عقيدة المسلم (7)
الركن الخامس من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر
اليوم الآخر: يوم القيامة الذي يُبْعثُ الناس فيه؛ للحساب، والجزاء.
وسمِّي بذلك؛ لأنه لا يوم بعده، حيث يستقرُ أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالبعث: وهو إحياء الموتى حين ينفخُ في الصور النفخة الثانية؛ فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة غيرَ منتعلين، عراة غيرَ مستترين، غُرلًا غيرَ مختونين، قال الله تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] .
والبعث: حقٌّ ثابت، دلَّ عليه الكتابُ، والسُّنَّةُ، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15، 16] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا) أخرجه البخاري، ومسلم، ومعنى (غُرْلًا): غير مختونين.
وأجمع المسلمون على ثبوته.
قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] وقال لنبِيِّه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] .
الثاني: الإيمان بالحساب والجزاء: يحاسَبُ العبد على عمله، ويجازى عليه، وقد دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسبِينَ} [الأنبياء: 47].
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ [أي: سِتره]، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ. قَالَ: فَإِنّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ) أخرجه البخاري، ومسلم.
والحساب والجزاء على الأعمال مقتضى الحكمة؛ فإن الله تعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به، وتحكيم شرعه، وأوجب قتال المعارضين، فلو لم يكن حساب ولا جزاء؛ لكان هذا من العبث الذي ينزهُ الرب الحكيم عنه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئبينَ} [الأعراف: 6، 7] .
الثالث: الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق.
فالجنة دار النعيم التي أعدها الله –تعالى- للمؤمنين المتقين، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم وتحكيم شرعه، وقاموا بطاعة الله ورسوله، مخلصين لله، مُتَّبِعِين لرسوله، فيها من أنواع النعيم (مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أَذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) أخرجه البخاري، ومسلم.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 7، 8] وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] .
وأعظم نعيم الجنة رؤية الله تعالى، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22_23].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ -قَالَ- يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ -قَالَ- فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ) أخرجه مسلم.
وأما النار: فهي دار العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين، الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب، والنَّكال ما لا يخطر على البال قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب: 64، 66] .
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر:
الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:
(أ) فتنة القبر: وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، ( فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم، ويضلُ الله الظالمين فيقول الكافر: هاه، هاه، لا أدري، ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا) فقلته أخرجه البخاري، ومسلم.
(ب) عذاب القبر ونعيمه: فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين، قال الله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، ويكون كذلك لمن شاء الله –تعالى- للعصاة من المسلمين، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في قبرين مرَّ بهما: (إنَّهما يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ..) أخرجه البخاري، ومسلم، وفي رواية (لاَ يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ).
(ومعنى في كَبِير): أي أنَّ هذا الفعل ليس كبيرًا في اعتقاد كثير من الناس، ولكنه كبيرة من كبائر الذنوب عند الله.
و(يَسْتَتِر): جاء تفسيرها في حديث آخر بقوله (لا يَستَنـزه): أي لا يحذر من أن يصيبه البول، ولا يتطهَّر منه بعد الانتهاء منه، و(النَّمِيمَة): نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد.
وفي صحيح مسلم من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ).
وأما نعيم القبر؛ فللمؤمنين الصادقين قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]
وقال تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88_ 89] .
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: (فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ) أخرجه أبو داود، وأحمد.
وللإيمان باليوم الآخر ثمراتٌ جليلة منها:
الأولى: الرغبة في فعل الطاعة، والحرص عليها؛ رجاء لثواب ذلك اليوم، والرهبة من فعل المعصية، ومن الرضى بها؛ خوفًا من عقاب ذلك اليوم.
الثانية: تسلية المؤمن عمَّا يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة، وثوابها.
الثالثة: اليقين بكمال عدل الله ورحمته.
الرابعة: الزهد في الدنيا ولذاتها الفانية.
https://islamicsham.org