقليل الشر وتخفيفه، وهذا من مناهج الدعوة إلى الله تعالى. ومن ذلك مداراة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم للمنافقين في المدينة خشية شرهم وتأليفًا لهم ولغيرهم.
وهذا بخلاف المداهنة فإنها لا تجوز إذ حقيقتها مصانعة أهل الشر لغير مصلحة دينية وإنما من أجل الدنيا.
حكم موالاة العصاة:
إذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والنصرة والثواب لأصل الإيمان الذي فيه، وبقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر والمعصية.
هل يجوز التعامل مع غير المسلمين في الأمور الدنيوية؟ وهل يؤثر على الولاء والبراء؟
دلت النصوص الصحيحة على جواز التعامل مع غير المسلمين في المعاملات الدنيوية كمسائل البيع والشراء والإيجار والاستئجار والاستعانة بهم عند الحاجة على أن لا يضر بالمسلمين. فقد (اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا) أخرجه البخاري، والخِرِّيت: الخبير بمعرفة الطريق.
ورهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي في صاع من شعير وأجر علي رضي الله عنه نفسه ليهودية يمتح [أي يستخرج] لها الماء من البئر فمتح لها ست عشرة دلوًا كل دلو بتمرة. وقد استعان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم باليهود الذين كانوا في المدينة في قتال المشركين. واستعان بخُزاعة ضد كفار قريش.
https://islamicsham.org