وفاز حزب العدالة، بعد صبر وترقب، وقلق وانتظار، وعمل يتواصل فيه الليل مع النهار، مع وضع اليد على القلب، خشية ممن خاب وبار، ولكن الله سلَّم، وهذا فضل الله الذي بيده كل شيء، وهو على كل شيء قدير.
ونعم الله، شرط دوامها، شكر الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
(1)
التوكل على الله، من لوازمه الأخذ بكل المتاح من وسائل النجاح، في حدود جهد البشر وطاقتهم، مما يكون فيه الفلاح، وفي التقصير عن هذا يكون الإثم المبين، ثم يعقبها النواح، فالنصر يكون مع تحقق جملة من الأدوات، تعرف بأسباب النصر، فالسماء لا تمطر ذهبًا على الكسالى والخاملين والراقدين، وإنما بركات السماء تتنزل على العاملين الناشطين، وأصحاب الأيادي الخشنة من العمل: (اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ)، وعلى إثرها يكون الفوز البواح.
ومن الأخذ بالأسباب التخطيط، ووضع البرامج الهادفة، والارتجاليون هم أفشل الناس، ففي الصباح قرار، وفي المساء عكسه، وغالبًا ما يؤخذون بردود الأفعال، التي تجرُّ على العمل الويل، ويرافقه الويل، ويحيط به الثبور، وتتبدَّد الساعات الملاح.
ومن الأخذ بالأسباب، صناعة القرارات بمطابخ الشورى، وتأصيل العمل المؤسسي، وانتهاج العمل المكافيء، الخطة بالخطة، والوسيلة بمثلها، والتدبير له لوازمه، والعمل له أصوله، والإدارة لها قواعدها، ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، من أهم عوامل النجاح، فلا مجاملة، ولا محاباة، مع قاعدة تكريم المحسن، ومحاسبة المسيء.
ملاحظة:
الرمزية الزعامية، لها أهمية كبيرة، في العمل الحزبي، والنشاط الجماهيري، وهذه لا تتنافى مع العمل المؤسساتي، بحال من الأحوال، بل هي معبرة عنه، ومكملة له، إن أحسن التنظيم وأتقن.
أما المتواكلون، فهؤلاء تعبير عن صورة من صور الجبرية القديمة، ولكن بثوب جديد، فهم مذمومون شرعًا، فاشلون واقعًا، ظلاميون حقيقة، بل هم صورة من صور المأساة، على مدار التاريخ، وتتأكد هذه المأساوية أكثر، في واقعنا المعاصر، مع هذا الانفجار المعرفي الهائل، والتطور التكنلوجي المذهل، الذي يضعنا أمام استحقاقات: فروض العين، وفروض الكفاية، في استيعاب شامل لشؤون ما ينبغي القيام به.
تنبيه:
الزهد بمعناه الشرعي، وربانية القائد بكل مفرداتها، لا تتصادم مع حقيقة التوكل – في حال أخذت الأمور، من خلال مفهوم الشمول والتوازن - بل هي جزء لا بد منه للقائد المسلم.
(2)
معرفة الواقع، وابتكار ما يلزمه من عوامل النجاح مفردة من أهم المفردات، فالذي لا يعيش عصره، يحرث في الماء، ويكتب في الهواء، واستنبت بذوره في مربعات الخطأ.
وربما تبذل جهود كبيرة، في مجال من المجالات، ثم يتضح بعد ذلك، أن الطريق غير الطريق، والوضع غير الوضع - نتيجة غياب الرؤية، وعدم وضوح الهدف - فنرجع إلى نقطة الصفر، وما أكثر التجارب المرة، في هذا المجال.
من هنا كان حزب العدالة، مرتبًا أولوياته، منظمًا شؤونه، مهندسًا برنامج عمله، واعيًا لما يصنع، يدرك حقائق العمل، في دوائر الهدف، في ضوء المعطيات، وفي حدود الإمكانات المتاحة، فحقق نتائج رائعة، وعلى كل الصعد، فالإنتاج يورث الثقة، والدوران في الحلقات المفرغة، لا تجني منه سوى الضياع.
وفي هذا درس مهم، وهو أن العمل السياسي الناجح، هو الذي يتعاطى مع الواقع بدراية وفقه، ضمن الثوابت العامة.
أما الأحلام والتحليق مع الشعارات الأخاذة، والجمل العاطفية، فهذه لا تحل مشكلة، ولا تدفع نحو بناء صحيح، إذا كنا محصورين فيها.
وأظن أن الأمة قد شبَّت عن هذا الطوق، لأن الأمر كلفته كبيرة، إذا ما اقتصرنا عليه، فأحلام الفلاسفة، في كثير من الأحيان غير عملية، لأنها حبيسة حلم، ابتعد عن الواقع، فصار كالمدينة الفاضلة، لذا تجد، أن الواقعية، سمة لا يصح العدول عنها، حتى ونحن نوصِّف أدق الأشياء في ثوابتنا.
(3)
الجماهير ملّت الشعارات الفارغة، وسئمت من الكلمات الجوفاء، فعصر خداع الجماهير ببريق الكلام ولّى إلى غير رجعة.
والأحزاب الثورجية!! التي ملأت الدنيا ضجيجًا في فترة من الفترات، بشعارات تاقت لها بعض الجماهير، لم تحصد سوى صدى الكلام الذي تردده، وجرّت على البلاد والعباد العار والشنار، لأن السن مسوس، وهؤلاء الساسة، المسيسون!!! يلمعونه من الخارج، وعامة الجماهير لفظتهم، واتجهت نحو الأصالة، والبرامج الواقعية.
الشعوب تتوق إلى برامج العمل، صارت تعشق من يقدم لها الحلول، ومن يخدمها، ومن تلمس منه شيئًا على الأرض، تحس به، وتهنأ بظلال نتاجه، وفي هذا درس، لكل العاملين، في أن من أراد تأييد الناس، عليه أن يحل مشكلاتهم، ويقدم لهم النافع، الذي ينعكس على واقعهم بالخير.
الشعوب صارت تصفق للخطاب المنتج، والفعل الإيجابي، والثمار التي تقطف خيرها، في كل يوم، وأسبوع، وشهر، وسنة، أما أن تمضي السنة والسنتان، وأنت تعد وتمني، فهذا ما عاد مقبولًا.
الشعوب تريد من يعايش أحوالها، ويحمل همومها، ويحل مشكلاتها، وينزل من أبراجه العاجية، لينهض بها.
( 4)
الحرية مقصد مهم في ترسيخ قيم العمل السياسي - ومن ثم وفي أجوائها- تنتعش سبل الحياة كافة، وعلى الأمة أن تجعل مطلب الحرية في سلم أولوياتها، ومضى ذلك الزمن الذي يخاف الناس منه في إطلاق الحريات، وأثرها على القيم الأخرى، بل الثابت أن أجواء الحرية، هي التي تنتج الخير، لذا فإن الطواغيت يتكلمون عنها كثيرًا، ولكن القمع هو لغتهم.
حزب العادلة، كافح من أجل هذا المقصد حتى حققه على الأرض، ومن ثم كانت تلك الانسحابات الطيبة على أرض الواقع، وكسرت تلك الجدران الجليدية، التي كانت تحرم المحجبة، لأنها محجبة، من تحصيل حقوقها.
( 5 )
لا تتصور أن الدنيا تخلو من ماكرين وعابثين ومتربصين {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، ولو خلت من هذا لأحد، لما تعرض أنبياء الله ورسله لكيد الكائدين، ومؤامرات المتآمرين، إنها سنة الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
ووسائل المكر في عالم اليوم تطورت تطورًا مذهلًا بفعل جملة من العوامل، التي منها تطور الحياة في التكنلوجيا، والمعارف العلمية، وما وسائل التجسس سوى واحدة من هذه المفردات.
من هنا لزم أن يكون المرء على مستوى الحدث بكل شعبه، وما عاد اليوم يقبل في لغة العصر مفهوم (الدروشة) التي ربما بخطيئة واحدة نأتي على الأخضر واليابس.
وفي القديم، تحدث العلماء عن غفلة الصالحين، في عالم الرواية، وكان لها انسحاباتها الخطيرة، التي – بعد جهد مضن – استطاع أهل العلم تجاوزها.
هذا في الرواية، فكيف إذا كانت هذه الغفلة في إدارة صراع، أو قيادة دولة، أو الترتيب لمشروع نهضة؟؟
فالأمر يعظم أكثر، وتصبح الغفلة في الرواية، جزءًا من غفلة كارثية، تترتب عليها، قضايا خطيرة، تتعلق بمصالح الأمة، بل ربما ترتب عليها، إراقة دماء، ودخول أمة من الناس في ضياع.
(6)
التجربة التركية، تجربة لها أهمية بالغة، على كل العاملين في الحقل السياسي، أن يفهموا درسها، ويفيدوا منه، ويدرسوا طرائقها في النجاح، ويأخذوا بأحسنها، في ضوء خصوصية كل بلد، جغرافيًا وسكانيًا وسياسيًا، واجتماعيًا، وعادات وتقاليد.
وهكذا تفعل الأمم المتحضرة، في دراسة الأحداث والظواهر، أما الذين يعيشون عصور غيرهم، فلا يلتفتون إلى هذه المعاني، "والحكمة ضالة المؤمن، أنَّى وجدها، فهو أحق الناس بها".